nindex.php?page=treesubj&link=28980قوله تعالى nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=108لا تقم فيه أبدا لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين
فيه إحدى عشرة مسألة :
الأولى : قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=108لا تقم فيه أبدا يعني مسجد الضرار ; أي لا تقم فيه للصلاة . وقد يعبر عن الصلاة بالقيام ; يقال : فلان يقوم الليل أي يصلي ; ومنه الحديث الصحيح :
nindex.php?page=hadith&LINKID=836505من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه . أخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال . . . ، فذكره . وقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزلت هذه الآية كان لا يمر
[ ص: 179 ] بالطريق التي فيها المسجد ، وأمر بموضعه أن يتخذ كناسة تلقى فيها الجيف والأقذار والقمامات .
الثانية : قوله تعالى ( أبدا ) أبدا : ظرف زمان . وظرف الزمان على قسمين : ظرف مقدر كاليوم ، وظرف مبهم كالحين والوقت ; والأبد من هذا القسم ، وكذلك الدهر . وتنشأ هنا مسألة أصولية ، وهي أن ( أبدا ) وإن كانت ظرفا مبهما لا عموم فيه ولكنه إذا اتصل بلا النافية أفاد العموم ، فلو قال : لا تقم ، لكفى في الانكفاف المطلق . فإذا قال : ( أبدا ) فكأنه قال في وقت من الأوقات ولا في حين من الأحيان . فأما النكرة في الإثبات إذا كانت خبرا عن واقع لم تعم ، وقد فهم ذلك أهل اللسان وقضى به فقهاء الإسلام فقالوا : لو قال رجل لامرأته أنت طالق أبدا طلقت طلقة واحدة .
الثالثة : قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=108لمسجد أسس على التقوى أي بنيت جدره ورفعت قواعده . والأس أصل البناء ; وكذلك الأساس . والأسس مقصور منه . وجمع الأس إساس ; مثل عس وعساس . وجمع الأساس أسس ; مثل قذال وقذل . وجمع الأسس آساس ; مثل سبب وأسباب . وقد أسست البناء تأسيسا . وقولهم : كان ذلك على أس الدهر ، وأس الدهر ، وإس الدهر ; ثلاث لغات ; أي على قدم الدهر ووجه الدهر . واللام في قوله ( لمسجد ) لام قسم . وقيل لام الابتداء ; كما تقول : لزيد أحسن الناس فعلا ; وهي مقتضية تأكيدا .
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=108أسس على التقوى نعت لمسجد . ( أحق ) خبر الابتداء الذي هو " لمسجد " ومعنى " التقوى " هنا الخصال التي تتقى بها العقوبة ، وهي فعلى من وقيت ، وقد تقدم .
الرابعة : واختلف العلماء في المسجد الذي أسس على التقوى ; فقالت طائفة : هو
مسجد قباء ; يروى عن
ابن عباس والضحاك والحسن . وتعلقوا بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=108من أول يوم ،
ومسجد قباء كان أسس
بالمدينة أول يوم ; فإنه بني قبل
مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ; قاله
ابن عمر nindex.php?page=showalam&ids=15990وابن المسيب ،
nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك فيما رواه عنه
ابن وهب وأشهب وابن القاسم . وروى
الترمذي عن
nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري : قال
nindex.php?page=hadith&LINKID=836506تمارى رجلان في المسجد الذي أسس على التقوى من أول يوم ; فقال رجل هو مسجد قباء ، وقال آخر هو مسجد النبي صلى الله عليه وسلم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هو مسجدي هذا . قال حديث صحيح . والقول الأول أليق بالقصة ; لقوله : ( فيه ) وضمير الظرف يقتضي الرجال
[ ص: 180 ] المتطهرين ; فهو
مسجد قباء . والدليل على ذلك حديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال : نزلت هذه الآية في
أهل قباء nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=108فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين قال : كانوا يستنجون بالماء فنزلت فيهم هذه الآية . قال
الشعبي : هم
أهل مسجد قباء ، أنزل الله فيهم هذا . وقال
قتادة : لما نزلت هذه الآية
nindex.php?page=hadith&LINKID=836507قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل قباء : إن الله سبحانه قد أحسن عليكم الثناء في التطهر فما تصنعون ؟ قالوا : إنا نغسل أثر الغائط والبول بالماء رواه
أبو داود . وروى
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني عن
nindex.php?page=showalam&ids=12027طلحة بن نافع قال : حدثني
أبو أيوب nindex.php?page=showalam&ids=36وجابر بن عبد الله nindex.php?page=showalam&ids=9وأنس بن مالك الأنصاريون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الآية
nindex.php?page=hadith&LINKID=836508nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=108فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين فقال : يا معشر الأنصار إن الله قد أثنى عليكم خيرا في الطهور فما طهوركم هذا ؟ قالوا : يا رسول الله ، نتوضأ للصلاة ونغتسل من الجنابة . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فهل مع ذلك من غيره ؟ فقالوا : لا غير ، إن أحدنا إذا خرج من الغائط أحب أن يستنجي بالماء . قال : هو ذاك فعليكموه وهذا الحديث يقتضي أن المسجد المذكور في الآية هو
مسجد قباء ، إلا أن حديث
nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري نص فيه النبي صلى الله عليه وسلم على أنه مسجده فلا نظر معه . وقد روى
أبو كريب قال : حدثنا
أبو أسامة قال حدثنا
صالح بن حيان قال حدثنا
عبد الله بن بريدة في قوله عز وجل :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=36في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه قال : إنما هي أربعة مساجد لم يبنهن إلا نبي :
الكعبة بناها
إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام ،
وبيت أريحا بيت المقدس بناه
داود وسليمان عليهما السلام ،
ومسجد المدينة ومسجد قباء اللذين أسسا على التقوى ، بناهما رسول الله صلى الله عليه وسلم .
