المسألة الثامنة والعشرون :
قوله تعالى : { ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا } اختلف الناس فيه على ثلاثة أقوال : أحدها : لا يأب الشهداء عن تحمل الشهادة إذا تحملوا .
الثاني : لا يأب الشهداء عن الأداء .
الثالث : لا يأب الشهداء عنهما جميعا ، لا يأب الشهداء عن التحمل إذا حملوا ولا يأبوا عن الأداء إذا تحملوا .
وكذلك اختلفوا في حكم هذا النهي عن ثلاثة أقوال : أحدها : أن فعل ذلك ندب .
الثاني : أن ذلك فرض على الكفاية .
الثالث : أنها فرض على الأعيان مطلقا ; قاله . الشافعي
والصحيح عندي أن المراد هاهنا حالة ; لأن حالة الأداء مبينة بقوله تعالى : { التحمل للشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه }
وإذا كانت حالة التحمل فهي فرض على الكافية إذا قام به البعض سقط عن البعض ; لأن إباية الناس كلهم عنها إضاعة للحقوق ، وإجابة جميعهم إليها تضييع للأشغال ; فصارت كذلك فرضا على الكفاية ; ولهذا المعنى جعلها أهل تلك الديار ولاية فيقيمون للناس شهودا يعينهم الخليفة ونائبه ، ويقيمهم للناس ويبرزهم لهم ، ويجعل لهم من بيت المال كفايتهم ، فلا يكون لهم شغل إلا تحمل حقوق الناس حفظا ، وإحياؤها لهم أداء .
[ ص: 339 ] فإن قيل : فهذه شهادة بالأجرة . قلنا : إنما هي شهادة خالصة من قوم استوفوا حقوقهم من بيت المال ، وقد بيناه في شرح الحديث ومسائل الخلاف .