أفأمن الذين مكروا السيئات أي بالسيئات ، وهذا وعيد للمشركين الذين احتالوا في إبطال الإسلام . قوله تعالى :
أن يخسف الله بهم الأرض قال ابن عباس : كما خسف بقارون ، يقال : خسف المكان يخسف خسوفا ذهب في الأرض ، وخسف الله به الأرض خسوفا أي غاب به فيها ; ومنه قوله : فخسفنا به وبداره الأرض . وخسف هو في الأرض وخسف به . والاستفهام بمعنى الإنكار ; أي يجب ألا يأمنوا عقوبة تلحقهم كما لحقت المكذبين .
أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون كما فعل بقوم لوط وغيرهم . وقيل :
[ ص: 99 ] يريد يوم بدر ; فإنهم أهلكوا ذلك اليوم ، ولم يكن شيء منه في حسابهم .
أو يأخذهم في تقلبهم أي في أسفارهم وتصرفهم ; قاله قتادة . وقيل : في تقلبهم على فراشهم أينما كانوا . وقال الضحاك : بالليل والنهار .
فما هم بمعجزين أي مسابقين الله ولا فائتيه .
أو يأخذهم على تخوف قال ابن عباس ومجاهد وغيرهم أي على تنقص من أموالهم ومواشيهم وزروعهم . وكذا قال ابن الأعرابي : أي على تنقص من الأموال والأنفس والثمرات حتى أهلكهم كلهم . وقال الضحاك : هو من الخوف ; المعنى : يأخذ طائفة ويدع طائفة ، فتخاف الباقية أن ينزل بها ما نزل بصاحبتها . وقال الحسن : على تخوف أن يأخذ القرية فتخافه القرية الأخرى ، وهذا هو معنى القول الذي قبله بعينه ، وهما راجعان إلى المعنى الأول ، وأن التخوف التنقص ; تخوفه تنقصه ، وتخوفه الدهر وتخونه - بالفاء والنون - بمعنى ; يقال : تخونني فلان حقي إذا تنقصك . قال : ذو الرمة
لا ، بل هو الشوق من دار تخونها مرا سحاب ومرا بارح ترب
وقال لبيد :
تخونها نزولي وارتحالي
أي تنقص لحمها وشحمها . وقال الهيثم بن عدي : التخوف " بالفاء " التنقص ، لغة لأزد شنوءة . وأنشد :تخوف غدرهم مالي وأهدى سلاسل في الحلوق لها صليل
وقال : بينما سعيد بن المسيب عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - على المنبر قال : يا أيها الناس ، ما تقولون في قول الله - عز وجل - : أو يأخذهم على تخوف فسكت الناس ، فقال شيخ من بني هذيل : هي لغتنا يا أمير المؤمنين ، التخوف التنقص . فخرج رجل فقال : يا فلان ، ما فعل دينك ؟ قال : تخوفته ، أي تنقصته ; فرجع فأخبر عمر فقال عمر : أتعرف العرب ذلك في أشعارهم ؟ قال نعم ; قال شاعرنا أبو كبير الهذلي يصف ناقة تنقص السير سنامها بعد تمكه واكتنازه :
تخوف الرحل منها تامكا قردا كما تخوف عود النبعة السفن
فقال عمر : يا أيها الناس ، عليكم بديوانكم شعر الجاهلية فإن فيه تفسير كتابكم ومعاني كلامكم . تمك السنام يتمك تمكا ، أي طال وارتفع ، فهو تامك . والسفن والمسفن ما ينجر به الخشب . وقال الليث بن سعد : على تخوف على عجل . وقال : على تقريع بما قدموه من [ ص: 100 ] ذنوبهم ، وهذا مروي عن ابن عباس أيضا . وقال قتادة : على تخوف أن يعاقب أو يتجاوز .
فإن ربكم لرءوف رحيم أي لا يعاجل بل يمهل .