[ ص: 181 ] الخامسة : قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=108من أول يوم ( من ) عند النحويين مقابلة " منذ " ; ف " منذ " في الزمان بمنزلة ( من ) في المكان . فقيل : إن معناها هنا معنى " منذ " ; والتقدير : منذ أول يوم ابتدئ بنيانه . وقيل : المعنى من تأسيس أول الأيام ، فدخلت على مصدر الفعل الذي هو أسس ; كما قال :
لمن الديار بقنة الحجر أقوين من حجج ومن دهر
أي من مر حجج ومن مر دهر . وإنما دعا إلى هذا أن من أصول النحويين أن " من " لا يجر بها الأزمان ، وإنما تجر الأزمان بمنذ ، تقول ما رأيته منذ شهر أو سنة أو يوم ، ولا تقول : من شهر ولا من سنة ولا من يوم . فإذا وقعت في الكلام وهي يليها زمن فيقدر مضمر يليق أن يجر بمن ; كما ذكرنا في تقدير البيت .
ابن عطية . ويحسن عندي أن يستغنى في هذه الآية عن تقدير ، وأن تكون " من " تجر لفظة ( أول ) لأنها بمعنى البداءة ; كأنه قال : من مبتدأ الأيام .
السادسة : قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=108أحق أن تقوم فيه أي بأن تقوم ; فهو في موضع نصب . و ( أحق ) هو أفعل من الحق ، وأفعل لا يدخل إلا بين شيئين مشتركين ، لأحدهما في المعنى الذي اشتركا فيه مزية على الآخر ; فمسجد الضرار وإن كان باطلا لا حق فيه ، فقد اشتركا في الحق من جهة اعتقاد بانيه ، أو من جهة اعتقاد من كان يظن أن القيام فيه جائز للمسجدية ; لكن أحد الاعتقادين باطل باطنا عند الله ، والآخر حق باطنا وظاهرا ; ومثل هذا قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=24أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا ومعلوم أن الخيرية من النار مبعودة ، ولكنه جرى على اعتقاد كل فرقة أنها على خير وأن مصيرها إليه خير ; إذ كل حزب بما لديهم فرحون . وليس هذا من قبيل : العسل أحلى من الخل ; فإن العسل وإن كان حلوا فكل شيء ملائم فهو حلو ; ألا ترى أن من الناس من يقدم الخل على العسل مفردا بمفرد ومضافا إلى غيره بمضاف .
السابعة : قوله تعالى ( فيه ) من قال : إن المسجد يراد به
مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فالهاء في
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=108أحق أن تقوم فيه عائد إليه . و
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=108فيه رجال له أيضا . ومن قال : إنه
مسجد قباء ، فالضمير في ( فيه ) عائد إليه على الخلاف المتقدم .
الثامنة : أثنى الله سبحانه وتعالى في هذه الآية على
nindex.php?page=treesubj&link=4من أحب الطهارة وآثر النظافة ، وهي مروءة آدمية ووظيفة شرعية ; وفي
الترمذي عن
عائشة رضوان الله عليها أنها قالت :
nindex.php?page=hadith&LINKID=836509مرن [ ص: 182 ] أزواجكن أن يستطيبوا بالماء فإني أستحييهم . قال : حديث صحيح . وثبت
أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحمل الماء معه في الاستنجاء ; فكان يستعمل الحجارة تخفيفا والماء تطهيرا .
nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي : وقد كان علماء
القيروان يتخذون في متوضآتهم أحجارا في تراب ينقون بها ثم يستنجون بالماء .
