ثم دخلت سنة سبع عشرة وخمسمائة
فمن الحوادث فيها:
أنه المسترشد في المحرم ، وكان إقبال الأمير الحاجب ، ونظر صاحب العسكر فنزل بقرية تعرف رحل بالحديثة من نهر ملك ، فاستقبله وجماعة من الأمراء الذين معه ، ودخلوا عليه وحلفوا على المناصحة والمبالغة في الحرب ، وقرأ البرسقي أبو الفرج محمد بن عمر الأهوازي على جزء المسترشد وهو سائر ، وكان قد ذكر أن جماعة من الحسن بن عرفة الباطنية وصلوا بغداد في زي الأتراك يقصدون الفتك ، فتقدم أن يبعد كل مستعرب من الأتراك عن السرادق ، وأمر بأن تحمل الأعلام الخاصة - وهي أربعة - أربعة من الخدم ، وكذلك الشمسة ولا يدنو من غير الخدم والمماليك ، وسار المسترشد وعسكره يوم الأحد رابع المحرم إلى المسترشد النيل ، فلما تقاربوا رتب سنقر البرسقي بنفسه العسكر صفوفا ، وكانوا نحو الفرسخ عرضا ، وجعل بين كل صفين محالا للخيل ، ووقف موكب الخليفة من ورائهم حيث يراهم ويرونه ، ورتب دبيس عسكره صفا واحدا وجعل له ميمنة وميسرة وقلبا ، وجعل الرجالة بين يدي الفرسان بالتراس الكبار ، ووقف في القلب من وراء الرجالة وقد منى عسكره ووعدهم نهب بغداد ، فلما تراءى الجمعان بادرت رجاله دبيس فحملت وصاحوا: يا أكلة الخبز الحوارى والكعك الأبيض ، اليوم نعلمكم الطعان والضرب بالسيف ، وكان دبيس قد استصحب معه البغايا والمخانيث بالملاهي والزمور والدفوف يحرضون العسكر ولم يسمع في عسكر الخليفة إلا القرآن والتسبيح والتكبير والدعاء والبكاء . [ ص: 217 ]
وفي هذه الليلة اجتمع أهل بغداد على الدعاء في المساجد وختام الختمات والابتهال في النصر فحمل عنتر بن أبي العسكر الكردي على صف الخليفة [فتراجعوا وتأخروا ، وكان الخليفة] ووزيره من وراء الصف خلف نهر عتيق ، فلما رأى هزيمة الرجالة قال الخليفة لوزيره أحمد: يا نظام الدين ما ترى؟ قال: نصعد العتيق يا أمير المؤمنين ، فصعد الخليفة والمهد والأعلام وجرد الخليفة سيفه وسأل الله تعالى النصر ، وقال جماعة من عسكر دبيس: إن عنترا غدر فلم يصدق ، قالوا: فلما رأوا المهد والعلم والموكب قد صعد على العتيق تيقن غدر عنتر فحمل [زنكي مع] جماعة كانوا قد كمنوا في عسكر دبيس فكسروهم وأسروا عنتر بن أبي العسكر ، ووقعت الهزيمة ، وهرب دبيس ومن معه من خواصه إلى الفرات ، فعبر بفرسه وسلاحه وقد أدركته الخيل ففاتهم ، وذكر أن امرأة عجوزا كانت على الفرات قالت لدبيس دبير جئت فقال دبير من لم يجئ ، وقتل الرجالة وأسر خلق كثير من عسكر دبيس ، وكان الواحد منهم إذا قدم ليقتل قال:
فداك يا دبيس ثم يمد عنقه ، ولم يقتل من عسكر الخليفة سوى عشرين فارسا ، وعاد الخليفة منصورا فدخل بغداد يوم عاشوراء ، وكانت غيبته من خروجه ستة عشر يوما ، ولما عاد الخليفة من حرب دبيس ثار العوام ببغداد فقصدوا مشهد مقابر قريش ونهبوا ما فيه وقلعوا شبائكه وأخذوا ما فيه من الودائع والذخائر ، وجاء العلويون يشكون هذا الحال إلى الديوان فأنهى ذلك ، فخرج توقيع الخليفة بعد أن أطلق في النهب بإنكار ما جرى وتقدم إلى نظر الخادم بالركوب إلى المشهد وتأديب الجناة ، ففعل ذلك ورد [بعض] ما أخذ فظهر في النهب كتب فيها سب الصحابة وأشياء قبيحة .