4253 - عمر بن بهليقا الطحان .
عمر جامع العقبة بالجانب الغربي ، وكان مسجدا لطيفا فاشترى ما حوله وأوسعه وسمت همته حتى استأذن أن يجعله جامعا فأذن له ، إلا أن أكثر المواضع التي اشتراها كانت تربا فيها موتى فأخرجوا وبيعت ، وكان المسجد الأول ، مما يلي الباب والمنارة .
وتوفي في يوم الاثنين ثامن عشر ذي القعدة من هذه السنة ، ودفن على باب [ ص: 165 ] الجامع بعيدا من حائطه ، ثم نبش بعد أيام وأخرج فدفن ملاصقا لحائط الجامع ليشتهر ذكره بأنه بنى الجامع فتعجب من هذا بعض من له فطنة ، وقال : هذا رجل سعى في نبش خلق من الموتى وأخرجهم وجعل تربتهم مسجدا فقضي عليه بأن نبش بعد دفنه .
4254 - محمد بن عبد الله بن العباس بن عبد الحميد ، أبو عبد الله الحراني .
ولد في سنة أربع وثمانين وأربعمائة ، وشهد عند أبي الحسن الدامغاني في سنة أربع وخمسمائة ، زكاه أبو سعد المخرمي وأبو الخطاب الكلوذاني وعاش حتى لم يبق من شهود غيره وسمع الحديث الكثير من الدامغاني طراد والتميمي وأبي الحسن بن عبد الرزاق الأنصاري وكان لطيفا ظريفا وجمع كتابا سماه "روضة الأدباء " فيه نتف حسنة وسمعت منه أشياء ولي منه إجازة وزرته يوما فأطلت الجلوس عنده فقلت قد ثقلت فأنشدني :
لأن سميت إبراما وثقلا زيارات رفعت بهن قدري فما أبرمت إلا حبل ودي
ولا ثقلت إلا ظهر شكري
4255 - محمد بن محمد بن الحسين ، أبو يعلى ابن الفراء .
ولد سنة أربع وتسعين وأربعمائة وسمع الحديث من أبيه وعمه وغيرهم وتفقه على والده وأفتى ودرس وكان له ذكاء وفهم جيد وتولى القضاء وابن الحصين بباب الأزج وبواسط ثم أشهد قاضي القضاة أبو الحسن بن الدامغاني على نفسه ببغداد أنه قد عزله عن القضاء فذكر عنه أنه لم يلتفت إلى العزل ثم خاف من حكمه بعد العزل فتشفع بابن أبي الخير صاحب البطيحة إلى الخليفة حتى أمنه فقدم بعد إحدى عشرة سنة وقد ذهب بصره فلازم بيته فلما مرض طلب أن يدفن في دكة . أحمد بن حنبل
[ ص: 166 ] قال لي عبد المغيث : بعث بي إلى الوزير فقال في الدكة جدي لأمي فأنكر الوزير هذا وقال كيف تنبش عظام الموتى فتوفي ليلة السبت خامس جمادى الآخرة من هذه السنة ودفن عند آبائه بمقبرة أحمد .
4256 - مرجان الخادم
كان يقرأ القرآن ويعرف شيئا من مذهب وتعصب على الحنابلة فوق الحد حتى أن الحطيم الذي كان برسم الوزير الشافعي ابن هبيرة بمكة يصلي فيه ابن الطباخ الحنبلي مضى مرجان وأزاله من غير تقدم بغضا للقوم وناصبني دون الكل .
وبلغني أنه كان يقول : مقصودي قلع هذا المذهب ، فلما مات الوزير سعى بي إلى الخليفة وقال عنده كتب من كتب الوزير فقال الخليفة هذا محال فإن فلانا كان عنده أحد عشر دينارا ابن هبيرة لأبي حكيم وكان حشريا فما فعل فيها شيئا حتى طالعنا . فنصرني الله عليه ودفع شره .
ولقد حدثني سعد الله البصري وكان رجلا صالحا وكان مرجان حينئذ في عافية قال : رأيت مرجان في المنام ومعه اثنان قد أخذا بيده فقلت إلى أين ؟ قالا إلى النار ، قلت لماذا ؟ قالا : كان يبغض . ابن الجوزي
ولما قويت عصبيته لجأت إلى الله سبحانه ليكفيني شره فما مضت إلا أيام حتى أخذه السل .