التاسعة : اللازم من نجاسة المخرج التخفيف ، وفي نجاسة سائر البدن والثوب التطهير . وذلك رخصة من الله لعباده في حالتي وجود الماء وعدمه ; وبه قال عامة العلماء . وشذ
ابن حبيب فقال :
nindex.php?page=treesubj&link=18426لا يستجمر بالأحجار إلا عند عدم الماء . والأخبار الثابتة في الاستجمار بالأحجار مع وجود الماء ترده .
العاشرة : واختلف العلماء من هذا الباب في
nindex.php?page=treesubj&link=1342إزالة النجاسة من الأبدان والثياب ، بعد إجماعهم على التجاوز والعفو عن دم البراغيث ما لم يتفاحش على ثلاثة أقوال : الأول : أنه واجب فرض ، ولا تجوز صلاة من صلى بثوب نجس عالما كان بذلك أو ساهيا ; روي عن
ابن عباس والحسن nindex.php?page=showalam&ids=16972وابن سيرين ، وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وأحمد nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبي ثور ، ورواه
ابن وهب عن
مالك ، وهو قول
أبي الفرج المالكي nindex.php?page=showalam&ids=16935والطبري ; إلا أن
الطبري قال :
nindex.php?page=treesubj&link=1336إن كانت النجاسة قدر الدرهم أعاد الصلاة . وهو قول
أبي حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=14954وأبي يوسف في مراعاة قدر الدرهم قياسا على حلقة الدبر . وقالت طائفة : إزالة النجاسة واجبة بالسنة من الثياب والأبدان ، وجوب سنة وليس بفرض . قالوا :
nindex.php?page=treesubj&link=1336ومن صلى بثوب نجس أعاد الصلاة في الوقت فإن خرج الوقت فلا شيء عليه ; هذا قول
مالك وأصحابه إلا
أبا الفرج ، ورواية
ابن وهب عنه . وقال
مالك في
nindex.php?page=treesubj&link=1335يسير الدم : لا تعاد منه الصلاة في الوقت ولا بعده ، وتعاد من
nindex.php?page=treesubj&link=1335يسير البول والغائط ; ونحو هذا كله من مذهب
مالك قول
الليث . وقال
ابن القاسم عنه : تجب إزالتها في حالة الذكر دون النسيان ; وهي من مفرداته . والقول الأول أصح إن شاء الله ;
nindex.php?page=hadith&LINKID=836511لأن النبي صلى الله عليه وسلم مر على قبرين فقال : إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة وأما الآخر فكان لا يستتر من بوله . . . . الحديث ، خرجه
[ ص: 183 ] nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ومسلم ، وحسبك . وسيأتي في سورة ( سبحان ) . قالوا : ولا يعذب الإنسان إلا على ترك واجب ; وهذا ظاهر . وروى
أبو بكر بن أبي شيبة عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=836512أكثر عذاب القبر من البول . احتج الآخرون
nindex.php?page=hadith&LINKID=3500136بخلع النبي صلى الله عليه وسلم نعليه في الصلاة لما أعلمه جبريل عليه السلام أن فيهما قذرا وأذى . . . الحديث . خرجه
أبو داود وغيره من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري ، وسيأتي في سورة ( طه ) إن شاء الله تعالى . قالوا : ولما لم يعد ما صلى دل على أن إزالتها سنة وصلاته صحيحة ، ويعيد ما دام في الوقت طلبا للكمال . والله أعلم .
الحادية عشرة : قال
nindex.php?page=showalam&ids=12815القاضي أبو بكر بن العربي : وأما الفرق بين القليل والكثير بقدر الدرهم البغلي ; يعني كبار الدراهم التي هي على قدر استدارة الدينار قياسا على المسربة - ففاسد من وجهين ; أحدهما : أن المقدرات لا تثبت قياسا فلا يقبل هذا التقدير . الثاني : أن هذا الذي خفف عنه في المسربة رخصة للضرورة ،
nindex.php?page=treesubj&link=28103_22154والحاجة والرخص لا يقاس عليها ; لأنها خارجة عن القياس فلا ترد إليه .
nindex.php?page=treesubj&link=28980قَوْلُهُ تَعَالَى nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=108لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ
فِيهِ إِحْدَى عَشْرَةَ مَسْأَلَةً :
الْأُولَى : قَوْلُهُ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=108لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا يَعْنِي مَسْجِدَ الضِّرَارِ ; أَيْ لَا تَقُمْ فِيهِ لِلصَّلَاةِ . وَقَدْ يُعَبَّرُ عَنِ الصَّلَاةِ بِالْقِيَامِ ; يُقَالُ : فُلَانٌ يَقُومُ اللَّيْلَ أَيْ يُصَلِّي ; وَمِنْهُ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=836505مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ . أَخْرَجَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ . . . ، فَذَكَرَهُ . وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ كَانَ لَا يَمُرُّ
[ ص: 179 ] بِالطَّرِيقِ الَّتِي فِيهَا الْمَسْجِدُ ، وَأَمَرَ بِمَوْضِعِهِ أَنْ يُتَّخَذَ كُنَاسَةً تُلْقَى فِيهَا الْجِيَفُ وَالْأَقْذَارُ وَالْقُمَامَاتُ .
