nindex.php?page=treesubj&link=28993قوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=45فكأين من قرية أهلكناها وهي ظالمة فهي خاوية على عروشها وبئر معطلة وقصر مشيد
قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=45فكأين من قرية أهلكناها أي أهلكنا أهلها . وقد مضى في ( آل عمران ) الكلام في كأين .
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=45وهي ظالمة أي بالكفر .
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=45فهي خاوية على عروشها تقدم في الكهف .
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=45وبئر معطلة وقصر مشيد قال
الزجاج :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=45وبئر معطلة معطوف على
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=45من قرية أي ومن أهل قرية ومن أهل بئر .
والفراء يذهب إلى أن وبئر معطوف على
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=45عروشها . وقال
الأصمعي : سألت
نافع بن أبي نعيم أيهمز البئر والذئب ؟ فقال : إن كانت العرب تهمزهما فاهمزهما . وأكثر الرواة عن
نافع بهمزهما ؛ إلا
ورشا فإن روايته عنه بغير همز فيهما ، والأصل الهمز . ومعنى
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=45معطلة متروكة ؛ قاله
الضحاك . وقيل : خالية من أهلها لهلاكهم . وقيل : غائرة الماء . وقيل : معطلة من دلائها وأرشيتها ؛ والمعنى متقارب .
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=45وقصر مشيد قال
قتادة ، والضحاك ، ومقاتل : رفيع طويل . قال
عدي بن زيد :
شاده مرمرا وجلله كل سا فللطير في ذراه وكور
[ ص: 70 ] أي رفعه . وقال
سعيد بن جبير ، nindex.php?page=showalam&ids=16568وعطاء ، وعكرمة ، ومجاهد : مجصص ؛ من الشيد وهو الجص . قال الراجز [
الشماخ ] :
لا تحسبني وإن كنت امرأ غمرا كحية الماء بين الطين والشيد
وقال
امرؤ القيس :
وتيهاء لم يترك بها جذع نخلة ولا أطما إلا مشيدا بجندل
وقال
ابن عباس : ( مشيد ) أي حصين ؛ وقال
الكلبي . وهو مفعل بمعنى مفعول كمبيع بمعنى مبيوع . وقال
الجوهري : والمشيد المعمول بالشيد . والشيد ( بالكسر ) : كل شيء طليت به الحائط من جص أو بلاط ، وبالفتح المصدر . تقول : شاده يشيده شيدا جصصه . والمشيد ( بالتشديد ) المطول . وقال
الكسائي : المشيد للواحد ، من قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=45وقصر مشيد والمشيد للجمع ، من قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=78في بروج مشيدة . وفي الكلام مضمر محذوف تقديره : وقصر مشيد مثلها معطل . ويقال : إن هذه البئر والقصر
بحضرموت معروفان ، فالقصر مشرف على قلة جبل لا يرتقى إليه بحال ، والبئر في سفحه لا تقر الريح شيئا سقط فيه إلا أخرجته . وأصحاب القصور ملوك الحضر ، وأصحاب الآبار ملوك البوادي ؛ أي فأهلكنا هؤلاء وهؤلاء . وذكر
الضحاك وغيره فيما ذكر
الثعلبي ، وأبو بكر محمد بن الحسن المقرئ وغيرهما أن البئر الرس ، وكانت
بعدن باليمن بحضرموت ، في بلد يقال له
حضور ، نزل بها أربعة آلاف ممن آمن
بصالح ، ونجوا من العذاب ومعهم
صالح ، فمات
صالح فسمي المكان
حضرموت ؛ لأن
صالحا لما حضره مات فبنوا حضور وقعدوا على هذه البئر ، وأمروا عليهم رجلا يقال له
العلس بن جلاس بن سويد ؛ فيما ذكر
الغزنوي .