فمات يوم الأربعاء ، حادي عشر ذي القعدة من هذه السنة ودفن بالترب .
4257 - يحيى بن محمد أبو المظفر ابن هبيرة الوزير .
ولد سنة تسع وتسعين وأربعمائة وقرأ بالقراءات وسمع الحديث الكثير وكانت له معرفة حسنة بالنحو واللغة والعروض وتفقه وصنف في تلك العلوم وكان متشددا في اتباع السنة وسير السلف ثم أمضه الفقر فتعرض للعمل فجعله المقتفي مشرفا في المخزن ثم رقاه إلى أن صيره صاحب الديوان ثم استوزره فكان يجتهد في اتباع الصواب [ ص: 167 ] ويحذر الظلم ولا يلبس الحرير ، وقال لي لما رجع من الحلة وكان قد خرج لدفع بعض العصاة دخلت على المقتفي فسلمت فقال ادخل هذا البيت فدخلت فإذا خادم وفراش ومعه خلعة حرير فقلت أنا والله ما ألبس هذا فخرج الخادم فأخبر المقتفي فسمعت صوت المقتفي قد والله قلت إنه ما يلبس وكان المقتفي معجبا به يقول ما وزر لبني العباس مثله .
وكان المستنجد معجبا به وقد ذكر أنه لما ولي المستنجد بالله دخل عليه فقال له يكفي في إخلاصي أني ما حابيتك في زمن من أبيك فقال صدقت .
وقال مرجان الخادم : سمعت المستنجد ينشد وزيره أبا المظفر ، وقد مثل بين يدي السدة الشريفة في أثناء مفاوضة ترجع إلى تقرير قواعد الدين وإصلاح أمر المسلمين وأنشده لنفسه مادحا له : ابن هبيرة
صفت نعمتان خصتاك وعمتا فذكرهما حتى القيامة ينشر
وجودك والدنيا إليك فقيرة وجودك والمعروف في الناس ينكر
فلو رام يا يحيى مكانك جعفر ويحيى لكفا عنه يحيى وجعفر
ولم أر من ينوي لك السوء يا أبا المظفر إلا كنت أنت المظفر
وكان آخر قد آذاه في ذلك الزمان وضربه فلما ولي الوزارة أحضره وأكرمه وولاه .
وكان يتحدث بنعم الله عليه ويذكر في منصبه شدة فقره القديم فيقول نزلت يوما إلى دجلة وليس معي رغيف أعبر به . وكان يكثر مجالسة العلماء والفقراء وكانت أمواله مبذولة لهم وللتدبير فكانت السنة تدور وعليه ديون .
وقال : ما وجبت علي زكاة قط وكان إذا استفاد شيئا قال أفادنيه فلان حتى أنه عرض له يوما حديث وهو : "من فاته حزبه بالليل فصلاه قبل الزوال كان كأنه صلاه بالليل " .
فقال : ما أدري ما معنى هذا فقلت له هذا ظاهر في اللغة والفقه أما اللغة : فإن العرب تقول : كنت الليلة إلى وقت الزوال ، وأما الفقه : فإن يصحح الصوم بنية قبل الزوال فقد جعل ذلك الوقت في حكم الليل فأعجبه هذا القول وكان يقول بين الجمع الكثير ما كنت أعرف ما معنى هذا الحديث حتى عرفنيه فلان فكنت أستحيي من الجماعة . وجعل لي مجلسا في داره كل جمعة يحضره ويطلق العوام في الحضور وكان بعض الفقراء يقرأ القرآن في داره فأعجبه فقال لزوجته إني أريد أن أزوجه ابنتي فغضبت الأم ومنعت من ذلك . أبا حنيفة
وكان يقرأ عنده الحديث في كل يوم بعد العصر فحضر فقيه مالكي فذكرت مسألة فخالف فيها ذلك الفقيه فاتفق الوزير وجميع العلماء على شيء وذلك الفقيه يخالف فبدر من الوزير أن قال له أحمار أنت أما ترى الكل يخالفونك وأنت مصر . فلما كان في اليوم الثاني قال الوزير للجماعة جرى مني بالأمس ما لا يليق بالأدب حتى قلت له تلك [الكلمة ] فليقل لي كما قلت له فما أنا إلا كأحدكم ، فضج المجلس بالبكاء وأخذ [ ص: 169 ] ذلك الفقيه يعتذر ويقول أنا أولى بالاعتذار والوزير يقول القصاص القصاص فقال يوسف الدمشقي يا مولانا إذا أبى القصاص فالفداء . فقال الوزير له حكمه فقال الرجل نعمك علي كثيرة فأي حكم [بقي ] لي ، قال لا بد قال علي [بقية دين ] مائة دينار ، فقال تعطى مائة دينار لإبراء ذمته ومائة لإبراء ذمتي فأحضرت في الحال فلما أخذها قال الوزير عفا الله عنك وعني وغفر لك ولي .
