قوله تعالى : ياأيها الذين آمنوا كونوا قوامين الآية تقدم معناها في " النساء " ، والمعنى : أتممت عليكم نعمتي فكونوا قوامين لله ، أي : لأجل ثواب الله ; فقوموا بحقه ، واشهدوا بالحق من غير ميل إلى أقاربكم ، وحيف على أعدائكم . ولا يجرمنكم شنآن قوم على ترك العدل وإيثار العدوان على الحق ، وفي هذا دليل على ; لأنه أمر بالعدل وإن أبغضه ، ولو كان حكمه عليه وشهادته لا تجوز فيه مع البغض له لما كان لأمره بالعدل فيه وجه ، ودلت الآية أيضا على أن كفر الكافر لا يمنع من العدل عليه ، وأن يقتصر بهم على المستحق من القتال والاسترقاق ، وأن نفوذ حكم العدو [ ص: 71 ] على عدوه في الله تعالى ونفوذ شهادته عليه غير جائزة وإن قتلوا نساءنا وأطفالنا وغمونا بذلك ; فليس لنا أن نقتلهم بمثلة قصدا لإيصال الغم والحزن إليهم ; وإليه أشار المثلة بهم عبد الله بن رواحة بقوله في القصة المشهورة : هذا معنى الآية . وتقدم في صدر هذه السورة معنى قوله : ولا يجرمنكم شنآن قوم ، وقرئ " ولا يجرمنكم " قال الكسائي : هما لغتان . وقال الزجاج : لا يدخلنكم في الجرم ; كما تقول : آثمني أي : أدخلني في الإثم . ومعنى : معنى " لا يجرمنكم " هو أقرب للتقوى أي : لأن تتقوا الله ، وقيل : لأن تتقوا النار . ومعنى لهم مغفرة وأجر عظيم أي : قال الله في حق المؤمنين : لهم مغفرة وأجر عظيم أي : لا تعرف كنهه أفهام الخلق ; كما قال : فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين ، وإذا قال الله تعالى : أجر عظيم و أجر كريم و أجر كبير فمن ذا الذي يقدر قدره ؟ ، ولما كان الوعد من قبيل القول حسن إدخال اللام في قوله : لهم مغفرة وهو في موضع نصب ; لأنه وقع موقع الموعود به ، على معنى وعدهم أن لهم مغفرة أو وعدهم مغفرة إلا أن الجملة وقعت موقع المفرد ; كما قال الشاعر :
وجدنا الصالحين لهم جزاء وجنات وعين سلسبيل
وموضع الجملة نصب ; ولذلك عطف عليها بالنصب ، وقيل : هو في موضع رفع على أن يكون الموعود به محذوفا ; على تقدير لهم مغفرة وأجر عظيم فيما وعدهم به ، وهذا المعنى عن الحسن . والذين كفروا نزلت في بني النضير ، وقيل في جميع الكفار .