قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=64وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض فسادا والله لا يحب المفسدين nindex.php?page=treesubj&link=28976قوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=64وقالت اليهود يد الله مغلولة قال
عكرمة : إنما قال هذا
فنحاص بن عازوراء ، لعنه الله ، وأصحابه ، وكان لهم أموال فلما كفروا
بمحمد صلى الله عليه وسلم قل مالهم ; فقالوا : إن الله بخيل ، ويد الله مقبوضة عنا في العطاء ; فالآية خاصة في بعضهم ، وقيل : لما قال قوم هذا ولم ينكر الباقون صاروا كأنهم بأجمعهم قالوا هذا ، وقال
الحسن : المعنى يد الله مقبوضة عن
[ ص: 175 ] عذابنا ، وقيل : إنهم لما رأوا النبي صلى الله عليه وسلم في فقر وقلة مال وسمعوا من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا ورأوا النبي صلى الله عليه وسلم قد كان يستعين بهم في الديات قالوا : إن إله
محمد فقير ، وربما قالوا : بخيل ; وهذا معنى قولهم : يد الله مغلولة فهذا على التمثيل كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=29ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ، ويقال للبخيل : جعد الأنامل ، ومقبوض الكف ، وكز الأصابع ، ومغلول اليد ; قال الشاعر :
كانت خراسان أرضا إذ يزيد بها وكل باب من الخيرات مفتوح فاستبدلت بعده جعدا أنامله
كأنما وجهه بالخل منضوح
واليد في كلام العرب تكون للجارحة كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=44وخذ بيدك ضغثا وهذا محال على الله تعالى ، وتكون للنعمة ; تقول العرب : كم يد لي عند فلان ، أي : كم من نعمة لي قد أسديتها له ، وتكون للقوة ; قال الله عز وجل :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=17واذكر عبدنا داود ذا الأيد ، أي : ذا القوة وتكون للملك والقدرة ; قال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=73قل إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء . وتكون بمعنى الصلة ، قال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=71مما عملت أيدينا أنعاما أي : مما عملنا نحن ، وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=237أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح البقرة : 2 أي الذي له عقدة النكاح ، وتكون بمعنى التأييد والنصرة ، ومن قوله عليه السلام :
nindex.php?page=hadith&LINKID=830636يد الله مع القاضي حتى يقضي والقاسم حتى يقسم ، وتكون لإضافة الفعل إلى المخبر عنه تشريفا له وتكريما ; قال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=75يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي فلا يجوز أن يحمل على الجارحة ; لأن الباري جل وتعالى واحد لا يجوز عليه التبعيض ، ولا على القوة والملك والنعمة والصلة ، لأن الاشتراك يقع حينئذ . بين وليه
آدم وعدوه إبليس ، ويبطل ما ذكر من تفضيله عليه ; لبطلان معنى التخصيص ، فلم يبق إلا أن تحمل على صفتين تعلقتا بخلق
آدم تشريفا له دون خلق إبليس تعلق القدرة بالمقدور ، لا من طريق المباشرة ولا من حيث المماسة ; ومثله ما روي أنه عز اسمه وتعالى علاه وجده أنه كتب التوراة بيده ، وغرس دار الكرامة بيده لأهل الجنة ، وغير ذلك تعلق الصفة بمقتضاها .
[ ص: 176 ] nindex.php?page=treesubj&link=28976قوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=64غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا حذفت الضمة من الياء لثقلها ; أي : غلت في الآخرة ، ويجوز أن يكون دعاء عليهم ، وكذا ولعنوا بما قالوا والمقصود تعليمنا كما قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=27لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله ; علمنا الاستثناء كما علمنا الدعاء على
أبي لهب بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=111&ayano=1تبت يدا أبي لهب وقيل : المراد أنهم أبخل الخلق ; فلا ترى يهوديا غير لئيم ، وفي الكلام على هذا القول إضمار الواو ; أي : قالوا :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=64يد الله مغلولة وغلت أيديهم . واللعن الإبعاد ، وقد تقدم .
قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=64بل يداه مبسوطتان ابتداء وخبر ; أي : بل نعمته مبسوطة ; فاليد بمعنى النعمة . قال بعضهم : هذا غلط ; لقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=64بل يداه مبسوطتان nindex.php?page=treesubj&link=29485فنعم الله تعالى أكثر من أن تحصى فكيف تكون بل نعمتاه مبسوطتان ؟ وأجيب بأنه يجوز أن يكون هذا تثنية جنس لا تثنية واحد مفرد ; فيكون مثل قوله عليه السلام :
nindex.php?page=hadith&LINKID=830637مثل المنافق كالشاة العائرة بين الغنمين . فأحد الجنسين نعمة الدنيا ، والثاني نعمة الآخرة . وقيل : نعمتا الدنيا النعمة الظاهرة والنعمة الباطنة ; كما قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=20وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة . وروى
ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه قال فيه :
النعمة الظاهرة ما حسن من خلقك ، والباطنة ما ستر عليك من سيئ عملك ، وقيل : نعمتاه المطر والنبات اللتان النعمة بهما ومنهما . وقيل : إن النعمة للمبالغة ; كقول العرب : ( لبيك وسعديك ) وليس يريد الاقتصار على مرتين ; وقد يقول القائل : ما لي بهذا الأمر يد أي : قوة . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي ; معنى قوله يداه قوتاه بالثواب والعقاب ، بخلاف ما قالت
اليهود : إن يده مقبوضة عن عذابهم ، وفي صحيح
مسلم عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=830638إن الله تعالى قال لي أنفق أنفق عليك ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=830639يمين الله ملأى لا يغيضها سحاء الليل والنهار أرأيتم ما أنفق مذ خلق السماوات والأرض فإنه لم يغض ما في يمينه - قال - وعرشه على الماء وبيده الأخرى القبض يرفع ويخفض . السح الصب الكثير ، ويغيض ينقص ; ونظير هذا الحديث قوله جل ذكره :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=245والله يقبض ويبسط . وأما هذه الآية ففي قراءة
ابن مسعود [ ص: 177 ] " بل يداه بسطان " حكاه
الأخفش ، وقال يقال : يد بسطة ، أي : منطلقة منبسطة .
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=64ينفق كيف يشاء أي : يرزق كما يريد ، ويجوز أن تكون اليد في هذه الآية بمعنى القدرة ; أي : قدرته شاملة ، فإن شاء وسع وإن شاء قتر .
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=64وليزيدن كثيرا منهم لام قسم .
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=64ما أنزل إليك من ربك أي : بالذي أنزل إليك .
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=64طغيانا وكفرا أي : إذا نزل شيء من القرآن فكفروا ازداد كفرهم . وألقينا بينهم قال
مجاهد : أي : بين
اليهود والنصارى ; لأنه قال قبل هذا
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=51لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء ، وقيل : أي : ألقينا بين طوائف
اليهود ، كما قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=14تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى فهم متباغضون غير متفقين ; فهم
nindex.php?page=treesubj&link=31931_30484أبغض خلق الله إلى الناس .
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=64كلما أوقدوا نارا للحرب يريد
اليهود . وكلما ظرف أي : كلما جمعوا وأعدوا شتت الله جمعهم ، وقيل : إن
اليهود لما أفسدوا وخالفوا كتاب الله - التوراة - أرسل الله عليهم
بختنصر ، ثم أفسدوا فأرسل عليهم
بطرس الرومي ، ثم أفسدوا فأرسل عليهم
المجوس ، ثم أفسدوا فبعث الله عليهم المسلمين ; فكانوا كلما استقام أمرهم شتتهم الله فكلما أوقدوا نارا أي : أهاجوا شرا ، وأجمعوا أمرهم على حرب النبي صلى الله عليه وسلم أطفأها الله وقهرهم ووهن أمرهم فذكر النار مستعار . قال
قتادة : أذلهم الله عز وجل ; فلقد بعث الله النبي صلى الله عليه وسلم وهم تحت أيدي
المجوس ، ثم قال جل وعز :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=64ويسعون في الأرض فسادا أي : يسعون في إبطال الإسلام ، وذلك من أعظم الفساد ، والله أعلم وقيل : المراد بالنار هنا نار الغضب ، أي : كلما أوقدوا نار الغضب في أنفسهم وتجمعوا بأبدانهم وقوة النفوس منهم باحتدام نار الغضب أطفأها الله حتى يضعفوا ; وذلك بما جعله من الرعب نصرة بين يدي نبيه صلى الله عليه وسلم .
قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=64وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ nindex.php?page=treesubj&link=28976قَوْلُهُ تَعَالَى : nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=64وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ قَالَ
عِكْرِمَةُ : إِنَّمَا قَالَ هَذَا
فِنْحَاصُ بْنُ عَازُورَاءَ ، لَعَنَهُ اللَّهُ ، وَأَصْحَابُهُ ، وَكَانَ لَهُمْ أَمْوَالٌ فَلَمَّا كَفَرُوا
بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَلَّ مَالُهُمْ ; فَقَالُوا : إِنَّ اللَّهَ بَخِيلٌ ، وَيَدُ اللَّهِ مَقْبُوضَةٌ عَنَّا فِي الْعَطَاءِ ; فَالْآيَةُ خَاصَّةً فِي بَعْضِهِمْ ، وَقِيلَ : لَمَّا قَالَ قَوْمٌ هَذَا وَلَمْ يُنْكِرِ الْبَاقُونَ صَارُوا كَأَنَّهُمْ بِأَجْمَعِهِمْ قَالُوا هَذَا ، وَقَالَ
الْحَسَنُ : الْمَعْنَى يَدُ اللَّهِ مَقْبُوضَةٌ عَنْ
[ ص: 175 ] عَذَابِنَا ، وَقِيلَ : إِنَّهُمْ لَمَّا رَأَوُا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي فَقْرٍ وَقِلَّةِ مَالٍ وَسَمِعُوا مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَرَأَوُا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ كَانَ يَسْتَعِينُ بِهِمْ فِي الدِّيَاتِ قَالُوا : إِنَّ إِلَهَ
مُحَمَّدٍ فَقِيرٌ ، وَرُبَّمَا قَالُوا : بَخِيلٌ ; وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ : يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ فَهَذَا عَلَى التَّمْثِيلِ كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=29وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ ، وَيُقَالُ لِلْبَخِيلِ : جَعْدُ الْأَنَامِلِ ، وَمَقْبُوضُ الْكَفِّ ، وَكَزُّ الْأَصَابِعِ ، وَمَغْلُولُ الْيَدِ ; قَالَ الشَّاعِرُ :
كَانَتْ خُرَاسَانُ أَرْضًا إِذْ يَزِيدُ بِهَا وَكُلُّ بَابٍ مِنَ الْخَيْرَاتِ مَفْتُوحُ فَاسْتَبْدَلَتْ بَعْدَهُ جَعْدًا أَنَامِلُهُ
كَأَنَّمَا وَجْهَهُ بِالْخَلِّ مَنْضُوحٌ
وَالْيَدُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ تَكُونُ لِلْجَارِحَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=44وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا وَهَذَا مُحَالٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى ، وَتَكُونُ لِلنِّعْمَةِ ; تَقُولُ الْعَرَبُ : كَمْ يَدٍ لِي عِنْدَ فُلَانٍ ، أَيْ : كَمْ مِنْ نِعْمَةٍ لِي قَدْ أَسْدَيْتُهَا لَهُ ، وَتَكُونُ لِلْقُوَّةِ ; قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=17وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ ذَا الْأَيْدِ ، أَيْ : ذَا الْقُوَّةِ وَتَكُونُ لِلْمُلْكِ وَالْقُدْرَةِ ; قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=73قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ . وَتَكُونُ بِمَعْنَى الصِّلَةِ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=71مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا أَيْ : مِمَّا عَمِلْنَا نَحْنُ ، وَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=237أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ الْبَقَرَةِ : 2 أَيِ الذِي لَهُ عُقْدَةُ النِّكَاحِ ، وَتَكُونُ بِمَعْنَى التَّأْيِيدِ وَالنُّصْرَةِ ، وَمِنْ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=830636يَدُ اللَّهِ مَعَ الْقَاضِي حَتَّى يَقْضِيَ وَالْقَاسِمِ حَتَّى يَقْسِمَ ، وَتَكُونُ لِإِضَافَةِ الْفِعْلِ إِلَى الْمُخْبَرِ عَنْهُ تَشْرِيفًا لَهُ وَتَكْرِيمًا ; قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=75يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْجَارِحَةِ ; لِأَنَّ الْبَارِيَ جَلَّ وَتَعَالَى وَاحِدٌ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ التَّبْعِيضُ ، وَلَا عَلَى الْقُوَّةِ وَالْمِلْكِ وَالنِّعْمَةِ وَالصِّلَةِ ، لِأَنَّ الِاشْتِرَاكَ يَقَعُ حِينَئِذٍ . بَيْنَ وَلِيِّهِ
آدَمَ وَعَدُوِّهِ إِبْلِيسَ ، وَيَبْطُلُ مَا ذُكِرَ مِنْ تَفْضِيلِهِ عَلَيْهِ ; لِبُطْلَانِ مَعْنَى التَّخْصِيصِ ، فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَنْ تُحْمَلَ عَلَى صِفَتَيْنِ تَعَلَّقَتَا بِخَلْقِ
آدَمَ تَشْرِيفًا لَهُ دُونَ خَلْقِ إِبْلِيسَ تَعَلُّقَ الْقُدْرَةِ بِالْمَقْدُورِ ، لَا مِنْ طَرِيقِ الْمُبَاشَرَةِ وَلَا مِنْ حَيْثُ الْمُمَاسَّةُ ; وَمِثْلُهُ مَا رُوِيَ أَنَّهُ عَزَّ اسْمُهُ وَتَعَالَى عُلَاهُ وَجَدُّهُ أَنَّهُ كَتَبَ التَّوْرَاةَ بِيَدِهِ ، وَغَرَسَ دَارَ الْكَرَامَةِ بِيَدِهِ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ ، وَغَيْرُ ذَلِكَ تَعَلُّقُ الصِّفَةِ بِمُقْتَضَاهَا .
