الآية السادسة عشرة
قوله تعالى : { ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير وما جعل عليكم في الدين من حرج وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم } .
فيها أربع مسائل :
المسألة الأولى :
الحرج هو الضيق ، ومنه الحرجة ، وهي الشجرات الملتفة لا تسلك ; لالتفاف شجراتها ، وكذلك وقع التفسير فيه من الصحابة رضي الله عنهم .
روي أن جاء في ناس من قومه إلى عبيد بن عمير ، فسأله عن الحرج ، فقال : أو لستم ابن عباس العرب ؟ فسألوه ثلاثا . كل ذلك يقول : أو لستم العرب ، ثم قال : ادع لي رجلا من هذيل ، فقال له : ما الحرج فيكم ؟ قال : الحرجة من الشجرة : ما ليس له مخرج .
وقال : ذلك الحرج ، ولا مخرج له . [ ص: 309 ] ابن عباس
المسألة الثانية : في محل النفي :
وقد روي عن عثمان بن يسار عن في قوله تعالى : { ابن عباس وما جعل عليكم في الدين من حرج } قال : هذا في . تقديم الأهلة وتأخيرها بالفطر ، والأضحى ، وفي الصوم
وثبت صحيحا عن قال : تقول : ما جعل عليكم في الدين من حرج ، إنما ذلك سعة الإسلام : ما جعل الله فيه من التوبة والكفارات . ابن عباس
وقال عكرمة : أحل لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع وما ملكت يمينك .
قال القاضي : قال النبي صلى الله عليه وسلم : { بعثت بالحنيفية السمحة . وقد كانت الشدائد والعزائم في الأمم ، فأعطى الله هذه الأمة من المسامحة واللين ما لم يعط أحدا قبلها في حرمة نبيها ، ورحمة نبيها صلى الله عليه وسلم لها } .
فأعظم حرج رفع المؤاخذة بما نبدي في أنفسنا ونخفيه ، وما يقترن به من إصر وضع ، كما بينا من قبل في سورة الأعراف وغيرها .
ومنها . وقيل لمن قبلنا : { التوبة بالندم ، والعزم على ترك العود في المستقبل ، والاستغفار بالقلب واللسان فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم } ، ولو ذهبت إلى تعديد نعم الله في رفع الحرج لطال المرام .
ومن جملته أنه لا يؤاخذنا تعالى إن نسينا أو أخطأنا . وقد بيناه أيضا فيما قبل ذلك .
وقد ثبت في الصحيح عن وغيره { عبد الله بن عمرو } . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف في حجة الوداع ، فجعلوا يسألونه ، فقال رجل : لم أشعر فحلقت قبل أن أذبح . قال : اذبح ، ولا حرج . فجاء آخر ، فقال : لم أشعر فنحرت قبل أن أرمي فقال : ارم [ ص: 310 ] ولا حرج . فما سئل يومه عن شيء قدم ولا أخر إلا قال : افعل ولا حرج
فأعجب لمن يقول : إن ، والنبي صلى الله عليه وسلم قد قال : ولا حرج ، ولقد نزلت بي هذه النازلة سنة تسع وثمانين ، كان معي ما استيسر من الهدي ، فلما رميت جمرة الدم على من قدم الحلق على النحر العقبة ، وانصرفت إلى النحر جاء المزين وحضر الهدي ، فقال أصحابي : ننحر ونحلق ، فحلقت ، ولم أشعر قبل النحر ، وما تذكرت إلا وجل شعري قد ذهب بالموسى ، فقلت : دم على دم ، لا يلزم ، ورأيت بعد ذلك الاحتياط لارتفاع الخلاف . والحق هو الأول ، فهو المعقول .