الثعلبي :
جلهس بن جلاس . وكان حسن السيرة فيهم عاملا عليهم ، وجعلوا وزيره
سنحاريب بن سوادة ، فأقاموا دهرا وتناسلوا حتى كثروا ، وكانت البئر تسقي المدينة كلها ، وباديتها ، وجميع ما فيها من الدواب ، والغنم ، والبقر ، وغير ذلك ؛ لأنها كانت لها بكرات كثيرة منصوبة عليها ، ورجال كثيرون موكلون بها ، وأبازن ( بالنون ) من رخام وهي شبه الحياض كثيرة تملأ للناس ، وآخر للدواب ، وآخر للبقر ، وآخر للغنم . والقوام يسقون عليها بالليل والنهار يتداولون ، ولم يكن لهم ماء غيرها . وطال عمر الملك الذي أمروه ، فلما جاءه الموت طلي بدهن لتبقى صورته لا تتغير ، وكذلك كانوا يفعلون إذا مات منهم الميت وكان ممن يكرم عليهم . فلما مات شق ذلك عليهم ورأوا أن أمرهم قد
[ ص: 71 ] فسد ، وضجوا جميعا بالبكاء ، واغتنمها الشيطان منهم فدخل في جثة الملك بعد موته بأيام كثيرة ، فكلمهم وقال : إني لم أمت ولكن تغيبت عنكم حتى أرى صنيعكم ؛ ففرحوا أشد الفرح وأمر خاصته أن يضربوا له حجابا بينه وبينهم ويكلمهم من ورائه لئلا يعرف الموت في صورته . فنصبوا صنما من وراء الحجاب لا يأكل ولا يشرب . وأخبرهم أنه لا يموت أبدا وأنه إلههم ؛ فذلك كله يتكلم به الشيطان على لسانه ، فصدق كثير منهم وارتاب بعضهم ، وكان المؤمن المكذب منهم أقل من المصدق له ، وكلما تكلم ناصح لهم زجر وقهر . فأصفقوا على عبادته ، فبعث الله إليهم نبيا كان الوحي ينزل عليه في النوم دون اليقظة ، كان اسمه
حنظلة بن صفوان ، فأعلمهم أن الصورة صنم لا روح له ، وأن الشيطان قد أضلهم ، وأن الله لا يتمثل بالخلق ، وأن الملك لا يجوز أن يكون شريكا لله ، ووعظهم ، ونصحهم ، وحذرهم سطوة ربهم ونقمته ؛ فآذوه ، وعادوه ، وهو يتعهدهم بالموعظة ، ولا يغبهم بالنصيحة ، حتى قتلوه في السوق ، وطرحوه في بئر ؛ فعند ذلك أصابتهم النقمة ، فباتوا شباعا رواء من الماء وأصبحوا والبئر قد غار ماؤها وتعطل رشاؤها ، فصاحوا بأجمعهم وضج النساء والولدان ، وضجت البهائم عطشا ؛ حتى عمهم الموت ، وشملهم الهلاك ، وخلفتهم في أرضهم السباع ، وفي منازلهم الثعالب والضباع ، وتبدلت جناتهم ، وأموالهم بالسدر ، وشوك العضاه ، والقتاد ، فلا يسمع فيها إلا عزيف الجن ، وزئير الأسد ، نعوذ بالله من سطواته ؛ ومن الإصرار على ما يوجب نقماته . قال
السهيلي . وأما القصر المشيد فقصر بناه
شداد بن عامر بن إرم ، لم يبن في الأرض مثله - فيما ذكروا وزعموا - وحاله أيضا كحال هذه البئر المذكورة في إيحاشه بعد الأنيس ، وإقفاره بعد العمران ، وإن أحدا لا يستطيع أن يدنو منه على أميال ؛ لما يسمع فيه من عزيف الجن والأصوات المنكرة بعد النعيم ، والعيش الرغد ، وبهاء الملك ، وانتظام الأهل كالسلك فبادروا وما عادوا ؛ فذكرهم الله تعالى في هذه الآية موعظة ، وعبرة ، وتذكرة ، وذكرا ، وتحذيرا من مغبة المعصية ، وسوء عاقبة المخالفة ؛ نعوذ بالله من ذلك ، ونستجير به من سوء المآل . وقيل : إن الذي أهلكهم بختنصر على ما تقدم في سورة ( الأنبياء ) في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=11وكم قصمنا من قرية . فتعطلت بئرهم وخربت قصورهم .
nindex.php?page=treesubj&link=28993قَوْلُهُ تَعَالَى : nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=45فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=45فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَيْ أَهْلَكْنَا أَهْلَهَا . وَقَدْ مَضَى فِي ( آلِ عِمْرَانَ ) الْكَلَامُ فِي كَأَيِّنْ .