الثَّانِيَةُ : قَوْلُهُ تَعَالَى ( أَبَدًا ) أَبَدًا : ظَرْفُ زَمَانٍ . وَظَرْفُ الزَّمَانِ عَلَى قِسْمَيْنِ : ظَرْفٌ مُقَدَّرٌ كَالْيَوْمِ ، وَظَرْفٌ مُبْهَمٌ كَالْحِينِ وَالْوَقْتِ ; وَالْأَبَدُ مِنْ هَذَا الْقَسَمِ ، وَكَذَلِكَ الدَّهْرُ . وَتَنْشَأُ هُنَا مَسْأَلَةٌ أُصُولِيَّةٌ ، وَهِيَ أَنَّ ( أَبَدًا ) وَإِنْ كَانَتْ ظَرْفًا مُبْهَمًا لَا عُمُومَ فِيهِ وَلَكِنَّهُ إِذَا اتَّصَلَ بِلَا النَّافِيَةِ أَفَادَ الْعُمُومَ ، فَلَوْ قَالَ : لَا تَقُمْ ، لَكَفَى فِي الِانْكِفَافِ الْمُطْلَقِ . فَإِذَا قَالَ : ( أَبَدًا ) فَكَأَنَّهُ قَالَ فِي وَقْتٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ وَلَا فِي حِينٍ مِنَ الْأَحْيَانِ . فَأَمَّا النَّكِرَةُ فِي الْإِثْبَاتِ إِذَا كَانَتْ خَبَرًا عَنْ وَاقِعٍ لَمْ تَعُمْ ، وَقَدْ فَهِمَ ذَلِكَ أَهْلُ اللِّسَانِ وَقَضَى بِهِ فُقَهَاءُ الْإِسْلَامِ فَقَالُوا : لَوْ قَالَ رَجُلٌ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ أَبَدًا طَلُقَتْ طَلْقَةً وَاحِدَةً .
الثَّالِثَةُ : قَوْلُهُ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=108لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى أَيْ بُنِيَتْ جُدُرُهُ وَرُفِعَتْ قَوَاعِدُهُ . وَالْأُسُّ أَصْلُ الْبِنَاءِ ; وَكَذَلِكَ الْأَسَاسُ . وَالْأُسَسُ مَقْصُورٌ مِنْهُ . وَجَمْعُ الْأُسِّ إِسَاسٌ ; مِثْلُ عُسٍّ وَعِسَاسٍ . وَجَمْعُ الْأَسَاسِ أُسُسٌ ; مِثْلُ قَذَالٍ وَقُذُلٍ . وَجَمْعُ الْأُسُسِ آسَاسٌ ; مِثْلُ سَبَبٍ وَأَسْبَابٍ . وَقَدْ أَسَّسْتُ الْبِنَاءَ تَأْسِيسًا . وَقَوْلُهُمْ : كَانَ ذَلِكَ عَلَى أُسِّ الدَّهْرِ ، وَأَسِّ الدَّهْرِ ، وَإِسِّ الدَّهْرِ ; ثَلَاثُ لُغَاتٍ ; أَيْ عَلَى قِدَمِ الدَّهْرِ وَوَجْهِ الدَّهْرِ . وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ ( لَمَسْجِدٌ ) لَامَ قَسَمٍ . وَقِيلَ لَامُ الِابْتِدَاءِ ; كَمَا تَقُولُ : لَزَيْدٌ أَحْسَنُ النَّاسِ فِعْلًا ; وَهِيَ مُقْتَضِيَةٌ تَأْكِيدًا .
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=108أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى نَعْتٌ لِمَسْجِدٍ . ( أَحَقُّ ) خَبَرُ الِابْتِدَاءِ الَّذِي هُوَ " لَمَسْجِدٌ " وَمَعْنَى " التَّقْوَى " هُنَا الْخِصَالُ الَّتِي تُتَّقَى بِهَا الْعُقُوبَةُ ، وَهِيَ فَعْلَى مِنْ وَقَيْتُ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ .
الرَّابِعَةُ : وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى ; فَقَالَتْ طَائِفَةٌ : هُوَ
مَسْجِدُ قُبَاءٍ ; يُرْوَى عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ وَالضَّحَّاكِ وَالْحَسَنِ . وَتَعَلَّقُوا بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=108مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ ،
وَمَسْجِدُ قُبَاءٍ كَانَ أُسِّسَ
بِالْمَدِينَةِ أَوَّلَ يَوْمٍ ; فَإِنَّهُ بُنِيَ قَبْلَ
مَسْجِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; قَالَهُ
ابْنُ عُمَرَ nindex.php?page=showalam&ids=15990وَابْنُ الْمُسَيَّبِ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16867وَمَالِكٌ فِيمَا رَوَاهُ عَنْهُ
ابْنُ وَهْبٍ وَأَشْهَبُ وَابْنُ الْقَاسِمِ . وَرَوَى
التِّرْمِذِيُّ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=44أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ : قَالَ
nindex.php?page=hadith&LINKID=836506تَمَارَى رَجُلَانِ فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ ; فَقَالَ رَجُلٌ هُوَ مَسْجِدُ قُبَاءٍ ، وَقَالَ آخَرُ هُوَ مَسْجِدُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : هُوَ مَسْجِدِي هَذَا . قَالَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ . وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَلْيَقُ بِالْقِصَّةِ ; لِقَوْلِهِ : ( فِيهِ ) وَضَمِيرُ الظَّرْفِ يَقْتَضِي الرِّجَالَ
[ ص: 180 ] الْمُتَطَهِّرِينَ ; فَهُوَ
مَسْجِدُ قُبَاءٍ . وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ حَدِيثُ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي
أَهْلِ قُبَاءٍ nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=108فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ قَالَ : كَانُوا يَسْتَنْجُونَ بِالْمَاءِ فَنَزَلَتْ فِيهِمْ هَذِهِ الْآيَةُ . قَالَ
الشَّعْبِيُّ : هُمْ
أَهْلُ مَسْجِدِ قُبَاءٍ ، أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمْ هَذَا . وَقَالَ
قَتَادَةُ : لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ
nindex.php?page=hadith&LINKID=836507قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَهْلِ قُبَاءٍ : إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ قَدْ أَحْسَنَ عَلَيْكُمُ الثَّنَاءَ فِي التَّطَهُّرِ فَمَا تَصْنَعُونَ ؟ قَالُوا : إِنَّا نَغْسِلُ أَثَرَ الْغَائِطِ وَالْبَوْلِ بِالْمَاءِ رَوَاهُ
أَبُو دَاوُدَ . وَرَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=12027طَلْحَةَ بْنِ نَافِعٍ قَالَ : حَدَّثَنِي
أَبُو أَيُّوبَ nindex.php?page=showalam&ids=36وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ nindex.php?page=showalam&ids=9وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ الْأَنْصَارِيُّونَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ
nindex.php?page=hadith&LINKID=836508nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=108فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ فَقَالَ : يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَثْنَى عَلَيْكُمْ خَيْرًا فِي الطَّهُورِ فَمَا طَهُورُكُمْ هَذَا ؟ قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، نَتَوَضَّأُ لِلصَّلَاةِ وَنَغْتَسِلُ مِنَ الْجَنَابَةِ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَهَلْ مَعَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِهِ ؟ فَقَالُوا : لَا غَيْرَ ، إِنَّ أَحَدَنَا إِذَا خَرَجَ مِنَ الْغَائِطِ أَحَبَّ أَنْ يَسْتَنْجِيَ بِالْمَاءِ . قَالَ : هُوَ ذَاكَ فَعَلَيْكُمُوهُ وَهَذَا الْحَدِيثُ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَسْجِدَ الْمَذْكُورَ فِي الْآيَةِ هُوَ
مَسْجِدُ قُبَاءٍ ، إِلَّا أَنَّ حَدِيثَ
nindex.php?page=showalam&ids=44أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ نَصَّ فِيهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنَّهُ مَسْجِدُهُ فَلَا نَظَرَ مَعَهُ . وَقَدْ رَوَى
أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ : حَدَّثَنَا
أَبُو أُسَامَةَ قَالَ حَدَّثَنَا
صَالِحُ بْنُ حَيَّانَ قَالَ حَدَّثَنَا
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=36فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ قَالَ : إِنَّمَا هِيَ أَرْبَعَةُ مَسَاجِدَ لَمْ يَبْنِهِنَّ إِلَّا نَبِيٌّ :
الْكَعْبَةُ بَنَاهَا
إِبْرَاهِيمُ وَإِسْمَاعِيلُ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ ،
وَبَيْتُ أَرِيحَا بَيْتُ الْمَقْدِسِ بَنَاهُ
دَاوُدُ وَسُلَيْمَانُ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ ،
وَمَسْجِدُ الْمَدِينَةِ وَمَسْجِدُ قُبَاءٍ اللَّذَيْنِ أُسِّسَا عَلَى التَّقْوَى ، بَنَاهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
[ ص: 181 ] الْخَامِسَةُ : قَوْلُهُ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=108مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ ( مِنْ ) عِنْدَ النَّحْوِيِّينَ مُقَابِلَةٌ " مُنْذُ " ; فَ " مُنْذُ " فِي الزَّمَانِ بِمَنْزِلَةِ ( مِنْ ) فِي الْمَكَانِ . فَقِيلَ : إِنَّ مَعْنَاهَا هُنَا مَعْنَى " مُنْذُ " ; وَالتَّقْدِيرُ : مُنْذُ أَوَّلِ يَوْمٍ ابْتُدِئَ بُنْيَانُهُ . وَقِيلَ : الْمَعْنَى مِنْ تَأْسِيسِ أَوَّلِ الْأَيَّامِ ، فَدَخَلَتْ عَلَى مَصْدَرِ الْفِعْلِ الَّذِي هُوَ أُسِّسَ ; كَمَا قَالَ :
لِمَنِ الدِّيَارُ بِقُنَّةِ الْحِجْرِ أَقْوَيْنَ مِنْ حِجَجٍ وَمِنْ دَهْرِ
أَيْ مِنْ مَرِّ حِجَجٍ وَمِنْ مَرِّ دَهْرٍ . وَإِنَّمَا دَعَا إِلَى هَذَا أَنَّ مِنْ أُصُولِ النَّحْوِيِّينَ أَنَّ " مِنْ " لَا يُجَرُّ بِهَا الْأَزْمَانُ ، وَإِنَّمَا تُجَرُّ الْأَزْمَانُ بِمُنْذُ ، تَقُولُ مَا رَأَيْتُهُ مُنْذُ شَهْرٍ أَوْ سَنَةٍ أَوْ يَوْمٍ ، وَلَا تَقُولُ : مِنْ شَهْرٍ وَلَا مِنْ سَنَةٍ وَلَا مِنْ يَوْمٍ . فَإِذَا وَقَعَتْ فِي الْكَلَامِ وَهِيَ يَلِيهَا زَمَنٌ فَيُقَدَّرُ مُضْمَرٌ يَلِيقُ أَنْ يُجَرَّ بِمِنْ ; كَمَا ذَكَرْنَا فِي تَقْدِيرِ الْبَيْتِ .
ابْنُ عَطِيَّةَ . وَيَحْسُنُ عِنْدِي أَنْ يُسْتَغْنَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ عَنْ تَقْدِيرٍ ، وَأَنْ تَكُونَ " مِنْ " تَجُرُّ لَفْظَةَ ( أَوَّلِ ) لِأَنَّهَا بِمَعْنَى الْبُدَاءَةِ ; كَأَنَّهُ قَالَ : مِنْ مُبْتَدَأِ الْأَيَّامِ .
السَّادِسَةُ : قَوْلُهُ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=108أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ أَيْ بِأَنْ تَقُومَ ; فَهُوَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ . وَ ( أَحَقُّ ) هُوَ أَفْعَلُ مِنَ الْحَقِّ ، وَأَفْعَلُ لَا يَدْخُلُ إِلَّا بَيْنَ شَيْئَيْنِ مُشْتَرَكَيْنِ ، لِأَحَدِهِمَا فِي الْمَعْنَى الَّذِي اشْتَرَكَا فِيهِ مَزِيَّةٌ عَلَى الْآخَرِ ; فَمَسْجِدُ الضِّرَارِ وَإِنْ كَانَ بَاطِلًا لَا حَقَّ فِيهِ ، فَقَدِ اشْتَرَكَا فِي الْحَقِّ مِنْ جِهَةِ اعْتِقَادِ بَانِيهِ ، أَوْ مِنْ جِهَةِ اعْتِقَادِ مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنَّ الْقِيَامَ فِيهِ جَائِزٌ لِلْمَسْجِدِيَّةِ ; لَكِنَّ أَحَدَ الِاعْتِقَادَيْنِ بَاطِلٌ بَاطِنًا عِنْدَ اللَّهِ ، وَالْآخَرُ حَقُّ بَاطِنًا وَظَاهِرًا ; وَمِثْلُ هَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=24أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْخَيْرِيَّةَ مِنَ النَّارِ مَبْعُودَةٌ ، وَلَكِنَّهُ جَرَى عَلَى اعْتِقَادِ كُلِّ فِرْقَةٍ أَنَّهَا عَلَى خَيْرٍ وَأَنَّ مَصِيرَهَا إِلَيْهِ خَيْرٌ ; إِذْ كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ . وَلَيْسَ هَذَا مِنْ قَبِيلِ : الْعَسَلُ أَحْلَى مِنَ الْخَلِّ ; فَإِنَّ الْعَسَلَ وَإِنْ كَانَ حُلْوًا فَكُلُّ شَيْءٍ مُلَائِمٍ فَهُوَ حُلْوٌ ; أَلَا تَرَى أَنَّ مِنَ النَّاسِ مَنْ يُقَدِّمُ الْخَلَّ عَلَى الْعَسَلِ مُفْرَدًا بِمُفْرَدٍ وَمُضَافًا إِلَى غَيْرِهِ بِمُضَافٍ .
