كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد بعث على أهل البحرين المنذر بن ساوى ، واشتكى هو ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في شهر واحد ، ومات المنذر بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقليل .
وارتد أهل البحرين ، فأما عبد القيس ففاءت ، وأما بكر فتمت على ردتها ، وكان الذي ثنى عبد القيس الجارود بن عمرو حتى فاءوا .
وذلك أنهم قالوا: لو كان محمد نبيا ما مات ، فقال الجارود: تعلمون أنه كان [ ص: 84 ] قبله أنبياء؟ قالوا: نعم ، قال: فما فعلوا؟ قالوا: ماتوا ، قال: فإن محمدا قد مات كما ماتوا ، فعادوا إلى الإسلام .
فلما فرغ خالد من اليمامة بعث أبو بكر العلاء بن الحضرمي إلى البحرين في ستة عشر فارسا ، فقال ابن عبد القيس: إن لم يرتدوا فهم جندك فسار مع العلاء حتى بلغه عبد القيس ، فكتب الجارود إلى العلاء: إن بيني وبينك أسود النهار وضباع الليل ، ففهم فبعث العلاء جنوده تحت الليل فقتلوهم وسار وأمده ثمامة بقومه ، فنزل العلاء بأصحابه ليلة فنفرت الإبل فما بقي عندهم لا زاد ولا مزاد ، وأوصى بعضهم إلى بعض فصلى بهم العلاء الفجر وجثى فدعا فلاح لهم ماء ، فذهبوا إليه فشربوا ، فإذا الإبل [تكرد من كل وجه] ، فقام كل رجل منهم إلى ظهره ، فما فقدوا سلكا ، وخندق المسلمون وتراجعوا وتراوحوا القتال شهرا ، ثم كر المرتدون ، فتحصن المسلمون ، منهم بحصن بالبحرين يقال له: جواثا حتى كادوا يهلكون جوعا ، فنزل بعض المسلمين ليلا ، فجال في عسكر القوم ثم عاد فقال: إن القوم سكارى ، فخرج إليهم العلاء وأصحابه ، فوضعوا فيهم السيوف ، وأخذوا غنائمهم .
ولما فرغ العلاء من البحرين سار إلى هجر فافتتحها صلحا وكان فيها راهب ، فقيل له: ما دعاك إلى الإسلام فقال: ثلاثة أشياء خشيت أن يمسخني [الله] بعدها إن لم أسلم: فيض في الرمال ، وتمهيد أثباج البحار ، ودعاء سمعته في عسكرهم في الهواء من السحر ، قالوا: اللهم أنت الرحمن الرحيم ، لا إله غيرك ، والبديع ليس قبلك شيء ، والدائم غير الغافل ، [والحي] الذي لا يموت ، وخالق ما يرى وما لا يرى ، وكل يوم أنت في شأن ، علمت اللهم كل شيء بغير تعلم ، فعلمت أن القوم لم يعانوا بالملائكة إلا وهم على أمر الله .
فكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمعون من ذلك الهجري بعد . [ ص: 85 ]
ثم سار العلاء إلى الحطم ، ووجه بعض أصحابه فافتتحوها عنوة ، وندب الناس إلى دارين ، فأتى ساحل البحر ، فدعا الله واقتحموا ، فأجازوه كأنهم يمشون على مثل رملة [ميثاء] فوقها ماء يغمر أخفاف الإبل ، وكان بين الساحل ودارين مسيرة يوم وليلة لسفن البحر ، فالتقوا واقتتلوا وسبوا الذراري واستاقوا الأموال ، فبلغ نفل الفارس ستة آلاف ، والراجل ألفين ، ثم رجعوا عودهم على بدئهم كما عبروا . وفي ذلك يقول عفيف بن المنذر:
ألم تر أن الله ذلل بحره وأنزل بالكفار إحدى الجلائل دعونا الذي شق البحار فجاءنا
بأعجب من فلق البحار الأوائل