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=45وَهِيَ ظَالِمَةٌ أَيْ بِالْكُفْرِ .
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=45فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا تَقَدَّمَ فِي الْكَهْفِ .
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=45وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ قَالَ
الزَّجَّاجُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=45وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ مَعْطُوفٌ عَلَى
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=45مِنْ قَرْيَةٍ أَيْ وَمِنْ أَهْلِ قَرْيَةٍ وَمِنْ أَهْلِ بِئْرٍ .
وَالْفَرَّاءُ يَذْهَبُ إِلَى أَنَّ وَبِئْرٍ مَعْطُوفٌ عَلَى
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=45عُرُوشِهَا . وَقَالَ
الْأَصْمَعِيُّ : سَأَلْتُ
نَافِعَ بْنَ أَبِي نُعَيْمٍ أَيُهْمَزُ الْبِئْرُ وَالذِّئْبُ ؟ فَقَالَ : إِنْ كَانَتِ الْعَرَبُ تَهْمِزُهُمَا فَاهْمِزْهُمَا . وَأَكْثَرُ الرُّوَاةِ عَنْ
نَافِعٍ بِهَمْزِهِمَا ؛ إِلَّا
وَرْشًا فَإِنَّ رِوَايَتَهُ عَنْهُ بِغَيْرِ هَمْزٍ فِيهِمَا ، وَالْأَصْلُ الْهَمْزُ . وَمَعْنَى
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=45مُعَطَّلَةٍ مَتْرُوكَةٌ ؛ قَالَهُ
الضَّحَّاكُ . وَقِيلَ : خَالِيَةٌ مِنْ أَهْلِهَا لِهَلَاكِهِمْ . وَقِيلَ : غَائِرَةُ الْمَاءِ . وَقِيلَ : مُعَطَّلَةٌ مِنْ دِلَائِهَا وَأَرْشِيَتِهَا ؛ وَالْمَعْنَى مُتَقَارِبٌ .
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=45وَقَصْرٍ مَشِيدٍ قَالَ
قَتَادَةُ ، وَالضَّحَّاكُ ، وَمُقَاتِلٌ : رَفِيعٌ طَوِيلٌ . قَالَ
عَدِيُّ بْنُ زَيْدٍ :
شَادَهُ مَرْمَرًا وَجَلَّلَهُ كِلْ سًا فَلِلطَّيْرِ فِي ذُرَاهُ وُكُورُ
[ ص: 70 ] أَيْ رَفَعَهُ . وَقَالَ
سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ ، nindex.php?page=showalam&ids=16568وَعَطَاءٌ ، وَعِكْرِمَةُ ، وَمُجَاهِدٌ : مُجَصَّصٌ ؛ مِنَ الشِّيدِ وَهُوَ الْجِصُّ . قَالَ الرَّاجِزُ [
الشَّمَّاخُ ] :
لَا تَحْسَبَنِّي وَإِنْ كُنْتُ امْرَأً غَمِرًا كَحَيَّةِ الْمَاءِ بَيْنَ الطِّينِ وَالشِّيدِ
وَقَالَ
امْرُؤُ الْقَيْسِ :
