قوله تعالى : من أجل ذلك أي : من جراء ذلك القاتل وجريرته ، وقال الزجاج : أي : من جنايته ; يقال : أجل الرجل على أهله شرا يأجل أجلا إذا جنى ; مثل أخذ يأخذ أخذا . قال الخنوت :
وأهل خباء صالح كنت بينهم قد احتربوا في عاجل أنا آجله
[ ص: 100 ] أي : جانيه ، وقيل : أنا جاره عليهم ، وقال عدي بن زيد :أجل إن الله قد فضلكم فوق من أحكأ صلبا بإزار
وقرأ الحسن : " أو فسادا " بالنصب على تقدير حذف فعل يدل عليه أول الكلام تقديره ; أو أحدث فسادا ; والدليل عليه قوله : من قتل نفسا بغير نفس لأنه من أعظم الفساد .
وقرأ العامة : " فساد " بالجر على معنى أو بغير فساد . فكأنما قتل الناس جميعا اضطرب لفظ المفسرين في ترتيب هذا التشبيه لأجل أن عقاب من قتل الناس جميعا أكثر من عقاب من قتل واحدا ; فروي عن ابن عباس أنه قال : المعنى من قتل نبيا أو إمام عدل فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياه بأن شد عضده ونصره فكأنما أحيا الناس جميعا ، وعنه أيضا أنه قال : المعنى من قتل نفسا واحدة وانتهك حرمتها فهو مثل من قتل الناس جميعا ، ومن ترك قتل نفس واحدة وصان حرمتها واستحياها خوفا من الله فهو كمن أحيا الناس جميعا ، وعنه أيضا . المعنى فكأنما قتل الناس جميعا عند المقتول ، ومن أحياها واستنقذها من هلكة فكأنما أحيا الناس جميعا عند المستنقذ ، وقال مجاهد : المعنى أن الذي يقتل النفس المؤمنة متعمدا جعل الله [ ص: 101 ] جزاءه جهنم وغضب عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما ; يقول : لو قتل الناس جميعا لم يزد على ذلك ، ومن لم يقتل فقد حيي الناس منه ، وقال ابن زيد : المعنى أن من قتل نفسا فيلزمه من القود والقصاص ما يلزم من قتل الناس جميعا ، قال : ومن أحياها أي : من عفا عمن وجب له قتله ; وقاله الحسن أيضا ; أي : هو العفو بعد المقدرة ، وقيل : المعنى أن من قتل نفسا فالمؤمنون كلهم خصماؤه ; لأنه قد وتر الجميع ، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا ، أي : يجب على الكل شكره ، وقيل : جعل إثم قاتل الواحد إثم قاتل الجميع ; وله أن يحكم بما يريد ، وقيل : كان هذا مختصا ببني إسرائيل تغليظا عليهم . قال ابن عطية : وعلى الجملة فالتشبيه على ما قيل واقع كله ، والمنتهك في واحد ملحوظ بعين منتهك الجميع ; ومثاله رجلان حلفا على شجرتين ألا يطعما من ثمرهما شيئا ، فطعم أحدهما واحدة من ثمر شجرته ، وطعم الآخر ثمر شجرته كلها ، فقد استويا في الحنث ، وقيل : المعنى أن من استحل واحدا فقد استحل الجميع ; لأنه أنكر الشرع ، وفي قوله تعالى : ومن أحياها تجوز ; فإنه عبارة عن الترك والإنقاذ من هلكة ، وإلا فالإحياء حقيقة - الذي هو الاختراع - إنما هو لله تعالى ، وإنما هذا الإحياء بمنزلة قول نمرود اللعين : أنا أحيي وأميت فسمى الترك إحياء . ثم أخبر الله عن بني إسرائيل أنهم جاءتهم الرسل بالبينات ، وأن أكثرهم مجاوزون الحد ، وتاركون أمر الله .