[ ص: 297 ] قوله تعالى : إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه  فيه مسألتان : 
الأولى : قوله تعالى : إنما المؤمنون    ( إنما ) في هذه الآية للحصر ؛ المعنى : لا يتم ولا يكمل إيمان من آمن بالله ورسوله إلا بأن يكون من الرسول سامعا غير معنت في أن يكون الرسول يريد إكمال أمر فيريد هو إفساده بزواله في وقت الجمع ، ونحو ذلك . وبين تعالى في أول السورة أنه أنزل آيات بينات ، وإنما النزول على محمد    - صلى الله عليه وسلم - ؛ فختم السورة بتأكيد الأمر في متابعته - عليه السلام - ؛ ليعلم أن أوامره كأوامر القرآن . 
الثانية : واختلف في الأمر الجامع ما هو ؛ فقيل : المراد به ما للإمام من حاجة إلى تجمع الناس فيه لإذاعة مصلحة ، من إقامة سنة في الدين ، أو لترهيب عدو باجتماعهم وللحروب ؛ قال الله تعالى : وشاورهم في الأمر    . فإذا كان أمر يشملهم نفعه وضره جمعهم للتشاور في ذلك . والإمام الذي يترقب إذنه هو إمام الإمرة ، فلا يذهب أحد لعذر إلا بإذنه ، فإذا ذهب بإذنه ارتفع عنه الظن السيئ . وقال مكحول ،   والزهري    : الجمعة من الأمر الجامع . وإمام الصلاة ينبغي أن يستأذن إذا قدمه إمام الإمرة ،  إذا كان يرى المستأذن . قال ابن سيرين    : كانوا يستأذنون الإمام على المنبر ؛ فلما كثر ذلك قال زياد    : من جعل يده على فيه فليخرج دون إذن ، وقد كان هذا بالمدينة  حتى أن سهل بن أبي صالح  رعف يوم الجمعة فاستأذن الإمام . وظاهر الآية يقتضي أن يستأذن أمير الإمرة الذي هو في مقعد النبوة ، فإنه ربما كان له رأي في حبس ذلك الرجل لأمر من أمور الدين . فأما إمام الصلاة فقط فليس ذلك إليه ؛ لأنه وكيل على جزء من أجزاء الدين للذي هو في مقعد النبوة . وروي أن هذه الآية نزلت في حفر الخندق  حين جاءت قريش  وقائدها أبو سفيان ،  وغطفان  وقائدها عيينة بن حصن ؛  فضرب النبي - صلى الله عليه وسلم - الخندق  على المدينة ،  وذلك في شوال سنة خمس من الهجرة ، فكان المنافقون يتسللون لواذا من العمل ويعتذرون بأعذار كاذبة . ونحوه روى أشهب ،   وابن عبد الحكم ،  عن مالك ،  وكذلك قال محمد بن إسحاق    . وقال مقاتل    : نزلت في عمر    - رضي الله عنه - ، استأذن النبي - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك  في الرجعة فأذن له وقال : انطلق فوالله ما أنت بمنافق يريد بذلك أن يسمع المنافقين . 
 [ ص: 298 ] وقال ابن عباس    - رضي الله عنهما - : إنما استأذن عمر    - رضي الله عنه - في العمرة فقال : عليه السلام - لما أذن له : يا أبا حفص  لا تنسنا في صالح دعائك   . 
قلت : والصحيح الأول لتناوله جميع الأقوال . واختار  ابن العربي  ما ذكره في نزول الآية عن مالك ،   وابن إسحاق ،  وأن ذلك مخصوص في الحرب . قال : والذي يبين ذلك أمران : 
أحدهما : قوله في الآية الأخرى : قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا  وذلك أن المنافقين كانوا يتلوذون ويخرجون عن الجماعة ويتركون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأمر الله جميعهم بألا يخرج أحد منهم حتى يأذن له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؛ وبذلك يتبين إيمانه . 
الثاني : قوله تعالى : لم يذهبوا حتى يستأذنوه   وأي إذن في الحديث والإمام يخطب ، وليس للإمام خيار في منعه ولا إبقائه ، وقد قال : فأذن لمن شئت منهم  ؛ فبين بذلك أنه مخصوص في الحرب . 
قلت : القول بالعموم أولى ، وأرفع ، وأحسن ، وأعلى . فأذن لمن شئت منهم  فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - بالخيار إن شاء أن يأذن وإن شاء منع . وقال قتادة    : قوله : فأذن لمن شئت منهم  منسوخة بقوله : عفا الله عنك لم أذنت لهم    . واستغفر لهم الله  أي لخروجهم عن الجماعة إن علمت لهم عذرا   . إن الله غفور رحيم    . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					