وكان الوزير يتأسف على ماضي زمانه عن تندم ما دخل فيه وقال لي كان عندنا بالقرية مسجد فيه نخلة تحمل ألف رطل فحدثت نفسي أن أقيم في ذلك المسجد وقلت لأخي محب الدين نقعد أنا وأنت وحاصلها يكفينا ثم [أنظر ] إلى ماذا صرت .
ثم صار يسأل الله الشهادة ويتعرض بأسبابها . كان الوزير صحيحا ليس به قلبة في يوم السبت ثاني عشر جمادى الأولى من هذه السنة نام ليلة الأحد في عافية فلما كان وقت السحر قاء فحضر طبيب كان يخدمه يقال له ابن رشادة فسقاه شيئا فيقال إنه سمه فمات وسقي الطبيب بعده بنحو ستة أشهر سما فكان يقول سقيت كما سقيت فمات .
قال المصنف رحمه الله : وكنت ليلة موت الوزير نائما بين جماعة من أصحابي على ظهر سطح فرأيت في المنام مع انشقاق الفجر كأني في دار الوزير وهو جالس فدخل رجل بيده حربة فضرب بها بين أنثييه فخرج الدم كالفوارة فضرب الحائط فالتفت فإذا خاتم ذهب ملقى فأخذته بيدي وقلت لمن أعطيه ؟ أنتظر خادما يخرج فأسلمه إليه فانتبهت فأخبرت من كان معي فما استتممت الحديث حتى جاء رجل فقال مات الوزير ، فقال من معي هذا محال أنا فارقته أمس العصر وهو في كل عافية ، فجاء آخر وآخر فصح الحديث ونفذ إلي من داره فحضرت فقال لي ولده لا بد أن تغسله فغسلته ورفعت يده ليدخل الماء في مغابنه فسقط الخاتم من يده فحيث رأيت الخاتم تعجبت من ذلك ورأيت في وقت غسله آثارا بوجهه وجسده تدل على أنه مسموم وحملت جنازته [ ص: 170 ] يوم الأحد إلى جامع القصر فصلي عليه ثم حمل إلى مدرسته التي بناها بباب البصرة فدفن بها وغلقت يومئذ أسواق بغداد وخرج جمع لم نره لمخلوق قط في الأسواق وعلى السطوح وشاطئ دجلة وكثر البكاء عليه لما كان يفعله من البر ويظهره من العدل . وقيل في حقه مراث كثيرة فمنها قول نصر البحتري :
ألمم على جدث حوى تاج الملوك وقل سلام
واعقر سويداء الضمير فليس يقنعني السوام
وتوق أن تبنى حياء دمع عينك أو ملام
فإذا ارتوت تلك الجنادل من دموعك والرغام
فأقم صدور اليعملا ت فبعد يحيى لا مقام
ذهب الذي كانت تقيدني مواهبه الجسام
فإذا نظرت إليه لم يخطر على قلبي الشآم
غاض الندى الفياض عن راجيه واشتد الأوام
وتفرقت تلك الجموع وقوضت تلك الخيام
عجبا لمن يغتر بالدنيا وليس لها دوام
عقبى مسرتها الأسى وعقيب صحتها السقام
ما مت وحدك يوم مـ ـت وإنما مات الأنام
يأبى لي الإحسان أن أنساك والشيم الكرام