والذين هاجروا في سبيل الله ثم قتلوا أو ماتوا ليرزقنهم الله رزقا حسنا وإن الله لهو خير الرازقين ليدخلنهم مدخلا يرضونه وإن الله لعليم حليم قوله تعالى :
أفرد ذكر المهاجرين الذين ماتوا وقتلوا تفضيلا لهم وتشريفا على سائر الموتى .
وسبب نزول هذه الآية أنه لما مات بالمدينة عثمان بن مظعون ، قال بعض الناس : من قتل في سبيل الله أفضل ممن مات حتف أنفه ؛ فنزلت هذه الآية مسوية بينهم ، وأن الله يرزق جميعهم رزقا حسنا . وظاهر الشريعة يدل على أن المقتول أفضل . وقد قال بعض أهل العلم : إن المقتول في سبيل الله والميت في سبيل الله شهيد ؛ ولكن للمقتول [ ص: 83 ] مزية ما أصابه في ذات الله . وقال بعضهم : هما سواء ، واحتج بالآية ، وبقوله تعالى : وأبو سلمة بن عبد الأسد ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله ، وبحديث فإنها صرعت عن دابتها فماتت ولم تقتل فقال لها النبي - صلى الله عليه وسلم - : أنت من الأولين ، وبقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث أم حرام ؛ عبد الله بن عتيك : . وذكر من خرج من بيته مهاجرا في سبيل الله فخر عن دابته فمات ، أو لدغته حية فمات ، أو مات حتف أنفه فقد وقع أجره على الله ، ومن مات قعصا فقد استوجب المآب ابن المبارك ، عن فضالة بن عبيد في حديث ذكر فيه رجلين أحدهما أصيب في غزاة بمنجنيق فمات ، والآخر مات هناك ؛ فجلس فضالة عند الميت ، فقيل له : تركت الشهيد ولم تجلس عنده ؟ فقال : ما أبالي من أي حفرتيهما بعثت ؛ ثم تلا قوله تعالى : والذين هاجروا في سبيل الله ثم قتلوا أو ماتوا الآية كلها . وقال سليمان بن عامر : كان فضالة برودس أميرا على الأرباع فخرج بجنازتي رجلين أحدهما قتيل والآخر متوفى ؛ فرأى ميل الناس مع جنازة القتيل إلى حفرته ؛ فقال : أراكم أيها الناس تميلون مع القتيل ! فوالذي نفسي بيده ما أبالي من أي حفرتيهما بعثت ، اقرءوا قوله تعالى : والذين هاجروا في سبيل الله ثم قتلوا أو ماتوا . كذا ذكره الثعلبي في تفسيره ، وهو معنى ما ذكره ابن المبارك . واحتج من قال : إن للمقتول زيادة فضل بما ثبت . وإذا كان من أهريق دمه وعقر جواده أفضل الشهداء علم أنه من لم يكن بتلك الصفة مفضول . قرأ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه سئل : أي الجهاد أفضل ؟ قال : من أهريق دمه وعقر جواده ابن عامر ، وأهل الشام ( قتلوا ) بالتشديد على التكثير . الباقون بالتخفيف . ليدخلنهم مدخلا يرضونه أي الجنان . قراءة أهل المدينة [ ص: 84 ] ( مدخلا ) بفتح الميم ؛ أي دخولا . وضمها الباقون ، وقد مضى في ( سبحان ) . وإن الله لعليم حليم قال ابن عباس : عليم بنياتهم ، حليم عن عقابهم .