الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
194 - العلاء بن الحضرمي ، واسم الحضرمي عبد الله بن ضماد بن سلمى :

من حضرموت من اليمن ، وأخوه ميمون بن الحضرمي صاحب البئر التي بأعلى مكة ، يقال لها: بئر ميمون ، مشهورة على طريق العراق ، وكان حفرها في الجاهلية . [ ص: 242 ]

وأسلم العلاء قديما ، وبعثه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منصرفه من الجعرانة إلى المنذر بن ساوي العبدي بالبحرين ، وكتب معه كتابا يدعوه فيه إلى الإسلام ، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولى العلاء البحرين ، ثم عزله عنها ، وبعث أبا سعيد عاملا عليها ، فلم يزل عليها إلى أن توفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فأقبل إلى المدينة وترك العمل ، فبعث أبو بكر العلاء .

[أخبرنا أبو بكر بن عبد الباقي ، قال: أخبرنا الجوهري ، قال: أخبرنا ابن حيويه ، قال: أخبرنا أحمد بن معروف ، قال: أخبرنا الحسين بن الفهم ، قال: حدثنا محمد بن سعد ، قال: أخبرنا علي بن محمد بن عبد الله بن أبي سيف ، عن أبي إسماعيل الهمداني ، وغيره ، عن مجالد] ، عن الشعبي ، قال: كتب عمر بن الخطاب إلى العلاء بن الحضرمي وهو بالبحرين: أن سر إلى عتبة بن غزوان فقد وليتك عمله ، واعلم أنك تقدم على رجل من المهاجرين الأولين الذين قد سبقت لهم من الله ورسوله الحسنى ، لم أعزله أن لا يكون عفيفا صليبا شديد البأس ، ولكني ظننت أنك أغنى عن المسلمين في تلك الناحية منه ، فاعرف له حقه ، وقد وليت قبلك رجلا فمات قبل أن يصل ، فإن يرد الله أن يلي عتبة فالخلق والأمر لله رب العالمين .

واعلم أن أمر الله محفوظ بحفظه الذي أنزله ، فانظر إلى الذي خلقت له ، فاكدح له ودع ما سواه؛ فإن الدنيا أمد والآخرة أبد ، ولا يشغلنك شيء مدبر خيره عن شيء باق خيره ، واهرب إلى الله عز وجل من سخطه ، فإن الله عز وجل يجمع لمن شاء الفضيلة في حكمه وعلمه ، نسأل الله لنا ولك العون على طاعته ، والنجاة من عذابه .

قال: فخرج العلاء من البحرين ، وقدم البصرة في رهط ، منهم أبو هريرة [وأبو بكرة] ، فلما كانوا قريبا من أرض تميم مات العلاء ، فرجع أبو هريرة إلى البحرين ، وأبو بكرة قدم البصرة ، فكان أبو هريرة يقول: رأيت من العلاء بن الحضرمي ثلاثة أشياء لا أزال أحبه أبدا: رأيته قطع البحر على فرسه يوم دارين ، وقدم من المدينة يريد البحرين ، [ ص: 243 ] فلما كنا بالدهناء فقد ماؤهم ، فدعا الله عز وجل فنبع لهم ماء من تحت رمله ، فارتووا وارتحلوا ، ونسي رجل منهم بعض متاعه فرجع فأخذه ولم يجد الماء . وخرجت معه من البحرين إلى البصرة فمات ونحن على غير ماء فأبدى الله لنا سحابة ، فمطرنا فغسلناه وحفرنا له بسيوفنا ولم نلحد له ، فدفناه ومضينا ، فقلنا: رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دفناه ولم نلحد له ، فرجعنا فلم نجد موضع قبره .

