[ ص: 53 ] ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب لكم فيها منافع إلى أجل مسمى ثم محلها إلى البيت العتيق قوله تعالى :
فيه سبع مسائل :
الأولى : قوله تعالى : ( ذلك ) فيه ثلاثة أوجه . قيل : يكون في موضع رفع بالابتداء ، أي ذلك أمر الله . ويجوز أن يكون في موضع رفع على خبر ابتداء محذوف . ويجوز أن يكون في موضع نصب ، أي اتبعوا ذلك .
الثانية : قوله تعالى : ومن يعظم شعائر الله الشعائر جمع شعيرة ، وهو كل شيء لله تعالى فيه أمر أشعر به وأعلم ؛ ومنه شعار القوم في الحرب ؛ أي علامتهم التي يتعارفون بها . ومنه إشعار البدنة وهو الطعن في جانبها الأيمن حتى يسيل الدم فيكون علامة ، فهي تسمى شعيرة بمعنى المشعورة . فشعائر الله أعلام دينه لا سيما ما يتعلق بالمناسك . وقال قوم : المراد هنا تسمين البدن والاهتمام بأمرها والمغالاة بها ؛ قال ابن عباس ، ومجاهد ، وجماعة . وفيه إشارة لطيفة ، وذلك أن أصل شراء البدن ربما يحمل على فعل ما لا بد منه ، فلا يدل على الإخلاص ، فإذا عظمها مع حصول الإجزاء بما دونه فلا يظهر له عمل إلا تعظيم الشرع ، وهو من تقوى القلوب . والله أعلم .
الثالثة : الضمير في ( إنها ) عائد على الفعلة التي يتضمنها الكلام ، ولو قال فإنه لجاز . وقيل : إنها راجعة إلى الشعائر ؛ أي فإن تعظيم الشعائر ، فحذف المضاف لدلالة الكلام عليه ، فرجعت الكناية إلى الشعائر .
الرابعة : قوله تعالى : فإنها من تقوى القلوب قرئ ( القلوب ) بالرفع على أنها فاعلة بالمصدر الذي هو تقوى وأضاف التقوى إلى القلوب لأن حقيقة التقوى في القلب ؛ ولهذا قال : عليه الصلاة والسلام - في صحيح الحديث : . التقوى هاهنا وأشار إلى صدره
الخامسة : قوله تعالى : لكم فيها منافع يعني البدن من الركوب ، والدر ، والنسل ، والصوف ، وغير ذلك ، إذا لم يبعثها ربها هديا ، فإذا بعثها فهو الأصل المسمى ؛ قال ابن عباس . فإذا صارت بدنا هديا فالمنافع فيها أيضا ركوبها عند الحاجة ، وشرب لبنها بعد ري فصيلها .
[ ص: 54 ] وفي الصحيح عن أبي هريرة . وروي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى رجلا يسوق بدنة فقال : اركبها فقال : إنها بدنة . فقال : ( اركبها ) قال : إنها بدنة . قال : ( اركبها ويلك ) في الثانية ، أو الثالثة ) وسئل عن جابر بن عبد الله فقال : سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : اركبها بالمعروف إذا ألجئت إليها حتى تجد ظهرا ركوب الهدي . والأجل المسمى على هذا القول نحرها ؛ قاله عن عطاء بن أبي رباح .
السادسة : ذهب بعض العلماء إلى وجوب ركوب البدنة لقوله - عليه الصلاة والسلام - : اركبها . وممن أخذ بظاهره أحمد ، وإسحاق ، وأهل الظاهر . وروى ابن نافع ، عن مالك : لا بأس بركوب البدنة ركوبا غير فادح . والمشهور أنه لا يركبها إلا إن اضطر إليها لحديث جابر فإنه مقيد ، والمقيد يقضي على المطلق . وبنحو ذلك قال الشافعي ، . ثم إذا ركبها عند الحاجة نزل ؛ قال وأبو حنيفة إسماعيل القاضي . وهو الذي يدل عليه مذهب مالك ، وهو خلاف ما ذكره ابن القاسم أنه لا يلزمه النزول ، وحجته إباحة النبي - صلى الله عليه وسلم - له الركوب فجاز له استصحابه . وقوله : إذا ألجئت إليها حتى تجد ظهرا يدل على صحة ما قاله الإمام الشافعي - رضي الله عنهما - ؛ وما حكاه وأبو حنيفة إسماعيل عن مذهب مالك . وقد جاء صريحا . وقال أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى رجلا يسوق بدنة وقد جهد ، فقال : اركبها أبو حنيفة ، : إن نقصها الركوب المباح فعليه قيمة ذلك ويتصدق به . والشافعي
السابعة : قوله تعالى : ثم محلها إلى البيت العتيق يريد أنها تنتهي إلى البيت ، وهو الطواف . فقوله : ( محلها ) مأخوذ من إحلال المحرم . والمعنى أن شعائر الحج كلها من الوقوف بعرفة ، ورمي الجمار ، والسعي ينتهي إلى طواف الإفاضة بالبيت العتيق . فالبيت على هذا التأويل مراد بنفسه ؛ قاله مالك في الموطإ . وقال عطاء : ينتهي إلى مكة . وقال : إلى الحرم . وهذا بناء على أن الشعائر هي البدن ، ولا وجه لتخصيص الشعائر مع عمومها وإلغاء خصوصية ذكر البيت . والله أعلم . الشافعي