وَتَيْهَاءَ لَمْ يُتْرَكْ بِهَا جِذْعُ نَخْلَةٍ وَلَا أُطُمًا إِلَّا مَشِيدًا بِجَنْدَلِ
وَقَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ : ( مَشِيدٌ ) أَيْ حَصِينٌ ؛ وَقَالَ
الْكَلْبِيُّ . وَهُوَ مَفْعِلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ كَمَبِيعٍ بِمَعْنَى مَبْيُوعٍ . وَقَالَ
الْجَوْهَرِيُّ : وَالْمَشِيدُ الْمَعْمُولُ بِالشِّيدِ . وَالشِّيدُ ( بِالْكَسْرِ ) : كُلُّ شَيْءٍ طَلَيْتَ بِهِ الْحَائِطَ مِنْ جِصٍّ أَوْ بَلَاطٍ ، وَبِالْفَتْحِ الْمَصْدَرُ . تَقُولُ : شَادَهُ يَشِيدُهُ شَيْدًا جَصَّصَهُ . وَالْمُشَيَّدُ ( بِالتَّشْدِيدِ ) الْمُطَوَّلُ . وَقَالَ
الْكِسَائِيُّ : الْمَشِيدُ لِلْوَاحِدِ ، مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=45وَقَصْرٍ مَشِيدٍ وَالْمُشَيَّدُ لِلْجَمْعِ ، مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=78فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ . وَفِي الْكَلَامِ مُضْمَرٌ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ : وَقَصْرٍ مَشِيدٍ مِثْلِهَا مُعَطَّلٍ . وَيُقَالُ : إِنَّ هَذِهِ الْبِئْرَ وَالْقَصْرَ
بِحَضْرَمَوْتَ مَعْرُوفَانِ ، فَالْقَصْرُ مُشْرِفٌ عَلَى قُلَّةِ جَبَلٍ لَا يُرْتَقَى إِلَيْهِ بِحَالٍ ، وَالْبِئْرُ فِي سَفْحِهِ لَا تُقِرُّ الرِّيحُ شَيْئًا سَقَطَ فِيهِ إِلَّا أَخْرَجَتْهُ . وَأَصْحَابُ الْقُصُورِ مُلُوكُ الْحَضَرِ ، وَأَصْحَابُ الْآبَارِ مُلُوكُ الْبَوَادِي ؛ أَيْ فَأَهْلَكْنَا هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ . وَذَكَرَ
الضَّحَّاكُ وَغَيْرُهُ فِيمَا ذَكَرَ
الثَّعْلَبِيُّ ، وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْمُقْرِئُ وَغَيْرُهُمَا أَنَّ الْبِئْرَ الرَّسُّ ، وَكَانَتْ
بِعَدَنَ بِالْيَمَنِ بِحَضْرَمَوْتَ ، فِي بَلَدٍ يُقَالُ لَهُ
حَضُورٌ ، نَزَلَ بِهَا أَرْبَعَةُ آلَافٍ مِمَّنْ آمَنَ
بِصَالِحٍ ، وَنَجَوْا مِنَ الْعَذَابِ وَمَعَهُمْ
صَالِحٌ ، فَمَاتَ
صَالِحٌ فَسُمِّيَ الْمَكَانُ
حَضْرَمَوْتَ ؛ لِأَنَّ
صَالِحًا لَمَّا حَضَرَهُ مَاتَ فَبَنَوْا حَضُورَ وَقَعَدُوا عَلَى هَذِهِ الْبِئْرِ ، وَأَمَّرُوا عَلَيْهِمْ رَجُلًا يُقَالُ لَهُ
الْعَلَسُ بْنُ جُلَاسِ بْنِ سُوَيْدٍ ؛ فِيمَا ذَكَرَ
الْغَزْنَوِيُّ .
الثَّعْلَبِيُّ :
جَلْهَسُ بْنُ جُلَاسٍ . وَكَانَ حَسَنَ السِّيرَةِ فِيهِمْ عَامِلًا عَلَيْهِمْ ، وَجَعَلُوا وَزِيرَهُ
سِنْحَارِيبَ بْنَ سَوَادَةَ ، فَأَقَامُوا دَهْرًا وَتَنَاسَلُوا حَتَّى كَثُرُوا ، وَكَانَتِ الْبِئْرُ تَسْقِي الْمَدِينَةَ كُلَّهَا ، وَبَادِيَتَهَا ، وَجَمِيعَ مَا فِيهَا مِنَ الدَّوَابِّ ، وَالْغَنَمِ ، وَالْبَقَرِ ، وَغَيْرِ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ لَهَا بَكَرَاتٌ كَثِيرَةٌ مَنْصُوبَةٌ عَلَيْهَا ، وَرِجَالٌ كَثِيرُونَ مُوَكَّلُونَ بِهَا ، وَأَبَازِنُ ( بِالنُّونِ ) مِنْ رُخَامٍ وَهِيَ شِبْهُ الْحِيَاضِ كَثِيرَةٌ تُمْلَأُ لِلنَّاسِ ، وَآخَرُ لِلدَّوَابِّ ، وَآخَرُ لِلْبَقَرِ ، وَآخَرُ لِلْغَنَمِ . وَالْقُوَّامُ يَسْقُونَ عَلَيْهَا بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ يَتَدَاوَلُونَ ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مَاءٌ غَيْرَهَا . وَطَالَ عُمْرُ الْمَلِكِ الَّذِي أَمَّرُوهُ ، فَلَمَّا جَاءَهُ الْمَوْتُ طُلِيَ بِدُهْنٍ لِتَبْقَى صُورَتُهُ لَا تَتَغَيَّرُ ، وَكَذَلِكَ كَانُوا يَفْعَلُونَ إِذَا مَاتَ مِنْهُمُ الْمَيِّتُ وَكَانَ مِمَّنْ يُكَرَّمُ عَلَيْهِمْ . فَلَمَّا مَاتَ شَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَرَأَوْا أَنَّ أَمْرَهُمْ قَدْ
[ ص: 71 ] فَسَدَ ، وَضَجُّوا جَمِيعًا بِالْبُكَاءِ ، وَاغْتَنَمَهَا الشَّيْطَانُ مِنْهُمْ فَدَخَلَ فِي جُثَّةِ الْمَلِكِ بَعْدَ مَوْتِهِ بِأَيَّامٍ كَثِيرَةٍ ، فَكَلَّمَهُمْ وَقَالَ : إِنِّي لَمْ أَمُتْ وَلَكِنْ تَغَيَّبْتُ عَنْكُمْ حَتَّى أَرَى صَنِيعَكُمْ ؛ فَفَرِحُوا أَشَدَّ الْفَرَحِ وَأَمَرَ خَاصَّتَهُ أَنْ يَضْرِبُوا لَهُ حِجَابًا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ وَيُكَلِّمُهُمْ مِنْ وَرَائِهِ لِئَلَّا يُعْرَفَ الْمَوْتُ فِي صُورَتِهِ . فَنَصَبُوا صَنَمًا مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ لَا يَأْكُلُ وَلَا يَشْرَبُ . وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ لَا يَمُوتُ أَبَدًا وَأَنَّهُ إِلَهُهُمْ ؛ فَذَلِكَ كُلُّهُ يَتَكَلَّمُ بِهِ الشَّيْطَانُ عَلَى لِسَانِهِ ، فَصَدَّقَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَارْتَابَ بَعْضُهُمْ ، وَكَانَ الْمُؤْمِنُ الْمُكَذِّبُ مِنْهُمْ أَقَلَّ مِنَ الْمُصَدِّقِ لَهُ ، وَكُلَّمَا تَكَلَّمَ نَاصِحٌ لَهُمْ زُجِرَ وَقُهِرَ . فَأَصْفَقُوا عَلَى عِبَادَتِهِ ، فَبَعَثَ اللَّهُ إِلَيْهِمْ نَبِيًّا كَانَ الْوَحْيُ يَنْزِلُ عَلَيْهِ فِي النَّوْمِ دُونَ الْيَقَظَةِ ، كَانَ اسْمُهُ