[ ص: 176 ] nindex.php?page=treesubj&link=28976قَوْلُهُ تَعَالَى : nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=64غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا حُذِفَتِ الضَّمَّةُ مِنَ الْيَاءِ لِثِقَلِهَا ; أَيْ : غُلَّتْ فِي الْآخِرَةِ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ دُعَاءً عَلَيْهِمْ ، وَكَذَا وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا وَالْمَقْصُودُ تَعْلِيمُنَا كَمَا قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=27لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ; عَلَّمَنَا الِاسْتِثْنَاءَ كَمَا عَلَّمَنَا الدُّعَاءَ عَلَى
أَبِي لَهَبٍ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=111&ayano=1تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَقِيلَ : الْمُرَادُ أَنَّهُمْ أَبْخَلُ الْخَلْقِ ; فَلَا تَرَى يَهُودِيًّا غَيْرَ لَئِيمٍ ، وَفِي الْكَلَامِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ إِضْمَارُ الْوَاوِ ; أَيْ : قَالُوا :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=64يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ وَغُلَّتْ أَيْدِيهِمْ . وَاللَّعْنُ الْإِبْعَادُ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=64بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ ابْتِدَاءٌ وَخَبَرٌ ; أَيْ : بَلْ نِعْمَتُهُ مَبْسُوطَةٌ ; فَالْيَدُ بِمَعْنَى النِّعْمَةِ . قَالَ بَعْضُهُمْ : هَذَا غَلَطٌ ; لِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=64بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ nindex.php?page=treesubj&link=29485فَنِعَمُ اللَّهِ تَعَالَى أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَى فَكَيْفَ تَكُونُ بَلْ نِعْمَتَاهُ مَبْسُوطَتَانِ ؟ وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا تَثْنِيَةَ جِنْسٍ لَا تَثْنِيَةَ وَاحِدٍ مُفْرَدٍ ; فَيَكُونُ مِثْلَ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=830637مَثَلُ الْمُنَافِقِ كَالشَّاةِ الْعَائِرَةِ بَيْنَ الْغَنَمَيْنِ . فَأَحَدُ الْجِنْسَيْنِ نِعْمَةُ الدُّنْيَا ، وَالثَّانِي نِعْمَةُ الْآخِرَةِ . وَقِيلَ : نِعْمَتَا الدُّنْيَا النِّعْمَةُ الظَّاهِرَةُ وَالنِّعْمَةُ الْبَاطِنَةُ ; كَمَا قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=20وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً . وَرَوَى
ابْنُ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَنَّهُ قَالَ فِيهِ :
النِّعْمَةُ الظَّاهِرَةُ مَا حَسُنَ مِنْ خُلُقِكَ ، وَالْبَاطِنَةُ مَا سُتِرَ عَلَيْكَ مِنْ سَيِّئِ عَمَلِكَ ، وَقِيلَ : نِعْمَتَاهُ الْمَطَرُ وَالنَّبَاتُ اللَّتَانِ النِّعْمَةُ بِهِمَا وَمِنْهُمَا . وَقِيلَ : إِنَّ النِّعْمَةَ لِلْمُبَالَغَةِ ; كَقَوْلِ الْعَرَبِ : ( لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ ) وَلَيْسَ يُرِيدُ الِاقْتِصَارَ عَلَى مَرَّتَيْنِ ; وَقَدْ يَقُولُ الْقَائِلُ : مَا لِي بِهَذَا الْأَمْرِ يَدٌ أَيْ : قُوَّةٌ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14468السُّدِّيُّ ; مَعْنَى قَوْلِهِ يَدَاهُ قُوَّتَاهُ بِالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ ، بِخِلَافِ مَا قَالَتِ
الْيَهُودُ : إِنَّ يَدَهُ مَقْبُوضَةٌ عَنْ عَذَابِهِمْ ، وَفِي صَحِيحِ
مُسْلِمٍ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=830638إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ لِي أَنْفِقْ أُنْفِقُ عَلَيْكَ ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=830639يَمِينُ اللَّهِ مَلْأَى لَا يَغِيضُهَا سَحَّاءُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُذْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فَإِنَّهُ لَمْ يَغِضْ مَا فِي يَمِينِهِ - قَالَ - وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ وَبِيَدِهِ الْأُخْرَى الْقَبْضُ يَرْفَعُ وَيَخْفِضُ . السَّحُّ الصَّبُّ الْكَثِيرُ ، وَيَغِيضُ يَنْقُصُ ; وَنَظِيرُ هَذَا الْحَدِيثِ قَوْلُهُ جَلَّ ذِكْرُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=245وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ . وَأَمَّا هَذِهِ الْآيَةُ فَفِي قِرَاءَةِ
ابْنِ مَسْعُودٍ [ ص: 177 ] " بَلْ يَدَاهُ بُسْطَانِ " حَكَاهُ
الْأَخْفَشُ ، وَقَالَ يُقَالُ : يَدٌ بُسْطَةٌ ، أَيْ : مُنْطَلِقَةٌ مُنْبَسِطَةٌ .
