الآية الثانية قوله تعالى : { وليال عشر } : فيها أربع مسائل :
المسألة الأولى في تعيينها أربعة أقوال : الأول أنها عشر ذي الحجة ; روي عن ، وقاله ابن عباس ، ورواه عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يصح . [ ص: 334 ] جابر
الثاني : عشر المحرم ; قاله الطبري .
الثالث : أنها العشر الأواخر من رمضان .
الرابع أنها العشر التي أتمها الله لموسى عليه السلام في ميقاته معه .
المسألة الثانية أما كل مكرمة فداخلة معه في هذا اللفظ بالمعنى لا بمقتضى اللفظ ; لأنها نكرة في إثبات ، والنكرة في الإثبات لا تقتضي العموم ، ولا توجب الشمول ; وإنما تتعلق بالعموم مع النفي ; فهذا القول يوجب دخول ليال عشر فيه ، ولا يتعين المقصود منه ، فربك أعلم بما هي ; لكن تبقى هاهنا نكتة ; وهي أن تقول : فهل من سبيل إلى تعيينها وهي :
المسألة الثالثة قلنا : نحن نعينها بضرب من النظر ، وهي العشر الأواخر من رمضان ; لأنا لم نر في هذه الليالي المعتبرات أفضل منها ، لا سيما وفيها ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر ; فلا يعادلها وقت من الزمان .
المسألة الرابعة قال عن ابن وهب : { مالك وليال عشر } ; قال : الأيام مع الليالي ، والليل قبل النهار ، وهو حساب القمر الذي وقت الله عليه العبادات كما رتب على حساب الشمس الذي يتقدم فيه النهار على الليل بالعادات في المعاش والأوقات .
وقد ذكر شيخ اللغة وحبرها أبو عمرو الزاهد أن من العرب من يحسب النهار قبل الليل ، ويجعل الليلة لليوم الماضي ، وعلى هذا يخرج { في حديث إيلاء رسول الله صلى الله عليه وسلم من نسائه ، فلما كان صبيحة تسع وعشرين ليلة أعدهن عدا دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت : يا رسول الله ، ألم تكن آليت شهرا فقال : إن الشهر تسع وعشرون عائشة } ، ولو كانت الليلة لليوم الآتي لكان قد غاب عنهن ثمانية وعشرين يوما ، وهذا التفسير بالغ طالما سقته سؤالا للعلماء باللسان [ ص: 335 ] وتقليبا للدفاتر بالبيان حتى وجدت قول أبا عمرو وقد ذكر هذا ; فإما أن تكون لغة نقلها ، وإما أن تكون نكتة أخذها من هذا الحديث واستنبطها .
والغالب في ألسنة الصحابة والتابعين غلبة الليالي للأيام ، حتى إن من كلامهم : " صمنا خمسا " يعبرون به عن الليالي ، وإن كان الصوم في النهار . والله أعلم .