كان فيه فضل حسن ، وله شعر مليح إلا أنه كان متجرئا كثير الهجو ، وكان قد خلع عليه ولقبه المسترشد بالله جمال الملك ، وأعطاه أربعة آدر في درب الشاكرية ، وكان هو قد اشترى دورا إلى جانبها ، فهدم الكل وأنشأ دارا كبيرة ، وأعطاه الخليفة خمسمائة دينار ، وأطلق له مائة جذع ومائتي ألف آجرة ، وأجرى له إدرارا في كل سنة ، فظهر أنه يكاتب دبيسا ، وسبب ظهور ذلك أنه كان في المسجد الذي يحاذي دار السماك رجل يقال له مكي يصلي بالناس ويقرئ القرآن ، فكان إذا جاء رسول دبيس أقام عند ذلك الإمام بزي الفقراء فاطلع على ذلك بواب ابن أفلح ، واتفق أن ابن أفلح غضب على بوابه فضربه فاستشفع بالناس عليه ، فلم يرده ، فمضى وأطلع صاحب الشرطة على ذلك فمضى فكبس المسجد وأخذ الجاسوس ، وهرب ابن أفلح وإمام المسجد ، وأمر بنقض داره ، وكان قد غرم عليها [عشرين] ألف دينار ، وكان طولها ستين ذراعا في أربعين ، وقد أجريت بالذهب وعملت فيها الصور وفيها الحمام العجيب فيه بيت مستراح فيه بيشون ، إن فركه الإنسان يمينا خرج الماء حارا ، وإن فركه شمالا خرج باردا ، وكان على أبواب الدار مكتوب: المسترشد
إن عجب الزوار من ظاهري فباطني لو علموا أعجب شيدني من كفه مزنة
يحمل منها العارض الصبب ودبجت روضة أخلاقه
في رياضا نورها مذهب صدر كسا صدري من نوره
شمسا على الأيام لا تغرب
ومن المروءة للفتى ما عاش دار فاخره
[ ص: 339 ] فاقنع من الدنيا بها واعمل لدار الآخرة
هاتيك وافية بما وعدت وهذي ساحره
وناد كأن جنان الخلود أعارته من حسنها رونقا
وأعطته من حادثات الزمان أن لا تلم به موثقا
فأضحى يتيه على [كل] ما بنى مغربا كان أو مشرقا
تظل الوفود به عكفا وتمسي الضيوف له طرقا
بقيت له يا جمال الملوك والفضل مهما أردت البقا
وسالمه فيك ريب الزمان ووقيت منه الذي يتقا
ومن شعره المستحسن قوله:
دع الهوى لأناس يعرفون به قد مارسوا الحب حتى لان أصعبه
بلوت نفسك فيما لست تخبره والشيء صعب على من لا يجربه
افن اصطبارا وإن لم تستطع جلدا فرب مدرك أمر عز مطلبه
أحنى الضلوع على قلب يحيرني في كل يوم ويعييني تقلبه
تناوح الريح من نجد يهيجه ولا مع البرق من نعمان يطربه
منع الشوق جفوني أن تناما وأذاب القلب وجدا وغراما
يا نداماي على كاظمة هل ترومون وقد بنت مراما
أنا مذ فارقتكم ذو ندم فتراكم يا نداماي نداما
يا خليلي قفا ثم اسألا عن غزال نبه الشوق وناما
وقفا نسأل رسما عافيا أين من كان به قدما أقاما
هذه الخيف وهاتيك منى فترفق أيها الحادي بنا
واحبس الركب علينا ساعة نندب الربع ونبكي الدمنا
فلذا الموقف أعددنا الأسى ولذا الدمن دموعي تقتنا
زمنا كانوا وكنا جيرة يا أعاد الله ذاك الزمنا
بيننا يوم أثيلات النقا كان عن غير تراض بيننا
وإني وحقك منذ ارتحلت نهاري حنين وليلي أنين
وما كنت أعرف قبل امرأ بجسم مقيم وقلب يبين
وكيف السلو إلى سلوتي وحزني وفي وصبري خؤون
فأجابه بجواب كتبت منه كلمات مستحسنة ، وهي: كتبت إلى حضرة سيدنا مد الله في عمره امتداد أملي فيه ، وأدام علوه دوام بره لمعتفيه ، وحرس نعماه حراسة الأدب بناديه ، وكبت أعداءه كبت الجدب نبت أياديه ، على سلامة سلمت بتأميل إيابه ، وعافية عفت لولا قراءة كتابه:
وإني وحقك مذ بنت عنك قلبي حزين ودمعي هتون
وأخلف ظني صبر معين وشاهد شكواي دمع معين
ولله أيامنا الخاليا ت لو رد سالف دهر حنين
وإني لأرعى عهود الصفاء ويكلؤها لك سر مصون
وأحفظ ودك عن قادح وود الأكارم علق ثمين
ولم لا ونحن كمثل اليدين وأنت بفضلك منها اليمين
إذا قلت أسلوك قال الغرام هيهات ذلك ما لا يكون
وهل في سلو له مطمع وصبري خؤون وودي أمين
من أهل همذان ، رحل إلى البلاد ، وكتب الحديث الكثير فسمع وجمع ، وكان يروي عن جده علي بن الحسين الحسيني أشعارا منها:
وما لك من دنياك إلا بليغة تزجى بها يوما وتقضي بها ليلا
[ ص: 342 ] وما دونها مما جمعت فإنه لزيد وعمرو أو لأختهما ليلى
ولفتوان قرية من قرى أصبهان ، ولد سنة سبع وستين وأربعمائة ، وسمع أبا عمرو بن منده ، وأبا محمد التميمي ، وطرادا لما قدم أصبهان ، وورد بغداد بعد العشرين وخمسمائة فسمع من مشايخها ، وكان شيخا صالحا فقيرا ثقة متعبدا ، حدثنا عنه أشياخنا .
وتوفي بأصبهان في جمادى الآخرة من هذه السنة .
خاتمة الناسخ
هذا آخر الجزء السابع عشر من المنتظم في أخبار الأمم ، يتلوه في الجزء الثامن عشر دخول سنة أربع وثلاثين وخمسمائة ، وكان الفراغ منه في يوم الثلاثاء ثالث جمادى الآخرة سنة ست وثمانمائة ، أحسن الله عاقبتها وتعضد بخير بمنه وكرمه ، غفر الله لمن استكتبه وكتبه أو نظر فيه ، ودعا لهم بالمغفرة وخاتمة الخير بمنه وكرمه ، والحمد لله رب العالمين ، وصلوا على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا ، وحسبنا الله ونعم الوكيل .