حَنْظَلَةُ بْنُ صَفْوَانَ ، فَأَعْلَمَهُمْ أَنَّ الصُّورَةَ صَنَمٌ لَا رُوحَ لَهُ ، وَأَنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَضَلَّهُمْ ، وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَتَمَثَّلُ بِالْخَلْقِ ، وَأَنَّ الْمَلِكَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ شَرِيكًا لِلَّهِ ، وَوَعَظَهُمْ ، وَنَصَحَهُمْ ، وَحَذَّرَهُمْ سَطْوَةَ رَبِّهِمْ وَنِقْمَتَهُ ؛ فَآذَوْهُ ، وَعَادَوْهُ ، وَهُوَ يَتَعَهَّدُهُمْ بِالْمَوْعِظَةِ ، وَلَا يُغِبُّهُمْ بِالنَّصِيحَةِ ، حَتَّى قَتَلُوهُ فِي السُّوقِ ، وَطَرَحُوهُ فِي بِئْرٍ ؛ فَعِنْدَ ذَلِكَ أَصَابَتْهُمُ النِّقْمَةُ ، فَبَاتُوا شِبَاعًا رِوَاءً مِنَ الْمَاءِ وَأَصْبَحُوا وَالْبِئْرُ قَدْ غَارَ مَاؤُهَا وَتَعَطَّلَ رِشَاؤُهَا ، فَصَاحُوا بِأَجْمَعِهِمْ وَضَجَّ النِّسَاءُ وَالْوِلْدَانُ ، وَضَجَّتِ الْبَهَائِمُ عَطَشًا ؛ حَتَّى عَمَّهُمُ الْمَوْتُ ، وَشَمَلَهُمُ الْهَلَاكُ ، وَخَلَفَتْهُمْ فِي أَرْضِهِمُ السِّبَاعُ ، وَفِي مَنَازِلِهِمُ الثَّعَالِبُ وَالضِّبَاعُ ، وَتَبَدَّلَتْ جَنَّاتُهُمْ ، وَأَمْوَالُهُمْ بِالسِّدْرِ ، وَشَوْكِ الْعِضَاهِ ، وَالْقَتَادِ ، فَلَا يُسْمَعُ فِيهَا إِلَّا عَزِيفُ الْجِنِّ ، وَزَئِيرُ الْأَسَدِ ، نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ سَطَوَاتِهِ ؛ وَمِنَ الْإِصْرَارِ عَلَى مَا يُوجِبُ نِقْمَاتِهِ . قَالَ
السُّهَيْلِيُّ . وَأَمَّا الْقَصْرُ الْمَشِيدُ فَقَصْرٌ بَنَاهُ
شَدَّادُ بْنُ عَامِرِ بْنِ إِرَمَ ، لَمْ يُبْنَ فِي الْأَرْضِ مِثْلُهُ - فِيمَا ذَكَرُوا وَزَعَمُوا - وَحَالُهُ أَيْضًا كَحَالِ هَذِهِ الْبِئْرِ الْمَذْكُورَةِ فِي إِيحَاشِهِ بَعْدَ الْأَنِيسِ ، وَإِقْفَارِهِ بَعْدَ الْعُمْرَانِ ، وَإِنَّ أَحَدًا لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَدْنُوَ مِنْهُ عَلَى أَمْيَالٍ ؛ لِمَا يُسْمَعُ فِيهِ مِنْ عَزِيفِ الْجِنِّ وَالْأَصْوَاتِ الْمُنْكَرَةِ بَعْدَ النَّعِيمِ ، وَالْعَيْشِ الرَّغْدِ ، وَبَهَاءِ الْمُلْكِ ، وَانْتِظَامِ الْأَهْلِ كَالسِّلْكِ فَبَادَرُوا وَمَا عَادُوا ؛ فَذَكَّرَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ مَوْعِظَةً ، وَعِبْرَةً ، وَتَذْكِرَةً ، وَذِكْرًا ، وَتَحْذِيرًا مِنْ مَغَبَّةِ الْمَعْصِيَةِ ، وَسُوءِ عَاقِبَةِ الْمُخَالَفَةِ ؛ نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ ذَلِكَ ، وَنَسْتَجِيرُ بِهِ مِنْ سُوءِ الْمَآلِ . وَقِيلَ : إِنَّ الَّذِي أَهْلَكَهُمْ بُخْتَنَصَّرُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ ( الْأَنْبِيَاءِ ) فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=11وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ . فَتَعَطَّلَتْ بِئْرُهُمْ وَخَرِبَتْ قُصُورُهُمْ .