وفي هذه السنة ولي معاوية قيسارية وحرب أهلها .
وفيها رضي الله عنه عمر بن الخطاب مناجزة صاحب إيليا عمرو بن العاص أمر
قال علماء السير: لما انصرف أبو عبيدة إلى وخالد بن الوليد حمص نزل عمرو وشرحبيل على أهل بيسان فافتتحاها وصالحه أهل الأردن ، فاجتمع عسكر الروم بأجنادين وبيسان وغزة ، وكتبوا إلى بتفرقهم فكتب إلى عمر يزيد: كن في ظهورهم ، [ ص: 192 ] وسرح إلى معاوية قيسارية ، وكتب إلى عمرو يصدم الأرطبون ، وإلى علقمة يصدم الفيقار .
فسار إلى معاوية قيسارية ، فهزم أهلها وحصرهم فيها ، فجعلوا كلما خرجوا إليه هزمهم وردهم إلى حصنهم ، ثم قاتلوا فبلغت قتلاهم ثمانين ألفا ، وكملت في هزيمتهم بمائة ألف . وانطلق علقمة ، فحصر الفيقار بغزة ، وصمد عمرو إلى الأرطبون ومن بإزائه ، وخرج معه شرحبيل بن حسنة على مقدمته ، فنزل على الروم بأجنادين ، والروم في حصونهم ، وعليهم الأرطبون ، وكان أدهى الروم وأبعدهم غورا ، وكان قد وضع بالرملة جندا عظيما ، وبإيلياء جندا عظيما ، فأقام عمرو على أجنادين لا يقدر من الأرطبون على شيء ، فوليه بنفسه ودخل عليه كأنه رسول ، فأبلغه ما يريد ، وسمع كلامه ، وتأمل حصنه ، فقال الأرطبون في نفسه: هذا عمرو ، ثم دعا حرسيا ، فقال: اخرج ، فأقم مكان كذا وكذا ، فإذا مر بك فاقتله ، وفطن له عمرو ، فقال: قد سمعت مني وسمعت منك ، وأنا واحد من عشرة بعثنا عمر مع هذا الوالي ، فأرجع فآتيك بهم ، فإن رأوا في الذي عرضت مثل الذي أرى ، وإلا رددتم إلى مأمنهم . فقال: نعم ، ثم قال لرجل كان هناك:
اذهب إلى فلان فرده إلي ، ثم بان له أن عمرا قد خدعه ، فبلغ الخبر إلى فقال: لله در عمرو ، ثم التقوا عمر ، بأجنادين ، فاقتتلوا قتالا شديدا حتى كثرت القتلى بينهم ، وانهزم أرطبون ، فأوى إلى إيلياء ، ونزل عمرو بأجنادين ، فكتب إليه أرطبون: والله لا تفتح من فلسطين شيئا بعد أجنادين ، فارجع لا تغن ، وإنما صاحب الفتح رجل اسمه على ثلاثة أحرف ، فعلم عمرو أنه فكتب إلى عمر ، يعلمه أن الفتح مدخر له ، فنادى له الناس ، واستخلف عمر فقال له علي: أين تخرج بنفسك؟ فقال: أبادر لجهاد العدو موت العباس ، إنكم لو قد فقدتم العباس لانتقض بكم الشر كما ينتقض [أول] (الحبل . علي بن أبي طالب ،
فمات العباس لست خلون من إمارة عثمان ، وانتقض بالناس الشر . [ ص: 193 ]
وخرج حتى نزل بالجابية ، وكتب إلى أمراء الأجناد أن يستخلفوا على أعمالهم ويوافوه بالجابية ، فكان أول من لقيه يزيد ، ثم أبو عبيدة ، ثم خالد . ودخل الجابية فقال رجل من يهود دمشق: السلام عليك يا فاروق ، أنت والله صاحب أيلة ، لا والله لا ترجع حتى تفتح إيلياء ، فجاء أهل السير ، فصالحوه على الجزية ، وفتحوها له .
وقد ذكر قوم أن ذلك كان سنة أربع عشرة ، وجميع خرجات عمر أربع ، فأما الأولى فإنه خرج على فرس ، والثانية على بعير ، وفي الثالثة قصر عنها لأجل الطاعون ، دخلها فاستخلف عليها ، و[خرج] في الرابعة على حمار .
فلما كتب لأهل إيلياء كتاب أمان فرق فلسطين بين رجلين ، فجعل علقمة بن حكيم على نصفها وأنزله [الرملة ، وجعل علقمة بن محمد على نصفها وأنزله] إيلياء .
وقيل: كان فلسطين في سنة ست عشرة فتح