[ ص: 272 ] فيه أربع مسائل :
الأولى : وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم قال قوله تعالى : الطبري وغيره : إن رجلا من المنافقين اسمه بشر كانت بينه وبين رجل من اليهود خصومة في أرض ، فدعاه اليهودي إلى التحاكم عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وكان المنافق مبطلا ، فأبى من ذلك وقال : إن محمدا يحيف علينا ؛ فلنحكم كعب بن الأشرف ؛ فنزلت الآية فيه . وقيل : نزلت في المغيرة بن وائل من بني أمية ، كان بينه وبين علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - خصومة في ماء وأرض فامتنع المغيرة أن يحاكم عليا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وقال : إنه يبغضني ؛ فنزلت الآية ، ذكره . وقال : ليحكم ولم يقل ليحكما لأن المعني به الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، وإنما بدأ بذكر الله إعظاما لله واستفتاح كلام . الماوردي
الثانية : وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين أي طائعين منقادين ؛ لعلمهم أنه - عليه السلام - يحكم بالحق . يقال : أذعن فلان لحكم فلان يذعن إذعانا . وقال قوله تعالى : النقاش : مذعنين خاضعين ، مجاهد : مسرعين . الأخفش : مقرين . وابن الأعرابي أفي قلوبهم مرض شك وريب . أم ارتابوا أم حدث لهم شك في نبوته وعدله . أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله أي يجور في الحكم والظلم . وأتي بلفظ الاستفهام لأنه أشد في التوبيخ وأبلغ في الذم ؛ كقول جرير في المدح :
ألستم خير من ركب المطايا وأندى العالمين بطون راح
بل أولئك هم الظالمون أي المعاندون الكافرون لإعراضهم عن حكم الله تعالى .الثالثة : ولا حق لأهل الذمة فيه . وإذا كان بين ذميين فذلك إليهما . فإن جاءا قاضي الإسلام فإن شاء حكم وإن شاء أعرض ؛ كما تقدم في ( المائدة ) القضاء يكون للمسلمين إذا كان الحكم بين المعاهد والمسلم
الرابعة : هذه الآية دليل على وجوب إجابة الداعي إلى الحاكم لأن الله سبحانه ذم من دعي إلى رسوله ليحكم بينه وبين خصمه بأقبح الذم فقال : أفي قلوبهم مرض الآية . قال ابن خويز منداد : واجب على كل من دعي إلى مجلس الحاكم أن يجيب ، ما لم يعلم أن الحاكم فاسق أو عداوة بين المدعي والمدعى عليه . وأسند الزهراوي عن الحسن بن أبي [ ص: 273 ] الحسن أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : . ذكره من دعاه خصمه إلى حاكم من حكام المسلمين فلم يجب فهو ظالم ولا حق له أيضا . قال الماوردي : وهذا حديث باطل : فأما قوله : ابن العربي فكلام صحيح ، وأما قوله : فهو ظالم فلا يصح ، ويحتمل أن يريد أنه على غير الحق . فلا حق له