قوله تعالى : انظر كيف كذبوا على أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون  
  [ ص: 313 ] قوله تعالى : انظر كيف كذبوا على أنفسهم  كذب المشركين قولهم : إن عبادة الأصنام تقربنا إلى الله زلفى ، بل ظنوا ذلك وظنهم الخطأ لا يعذرهم ولا يزيل اسم الكذب عنهم ، وكذب المنافقين  باعتذارهم بالباطل ، وجحدهم نفاقهم . وضل عنهم ما كانوا يفترون  أي : فانظر كيف ضل عنهم افتراؤهم أي : تلاشى وبطل ما كانوا يظنونه من شفاعة آلهتهم . وقيل : وضل عنهم ما كانوا يفترون  أي : فارقهم ما كانوا يعبدون من دون الله فلم يغن عنهم شيئا ; عن الحسن    . وقيل : المعنى عزب عنهم افتراؤهم لدهشهم ، وذهول عقولهم . والنظر في قوله : انظر يراد به نظر الاعتبار ; ثم قيل : كذبوا بمعنى يكذبون ، فعبر عن المستقبل بالماضي ; وجاز أن يكذبوا في الآخرة لأنه موضع دهش وحيرة وذهول عقل . وقيل : لا يجوز أن يقع منهم كذب في الآخرة ; لأنها دار جزاء على ما كان في الدنيا - وعلى ذلك أكثر أهل النظر - وإنما ذلك في الدنيا ; فمعنى والله ربنا ما كنا مشركين  على هذا : ما كنا مشركين عند أنفسنا ; وعلى جواز أن يكذبوا في الآخرة يعارضه قوله : ولا يكتمون الله حديثا    ; ولا معارضة ولا تناقض ; لا يكتمون الله حديثا في بعض المواطن إذا شهدت عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بعملهم ، ويكذبون على أنفسهم في بعض المواطن قبل شهادة الجوارح على ما تقدم . والله أعلم . وقال سعيد بن جبير  في قوله تعالى : والله ربنا ما كنا مشركين  قال : اعتذروا وحلفوا ; وكذلك قال ابن أبي نجيح  وقتادة    : وروي عن مجاهد  أنه قال : لما رأوا أن الذنوب تغفر إلا الشرك بالله والناس يخرجون من النار قالوا : والله ربنا ما كنا مشركين  وقيل : والله ربنا ما كنا مشركين  أي : علمنا أن الأحجار لا تضر ولا تنفع ، وهذا وإن كان صحيحا من القول فقد صدقوا ولم يكتموا ، ولكن لا يعذرون بهذا ; فإن المعاند كافر غير معذور . ثم قيل في قوله : ثم لم تكن فتنتهم  خمس قراءات : قرأ حمزة   والكسائي    " يكن " بالياء " فتنتهم " بالنصب خبر " يكن " إلا أن قالوا  اسمها أي إلا قولهم ; فهذه قراءة بينة . وقرأ أهل المدينة وأبو عمرو    " تكن " بالتاء " فتنتهم " بالنصب إلا أن قالوا  أي إلا مقالتهم . وقرأ أبي   وابن مسعود  وما كان - بدل قوله ( ثم لم تكن - فتنتهم ) . إلا أن قالوا  وقرأ ابن عامر  وعاصم  من رواية حفص  ،  والأعمش  من رواية المفضل  ، والحسن  وقتادة  وغيرهم ( ثم لم تكن ) بالتاء ( فتنتهم ) بالرفع اسم " تكن " والخبر إلا أن قالوا  فهذه أربع قراءات . الخامسة : ( ثم لم يكن ) بالياء ( فتنتهم ) ; رفع ويذكر الفتنة لأنها   [ ص: 314 ] بمعنى الفتون ، ومثله فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى    . ( والله ) الواو واو القسم ( ربنا ) نعت لله عز وجل ، أو بدل . ومن نصب فعلى النداء أي : يا ربنا وهي قراءة حسنة ; لأن فيها معنى الاستكانة والتضرع ، إلا أنه فصل بين القسم وجوابه بالمنادى . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					