السَّابِعَةُ : قَوْلُهُ تَعَالَى ( فِيهِ ) مَنْ قَالَ : إِنَّ الْمَسْجِدَ يُرَادُ بِهِ
مَسْجِدُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَالْهَاءُ فِي
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=108أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ عَائِدٌ إِلَيْهِ . وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=108فِيهِ رِجَالٌ لَهُ أَيْضًا . وَمَنْ قَالَ : إِنَّهُ
مَسْجِدُ قُبَاءٍ ، فَالضَّمِيرُ فِي ( فِيهِ ) عَائِدٌ إِلَيْهِ عَلَى الْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ .
الثَّامِنَةُ : أَثْنَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=4مَنْ أَحَبَّ الطَّهَارَةَ وَآثَرَ النَّظَافَةَ ، وَهِيَ مُرُوءَةٌ آدَمِيَّةٌ وَوَظِيفَةٌ شَرْعِيَّةٌ ; وَفِي
التِّرْمِذِيِّ عَنْ
عَائِشَةَ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهَا أَنَّهَا قَالَتْ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=836509مُرْنَ [ ص: 182 ] أَزْوَاجَكُنَّ أَنْ يَسْتَطِيبُوا بِالْمَاءِ فَإِنِّي أَسْتَحْيِيهِمْ . قَالَ : حَدِيثٌ صَحِيحٌ . وَثَبَتَ
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَحْمِلُ الْمَاءَ مَعَهُ فِي الِاسْتِنْجَاءِ ; فَكَانَ يَسْتَعْمِلُ الْحِجَارَةَ تَخْفِيفًا وَالْمَاءَ تَطْهِيرًا .
nindex.php?page=showalam&ids=12815ابْنُ الْعَرَبِيِّ : وَقَدْ كَانَ عُلَمَاءُ
الْقَيْرَوَانِ يَتَّخِذُونَ فِي مُتَوَضَّآتِهِمْ أَحْجَارًا فِي تُرَابٍ يُنَقَّوْنَ بِهَا ثُمَّ يَسْتَنْجُونَ بِالْمَاءِ .
التَّاسِعَةُ : اللَّازِمُ مِنْ نَجَاسَةِ الْمَخْرَجِ التَّخْفِيفُ ، وَفِي نَجَاسَةِ سَائِرِ الْبَدَنِ وَالثَّوْبِ التَّطْهِيرُ . وَذَلِكَ رُخْصَةٌ مِنَ اللَّهِ لِعِبَادِهِ فِي حَالَتَيْ وُجُودِ الْمَاءِ وَعَدَمِهِ ; وَبِهِ قَالَ عَامَّةُ الْعُلَمَاءِ . وَشَذَّ
ابْنُ حَبِيبٍ فَقَالَ :
nindex.php?page=treesubj&link=18426لَا يُسْتَجْمَرُ بِالْأَحْجَارِ إِلَّا عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ . وَالْأَخْبَارُ الثَّابِتَةُ فِي الِاسْتِجْمَارِ بِالْأَحْجَارِ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ تَرُدُّهُ .
