وسميرم قرية بأصبهان . كان وزير السلطان محمود ، وكان مجاهرا بالظلم والفسق ، وبنى ببغداد دارا على دجلة فأخرب المحلة المعروفة بالتوثة ، ونقل آلاتها إلى [عمارة] داره فاستغاث إليه أهل التوثة فحبسهم ولم يخرجهم إلا بغرم ، وهو الذي أعاد المكوس بعد عشر سنين من زمان إزالتها ، وكان يقول: لقد سننت على أهل بغداد السنن الجائرة ، فكل ظالم يتبع أفعالي ، وما أسلم في الدنيا ، وقد فرشت حصيرا في جهنم ، وقد استحييت من كثرة التعدي على الناس وظلمي من لا ناصر له ، وقال هذا في الليلة التي قتل في صباحها ، وكان سرادقه قد ضرب بظاهر البلد ، وركب في بكرة ذلك اليوم ، وقال: قد عزمت على الركوب والإلمام بالحمام ، والعود عاجلا المسير في الوقت الذي اختاره المنجمون ، فعاد ودخل الحمام ثم خرج وبين يديه من العدد ما لا يحصى من حملة السلاح والصمصامات والسيوف ولم يمكنه سلوك الجادة التي تلي دجلة لزيادة الماء هناك فقصد سوق المدرسة التي وقفها خمارتكين التتشي واجتاز في المنفذ العتيق الذي فيه حظائر الشوك ، فلما خرج أصحابه بأجمعهم منه وبرز عنق بغلته ويداها وثب رجل من دكة في السوق فضربه بسكين فوقعت في البغلة ، ثم هرب إلى [دار على] دجلة فأمر بطلبه فتبعه الغلمان وأصحاب السلاح فخلا منهم المكان ، فظهر رجل آخر كان متواريا فضربه بسكين في خاصرته ثم جذبه عن البغلة إلى الأرض وجرحه عدة جراحات ، فعاد أصحاب الوزير فبرز لهم اثنان لم يريا قبل ذلك فحملا عليهم مع الذي تولى جراحته فانهزم ذلك الجمع من بين يدي هؤلاء الثلاثة ولم يبق من له قدرة على تخليصه ، ولحلاوة الروح قام الوزير وقد اشتغلوا عنه بالحملات على أصحابه فأراد الارتقاء إلى بعض درج الغرف التي هناك فعاوده الذي جرحه فجره [ ص: 213 ] برجله وجعل يكرر الضرب في مقاتله والوزير يستعطفه ، ويقول له: أنا شيخ ، فلم يقلع عنه وبرك على صدره وجعل يكبر ، ويقول بأعلى صوته: الله أكبر أنا مسلم أنا موحد ، هذا وأصحاب الوزير يضربونه على رأسه وظهره بسيوفهم ويرشقونه بسهامهم ، وذلك كله لا يؤلمه ، وسقط حين استرخت قوته فوجدوه لم يسقط حتى ذبحه كما يذبح الغنم ، وقتل مع الوزير رجلان من أصحابه ، وحملت جثة الوزير على بارية أخذت من الطريق إلى دار أخيه النصير ، وحز رأس الذي تولى قتله ، وقتل الأربعة الذين تولوا قتله وحز رأس القاتل خاصة . فحمل إلى المعسكر وجيء بالضارب الأول فقتل في المكان وألقيت رممهم بدجلة ، وكانت زوجة هذا الوزير قد خرجت في بكرة اليوم الذي قتل فيه راكبة بغلة تساوي ثلاثمائة دينار بمركب لا يعرف قيمته وبين يديها خمس عشرة جنيبة بالمراكب الثقال المذهبة ، ومعها نحو مائة جارية مزينات بالجواهر والذهب وتحتهن الهماليج بمراكب الذهب والفضة وبين أيديهم الخدم والغلمان والنفاطون بالشموع والمشاعل ، فلما استقرت بالخيم المملوءة بالفرش والأموال والحمال جاءها خبر قتل زوجها ، فرجعت مع جواريها وهن حواسر حواف ، فأشبه الأمر قول أبي العتاهية .
رحن في الوشي وأصبحت عليهن المسوح
ولقول هذا قصة ، وهو أن أبي العتاهية الخيزران قدمت على وهو المهدي بماسبذان في مائة قبة ملبسة وشيا وديباجا فمات فعادت إلى بغداد وعلى القباب المسوح السود مغشاة بها ، فقال أبو العتاهية:رحن في الوشي وأصبحن عليهن المسوح
كل نطاح من الدهر له يوم نطوح
لتموتن ولو عمرت ما عمر نوح
فعلى نفسك نح لا بد أن كنت تنوح
[ ص: 214 ]