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=64يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ أَيْ : يَرْزُقُ كَمَا يُرِيدُ ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْيَدُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِمَعْنَى الْقُدْرَةِ ; أَيْ : قُدْرَتُهُ شَامِلَةٌ ، فَإِنْ شَاءَ وَسَّعَ وَإِنْ شَاءَ قَتَّرَ .
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=64وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ لَامُ قَسَمٍ .
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=64مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ أَيْ : بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ .
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=64طُغْيَانًا وَكُفْرًا أَيْ : إِذَا نَزَلَ شَيْءٌ مِنَ الْقُرْآنِ فَكَفَرُوا ازْدَادَ كُفْرُهُمْ . وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ قَالَ
مُجَاهِدٌ : أَيْ : بَيْنَ
الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى ; لِأَنَّهُ قَالَ قَبْلَ هَذَا
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=51لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ ، وَقِيلَ : أَيْ : أَلْقَيْنَا بَيْنَ طَوَائِفِ
الْيَهُودِ ، كَمَا قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=14تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى فَهُمْ مُتَبَاغِضُونَ غَيْرُ مُتَّفِقِينَ ; فَهُمْ
nindex.php?page=treesubj&link=31931_30484أَبْغَضُ خَلْقِ اللَّهِ إِلَى النَّاسِ .
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=64كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ يُرِيدُ
الْيَهُودَ . وَكُلَّمَا ظَرْفٌ أَيْ : كُلَّمَا جَمَعُوا وَأَعَدُّوا شَتَّتَ اللَّهُ جَمْعَهُمْ ، وَقِيلَ : إِنَّ
الْيَهُودَ لَمَّا أَفْسَدُوا وَخَالَفُوا كِتَابَ اللَّهِ - التَّوْرَاةَ - أَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ
بُخْتَنَصَّرَ ، ثُمَّ أَفْسَدُوا فَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ
بُطْرُسَ الرُّومِيَّ ، ثُمَّ أَفْسَدُوا فَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ
الْمَجُوسَ ، ثُمَّ أَفْسَدُوا فَبَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْمُسْلِمِينَ ; فَكَانُوا كُلَّمَا اسْتَقَامَ أَمْرُهُمْ شَتَّتَهُمُ اللَّهُ فَكُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا أَيْ : أَهَاجُوا شَرًّا ، وَأَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ عَلَى حَرْبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَقَهَرَهُمْ وَوَهَّنَ أَمْرَهُمْ فَذِكْرُ النَّارِ مُسْتَعَارٌ . قَالَ
قَتَادَةُ : أَذَلَّهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ; فَلَقَدْ بَعَثَ اللَّهُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمْ تَحْتَ أَيْدِي
الْمَجُوسِ ، ثُمَّ قَالَ جَلَّ وَعَزَّ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=64وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَيْ : يَسْعَوْنَ فِي إِبْطَالِ الْإِسْلَامِ ، وَذَلِكَ مِنْ أَعْظَمِ الْفَسَادِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقِيلَ : الْمُرَادُ بِالنَّارِ هُنَا نَارُ الْغَضَبِ ، أَيْ : كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارَ الْغَضَبِ فِي أَنْفُسِهِمْ وَتَجَمَّعُوا بِأَبْدَانِهِمْ وَقُوَّةِ النُّفُوسِ مِنْهُمْ بِاحْتِدَامِ نَارِ الْغَضَبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ حَتَّى يَضْعُفُوا ; وَذَلِكَ بِمَا جَعَلَهُ مِنَ الرُّعْبِ نُصْرَةً بَيْنَ يَدَيْ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .