المسألة الثانية : في ماذا تقع الإشارة  ؟ : قال علماؤنا : المراد به الاستشارة في الحرب ، ولا شك في ذلك ; لأن الأحكام لم يكن لهم فيها رأي بقول ، وإنما هي بوحي مطلق من الله عز وجل ، أو باجتهاد من النبي صلى الله عليه وسلم على من يجوز له الاجتهاد . 
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في حديث الإفك حين خطب : { أشيروا علي في أناس أبنوا أهلي ، والله ما علمت على أهلي إلا خيرا   } يعني بقوله " أبنوهم " عيروهم .  [ ص: 390 ] ولم يكن هذا من النبي صلى الله عليه وسلم سؤالا لهم عن الواجب ، وإنما أراد أن يستخرج ما عندهم من التعصب لهم وإسلامهم إلى الحق الواجب عليهم ; { فقال له رجل من الأنصار  ، من الأوس    : يا رسول الله ; أنا أعذرك منه إن كان من الأوس  ضربنا عنقه ، وإن كان من إخواننا من الخزرج  أمرتنا فيه بأمرك . فقام  سعد بن عبادة  سيد الخزرج  ، وكان قبل ذلك رجلا صالحا ولكن اجتهلته الحمية ، فقال لذلك الأوسي : كذبت ، لعمر الله لا تقتله ، ولا تقدر على قتله . فقام  أسيد بن حضير  ، وهو ابن عم الأوسي المتكلم أولا ، فقال  لسعد بن عبادة    : كذبت ، لعمر الله لنقتلنه ; فإنك رجل منافق تجادل عن المنافقين ، فتثاور الحيان الأوس والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر ; فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخفضهم حتى سكتوا   } . وكانت هذه فائدة لمن بعده ليستن بالنبي صلى الله عليه وسلم في المشاورة . 
وقد روى  أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود  عن أبيه قال : { لما كان يوم بدر جيء بالأسارى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما تقولون في هؤلاء الأسارى ؟ فذكر في الحديث قصة طويلة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا ينفلتن أحد منهم إلا بفداء أو ضرب عنق . قال  عبد الله بن مسعود    : فقلت : يا رسول الله ، إلا سهيل ابن بيضاء  فإني قد سمعته يذكر الإسلام ، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فما رأيتني في يوم أخوف أن يقع علي حجارة من السماء مني في ذلك اليوم ، حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إلا سهيل ابن بيضاء    . قال : ونزل القرآن بقول  عمر    : { ما كان لنبي أن يكون له أسرى    }   }  [ ص: 391 ] قال القاضي    : وهذا حديث صحيح ، وهو على النحو الأول أراد أن يختبر ما عندهم في قرابتهم وحال أنفسهم فيما يفعل بهم . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					