ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا  
 [ ص: 91 ] فيه أربع مسائل : 
الأولى : قوله تعالى : ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء   يقال : كان الناس يتزوجون امرأة الأب برضاها بعد نزول قوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها  حتى نزلت هذه الآية : ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم  فصار حراما في الأحوال كلها ؛ لأن النكاح يقع على الجماع والتزوج ، فإن كان الأب تزوج امرأة أو وطئها بغير نكاح حرمت على ابنه ؛ على ما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى . 
الثانية : قوله تعالى : ما نكح قيل : المراد بها النساء . وقيل : العقد ، أي نكاح آبائكم الفاسد المخالف لدين الله ؛ إذ الله قد أحكم وجه النكاح وفصل شروطه . وهو اختيار الطبري    . ف من متعلقة ب تنكحوا و " ما نكح " مصدر . قال : ولو كان معناه ولا تنكحوا النساء اللاتي نكح آباؤكم لوجب أن يكون موضع ما " من " . فالنهي على هذا إنما وقع على ألا ينكحوا مثل نكاح آبائهم الفاسد . والأول أصح ، وتكون ما بمعنى " الذي " و " من " . والدليل عليه أن الصحابة تلقت الآية على ذلك المعنى ؛ ومنه استدلت على منع نكاح الأبناء حلائل الآباء    . وقد كان في العرب قبائل قد اعتادت أن يخلف ابن الرجل على امرأة أبيه ، وكانت هذه السيرة في الأنصار  لازمة ، وكانت في قريش  مباحة مع التراضي . ألا ترى أن عمرو بن أمية خلف  على امرأة أبيه بعد موته فولدت له مسافرا  وأبا معيط  ، وكان لها من أمية  أبو العيص  وغيره ؛ فكان بنو أمية  إخوة مسافر  وأبي معيط  وأعمامهما . ومن ذلك  صفوان بن أمية بن خلف  تزوج بعد أبيه امرأته فاختة بنت الأسود بن المطلب بن أسد  ، وكان أمية  قتل عنها . ومن ذلك منظور بن زبان  خلف على مليكة بنت خارجة  ، وكانت تحت أبيه زبان بن سيار    . ومن ذلك حصن بن أبي قيس  تزوج امرأة أبيه كبيشة بنت معن    . والأسود بن خلف  تزوج امرأة أبيه . وقال  الأشعث بن سوار    : توفي أبو قيس  وكان من صالحي الأنصار  فخطب ابنه قيس  امرأة أبيه فقالت : إني أعدك ولدا ، ولكني آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم أستأمره ؛ فأتته فأخبرته فأنزل الله هذه الآية   . وقد كان في العرب من تزوج ابنته ، وهو حاجب بن زرارة  تمجس وفعل هذه الفعلة ؛ ذكر ذلك النضر بن شميل  في كتاب المثالب . فنهى الله المؤمنين عما كان عليه آباؤهم من هذه السيرة . 
الثالثة : قوله تعالى : إلا ما قد سلف   أي تقدم ومضى . والسلف ؛ من تقدم من   [ ص: 92 ] آبائك وذوي قرابتك . وهذا استثناء منقطع ، أي لكن ما قد سلف فاجتنبوه ودعوه . وقيل : إلا بمعنى بعد ، أي بعد ما سلف ؛ كما قال تعالى : لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى  أي بعد الموتة الأولى . وقيل : إلا ما قد سلف  أي ولا ما سلف ؛ كقوله تعالى : وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ  يعني ولا خطأ . وقيل : في الآية تقديم وتأخير ، معناه : ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا إلا ما قد سلف . وقيل : في الآية إضمار لقوله ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء  فإنكم إن فعلتم تعاقبون وتؤاخذون إلا ما قد سلف . 
الرابعة : قوله تعالى : إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا   عقب بالذم البالغ المتتابع ، وذلك دليل على أنه فعل انتهى من القبح إلى الغاية . قال أبو العباس    : سألت ابن الأعرابي  عن نكاح المقت  فقال : هو أن يتزوج الرجل امرأة أبيه إذا طلقها أو مات عنها ؛ ويقال لهذا الرجل : الضيزن . وقال ابن عرفة    : كانت العرب إذا تزوج الرجل امرأة أبيه فأولدها قيل للولد : المقتي . وأصل المقت البغض ؛ من مقته يمقته مقتا فهو ممقوت ومقيت . فكانت العرب تقول للرجل من امرأة أبيه : مقيت ؛ فسمى تعالى هذا النكاح مقتا إذ هو ذا مقت يلحق فاعله . وقيل : المراد بالآية النهي عن أن يطأ الرجل امرأة وطئها الآباء ، إلا ما قد سلف من الآباء في الجاهلية من الزنى بالنساء لا على وجه المناكحة فإنه جائز لكم زواجهن . وأن تطئوا بعقد النكاح ما وطئه آباؤكم من الزنى ؛ قال ابن زيد    : وعليه فيكون الاستثناء متصلا ، ويكون أصلا في أن الزنى لا يحرم على ما يأتي بيانه . والله أعلم . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					