الْعَاشِرَةُ : وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ مِنْ هَذَا الْبَابِ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=1342إِزَالَةِ النَّجَاسَةِ مِنَ الْأَبْدَانِ وَالثِّيَابِ ، بَعْدَ إِجْمَاعِهِمْ عَلَى التَّجَاوُزِ وَالْعَفْوِ عَنْ دَمِ الْبَرَاغِيثِ مَا لَمْ يُتَفَاحَشْ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ : الْأَوَّلُ : أَنَّهُ وَاجِبُ فَرْضٍ ، وَلَا تَجُوزُ صَلَاةُ مَنْ صَلَّى بِثَوْبٍ نَجِسٍ عَالِمًا كَانَ بِذَلِكَ أَوْ سَاهِيًا ; رُوِيَ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنِ nindex.php?page=showalam&ids=16972وَابْنِ سِيرِينَ ، وَهُوَ قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ nindex.php?page=showalam&ids=11956وَأَبِي ثَوْرٍ ، وَرَوَاهُ
ابْنُ وَهْبٍ عَنْ
مَالِكٍ ، وَهُوَ قَوْلُ
أَبِي الْفَرَجِ الْمَالِكِيِّ nindex.php?page=showalam&ids=16935وَالطَّبَرِيِّ ; إِلَّا أَنَّ
الطَّبَرِيَّ قَالَ :
nindex.php?page=treesubj&link=1336إِنْ كَانَتِ النَّجَاسَةُ قَدْرَ الدِّرْهَمِ أَعَادَ الصَّلَاةَ . وَهُوَ قَوْلُ
أَبِي حَنِيفَةَ nindex.php?page=showalam&ids=14954وَأَبِي يُوسُفَ فِي مُرَاعَاةِ قَدْرِ الدِّرْهَمِ قِيَاسًا عَلَى حَلْقَةِ الدُّبُرِ . وَقَالَتْ طَائِفَةٌ : إِزَالَةُ النَّجَاسَةِ وَاجِبَةٌ بِالسُّنَّةِ مِنَ الثِّيَابِ وَالْأَبْدَانِ ، وُجُوبَ سُنَّةٍ وَلَيْسَ بِفَرْضٍ . قَالُوا :
nindex.php?page=treesubj&link=1336وَمَنْ صَلَّى بِثَوْبٍ نَجِسٍ أَعَادَ الصَّلَاةَ فِي الْوَقْتِ فَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ; هَذَا قَوْلُ
مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ إِلَّا
أَبَا الْفَرَجِ ، وَرِوَايَةُ
ابْنِ وَهْبٍ عَنْهُ . وَقَالَ
مَالِكٌ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=1335يَسِيرِ الدَّمِ : لَا تُعَادُ مِنْهُ الصَّلَاةُ فِي الْوَقْتِ وَلَا بَعْدَهُ ، وَتُعَادُ مِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=1335يَسِيرِ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ ; وَنَحْوُ هَذَا كُلِّهِ مِنْ مَذْهَبِ
مَالِكٍ قَوْلُ
اللَّيْثِ . وَقَالَ
ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْهُ : تَجِبُ إِزَالَتُهَا فِي حَالَةِ الذِّكْرِ دُونَ النِّسْيَانِ ; وَهِيَ مِنْ مُفْرَدَاتِهِ . وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَصَحُّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ;
nindex.php?page=hadith&LINKID=836511لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَى قَبْرَيْنِ فَقَالَ : إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ وَأَمَّا الْآخَرُ فَكَانَ لَا يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ . . . . الْحَدِيثَ ، خَرَّجَهُ
[ ص: 183 ] nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ ، وَحَسْبُكُ . وَسَيَأْتِي فِي سُورَةِ ( سُبْحَانَ ) . قَالُوا : وَلَا يُعَذَّبُ الْإِنْسَانُ إِلَّا عَلَى تَرْكِ وَاجِبٍ ; وَهَذَا ظَاهِرٌ . وَرَوَى
أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=836512أَكْثَرُ عَذَابِ الْقَبْرِ مِنَ الْبَوْلِ . احْتَجَّ الْآخَرُونَ
nindex.php?page=hadith&LINKID=3500136بِخَلْعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعْلَيْهِ فِي الصَّلَاةِ لَمَّا أَعْلَمَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّ فِيهِمَا قَذِرًا وَأَذًى . . . الْحَدِيثَ . خَرَّجَهُ
أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=44أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، وَسَيَأْتِي فِي سُورَةِ ( طه ) إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى . قَالُوا : وَلَمَّا لَمْ يُعِدْ مَا صَلَّى دَلَّ عَلَى أَنَّ إِزَالَتَهَا سُنَّةٌ وَصَلَاتَهُ صَحِيحَةٌ ، وَيُعِيدُ مَا دَامَ فِي الْوَقْتِ طَلَبًا لِلْكَمَالِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ : قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12815الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ : وَأَمَّا الْفَرْقُ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ بِقَدْرِ الدِّرْهَمِ الْبَغْلِيِّ ; يَعْنِي كِبَارَ الدَّرَاهِمِ الَّتِي هِيَ عَلَى قَدْرِ اسْتِدَارَةِ الدِّينَارِ قِيَاسًا عَلَى الْمَسْرُبَةِ - فَفَاسِدٌ مِنْ وَجْهَيْنِ ; أَحَدُهُمَا : أَنَّ الْمُقَدَّرَاتِ لَا تَثْبُتُ قِيَاسًا فَلَا يُقْبَلُ هَذَا التَّقْدِيرُ . الثَّانِي : أَنَّ هَذَا الَّذِي خَفَّفَ عَنْهُ فِي الْمَسْرُبَةِ رُخْصَةٌ لِلضَّرُورَةِ ،
nindex.php?page=treesubj&link=28103_22154وَالْحَاجَةُ وَالرُّخَصُ لَا يُقَاسَ عَلَيْهَا ; لِأَنَّهَا خَارِجَةٌ عَنِ الْقِيَاسِ فَلَا تُرَدُّ إِلَيْهِ .