195 - عمرو بن عنبسة بن خالد بن حذيفة ، أبو نجيح السلمي :

قديم الإسلام ، كان يقول: رغبت عن آلهة قومي في الجاهلية ، ورأيت أنها باطلة ، فلقيت رجلا من أهل الكتاب ، فقلت: إني امرؤ ممن يعبد الحجارة فينزل الحي ليس معهم إله ، فيخرج الرجل منهم فيأتي بأربعة أحجار فينصب ثلاثة لقدره ، ويجعل أخيرها إلها يعبده ، ثم لعله يجد أحسن منه فيتركه ثم يأخذ غيره ، فرأيت أن هذا باطل ، فدلني على خير من هذا ، فقال: يخرج من مكة رجل يرغب عن آلهة قومه ، فإذا رأيت ذلك فاتبعه فإنه يأتي بأفضل الدين ، فلم يكن لي همة إلا مكة ، فآتي فأسأل: هل حدث بها حدث؟ فيقال: لا ، ثم قدمت مرة فسألت فقالوا: حدث ، رجل يرغب عن آلهة قومه ، فسألت عنه فوجدته مستخفيا ، ووجدت قريشا عليه أشداء ، فتلطفت حتى دخلت عليه ، فسألته ، فقلت: أي شيء أنت؟ قال: نبي ، قلت: ومن أرسلك؟ قال: الله ، قلت: وبما أرسلك؟ قال: بعبادة الله وحده لا شريك له ، وبحقن الدماء ، وبكسر الأوثان ، وصلة الرحم ، وأمان السبيل . قلت: نعم ما أرسلك به ، قد آمنت بك وصدقتك ، فمن تبعك؟

قال: حر وعبد ، وليس معه إلا أبو بكر وبلال ، فلقد رأيتني وأنا رابع الإسلام ، ثم قلت:

أتأمرني أن أمكث معك أو أنصرف ، فقال: ألا ترى كراهية الناس لما جئت به ، فلا تستطيع أن تمكث ، كن في أهلك ، فإذا سمعت بي قد خرجت مخرجا فاتبعني ، فمكثت في أهلي حتى إذا خرج إلى المدينة سرت إليه ، فقدمت المدينة ، فقلت: يا نبي الله ، أتعرفني؟ قال: أنت السلمي الذي أتيتني بمكة ، فسألتني عن كذا ، فقلت لك: كذا ، فقلت: أي الليل أسمع؟ قال: الثلث الأخير .


قال الواقدي : كان عمرو بن عنبسة ينزل صفنة وجادة ، وهي من أرض بني [ ص: 244 ] سليم ، فلم يزل مقيما هناك حتى مضت بدر وأحد والخندق والحديبية وخيبر ، ثم قدم بعد ذلك على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

196 - عتبة بن غزوان [بن جابر المازني ]:

وقد تقدم خبره بمسيرة إلى فرج الهند ، ويكنى أبا عبد الله . [هاجر إلى الحبشة الهجرة الثانية ، وشهد بدرا ، واستعمله عمر على البصرة ، وهو الذي مصرها واختطها ، ثم قدم على عمر فرده إلى البصرة واليا ، فمات في الطريق في هذه السنة .

وقيل: في سنة خمس عشرة ، وهو ابن سبع وخمسين ، وقيل: خمس وخمسين .

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز ، أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت ، قال: أخبرني الأزهري ، حدثنا أحمد بن إبراهيم البزار ، حدثنا جعفر بن أحمد المروزي ، حدثنا السري بن يحيى ، حدثنا شعيب بن إبراهيم ، حدثنا سيف بن عمر ، عن محمد وطلحة والمهلب وزياد وعمرو ، قالوا: مصر المسلمون المدائن وأوطنوها ، حتى إذا فرغوا من جلولاء وتكريت ، وأخذوا الحصنين ، كتب عمر إلى سعد: أن ابعث عتبة بن غزوان إلى فرج الهند فليرتد منزلا يمصره ، وابعث معه سبعين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فخرج عتبة بن غزوان في سبعمائة من المدائن ، فسار حتى نزل شاطئ دجلة ، وتبوأ دار مقامه .

أخبرنا هبة الله بن محمد بن الحصين ، أخبرنا أبو علي التميمي ، أخبرنا أحمد بن جعفر ، حدثنا عبد الله بن أحمد ، قال: حدثني أبي ، حدثنا بهز بن أسد ، حدثنا سليمان بن المغيرة ، حدثنا حميد بن هلال ، عن مخالد بن عمير ، قال: خطب عتبة بن غزوان فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال: أما بعد ، فإن الدنيا قد آذنت بصرم ، وولت حذاء ، ولم يبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء يتصابها صاحبها ، وأنتم [ ص: 245 ] منتقلون بعدها إلى دار لا زوال لها ، فانتقلوا بخير ما بحضرتكم ، فإنه قد ذكر لنا أن الحجر يلقى من شقة جهنم ، فيهوي فيها سبعين عاما ما يدرك لها قعرا ، والله لتملأن ، أفعجبتم ، والله لقد ذكر لنا أن ما بين مصراعي الجنة مسيرة أربعين عاما ، وليأتين عليه يوم وهو كظيظ بالزحام ، ولقد رأيتني وأنا سابع سبعة مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما لنا طعام إلا ورق الشجر حتى قرحت أشداقنا ، وإني التقطت بردة فشققتها بيني وبين سعد فاتزر بنصفها ، واتزرت بنصفها ، فما أصبح اليوم منا أحد إلا أصبح أمير مصر من الأمصار ، وإني أعوذ بالله أن أكون في نفسي عظيما وعند الله صغيرا ، وإنها لم تكن نبوة قط إلا تناسخت حتى يكون آخرها ملكا فستخبرون وتجربون الأمراء بعدنا .

انفرد بإخراجه مسلم ، وليس لعتبة في الصحيح غيره .

رواه أحمد بن حنبل ، قال: حدثنا بهز بن راشد ، قال: حدثنا سليمان بن المغيرة ، قال: حدثنا حميد -يعني ابن هلال- عن خالد بن عمير ، قال: خطب عتبة بن غزوان أخبرنا أبو منصور القزاز ، أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت ، أخبرنا ابن بشران ، أخبرنا ابن صفوان ، حدثنا ابن أبي الدنيا ، حدثنا محمد بن سعد ، حدثنا محمد بن عمر ، قال: حدثني عبد الله وإبراهيم بن عبد الله من ولد عتبة بن غزوان ، قالا:

قدم عتبة المدينة في الهجرة وهو ابن أربعين سنة ، وتوفي وهو ابن خمس وسبعين سنة ، وكان طوالا جميلا ، يكنى أبا عبد الله ، ومات سنة سبع عشرة بطريق البصرة عاملا لعمر بن الخطاب عليها .

قال ابن سعد: وأخبرني الهيثم بن عدي قال: كانت كنيته أبا غزوان . [ ص: 246 ]

قال الواقدي : يقال: كان عتبة مع سعد بن أبي وقاص ، فوجهه إلى البصرة بكتاب عمر إليه يأمره بذلك ، فوليها ستة أشهر ، ثم خرج على عمر .

وقد قال خليفة بن خياط : توفي سنة أربع عشرة .

وقال أبو حسان الزيادي : سنة خمس عشرة .

وقيل: ستة وعشرين .

وسبع عشرة أصح؛ لأن المدائن فتحت سنة ست عشرة ، ثم مصرت البصرة بعد ذلك]

197 - مالك بن قيس بن ثعلبة بن العجلان ، أبو خيثمة :

شهد أحدا والمشاهد بعدها مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وتخلف عن تبوك عشرة أيام ، فدخل يوما على امرأتين له في يوم حار ، فوجدهما في عريشين لهما قد رشت كل واحدة منهما عريشها ، وبردت له ماء وهيأت له طعاما ، فقال: سبحان الله ، رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الضح والريح والحر وأبو خيثمة في ظلال باردة وطعام مهيأ وامرأتين حسناوين ، والله لا أدخل عريش واحدة منكما ولا أكلمكما حتى ألحق برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فخرج إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال له: أولى لك يا أبا خيثمة ، فأخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم خبره ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خيرا ودعا له .

198 - أم عطية الأنصارية ، واسمها نسيبة -بضم النون وفتح السين- بنت كعب:

أسلمت وبايعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وغزت معه سبع غزوات ، وكانت تخلفهم في الرجال ، وتصنع لهم الطعام ، وتقوم على المرضى ، وتداوي الجرحى . [ ص: 247 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية