قوله تعالى : وأزلفت الجنة للمتقين أي قربت وأدنيت ليدخلوها . وقال الزجاج : [ ص: 109 ] قرب دخولهم إياها . و " برزت " أي أظهرت " الجحيم " يعني جهنم . للغاوين أي الكافرين الذين ضلوا عن الهدى . أي تظهر جهنم لأهلها قبل أن يدخلوها حتى يستشعروا الروع والحزن ، كما يستشعر أهل الجنة الفرح لعلمهم أنهم يدخلون الجنة . وقيل لهم أين ما كنتم تعبدون من دون الله من الأصنام والأنداد هل ينصرونكم من عذاب الله أو ينتصرون لأنفسهم . وهذا كله توبيخ . فكبكبوا فيها أي قلبوا على رءوسهم . وقيل : دهوروا وألقي بعضهم على بعض . وقيل : جمعوا . مأخوذ من الكبكبة وهي الجماعة ; قاله الهروي . وقال النحاس : هو مشتق من كوكب الشيء أي معظمه . والجماعة من الخيل كوكب وكبكبة . وقال ابن عباس : جمعوا فطرحوا في النار . وقال مجاهد : دهوروا . وقال مقاتل : قذفوا . والمعنى واحد . تقول : دهورت الشيء إذا جمعته ثم قذفته في مهواة . يقال : هو يدهور اللقم إذا كبرها . ويقال في الدعاء : كب الله عدو المسلمين ولا يقال أكبه . وكبكبه ، أي كبه وقلبه . ومنه قوله تعالى : فكبكبوا فيها والأصل كببوا فأبدل من الباء الوسطى كاف استثقالا لاجتماع الباءات . قال : الضمير في " كبكبوا " لمشركي العرب السدي هم والغاوون الآلهة . وجنود إبليس أجمعون من كان من ذريته . وقيل : كل من دعاه إلى عبادة الأصنام فاتبعه . وقال قتادة والكلبي ومقاتل : الغاوون هم الشياطين . وقيل : إنما تلقى الأصنام في النار وهي حديد ونحاس ليعذب بها غيرهم .
قالوا وهم فيها يختصمون يعني الإنس والشياطين والغاوين والمعبودين اختصموا حينئذ . ( تالله ) حلفوا بالله إن كنا لفي ضلال مبين أي في خسار وتبار وحيرة عن الحق بينة إذ اتخذنا مع الله آلهة فعبدناها كما يعبد ; إذ نسويكم برب العالمين أي في العبادة وأنتم لا تستطيعون الآن نصرنا ولا نصر أنفسكم . وما أضلنا إلا المجرمون يعني الشياطين الذين زينوا لنا عبادة الأصنام . وقيل : أسلافنا الذين قلدناهم . قال أبو العالية وعكرمة : المجرمون إبليس وابن آدم القاتل هما أول من سن الكفر والقتل وأنواع المعاصي . فما لنا من شافعين أي شفعاء يشفعون لنا من الملائكة والنبيين والمؤمنين . ولا صديق حميم أي صديق مشفق ; وكان علي رضي الله عنه يقول : عليكم بالإخوان فإنهم عدة الدنيا وعدة الآخرة ; ألا تسمع إلى قول أهل النار : فما لنا من شافعين ولا صديق حميم : وجمع الشافع لكثرة الشافعين ووحد الصديق لقلته ; ألا ترى أن الرجل إذا امتحن بإرهاق ظالم مضت جماعة وافرة من أهل بلده لشفاعته ; رحمة له وحسبة وإن لم تسبق له بأكثرهم معرفة ; وأما الصديق فهو الصادق في ودادك الذي يهمه ما يهمك فأعز من بيض الأنوق ; وعن بعض الحكماء أنه سئل عن الصديق فقال : اسم لا معنى له . ويجوز أن يريد بالصديق الجمع والحميم القريب والخاص ; ومنه حامة الرجل أي [ ص: 110 ] أقرباؤه . وأصل هذا من الحميم وهو الماء الحار ; ومنه الحمام والحمى ; فحامة الرجل الذين يحرقهم ما أحرقه ; يقال : وهم حزانته أي يحزنهم ما يحزنه . ويقال : حم الشيء وأحم : إذا قرب ، ومنه الحمى ; لأنها تقرب من الأجل . وقال الزمخشري علي بن عيسى : إنما سمي القريب حميما ; لأنه يحمى لغضب صاحبه ، فجعله مأخوذا من الحمية . وقال قتادة : يذهب الله عز وجل يوم القيامة مودة الصديق ورقة الحميم . ويجوز : ( ولا صديق حميم ) بالرفع على موضع من شافعين لأن ( من شافعين ) في موضع رفع . وجمع صديق أصدقاء وصدقاء وصداق . ولا يقال صدق للفرق بين النعت وغيره . وحكى الكوفيون : أنه يقال في جمعه صدقان . النحاس : وهذا بعيد ; لأن هذا جمع ما ليس بنعت نحو رغيف ورغفان . وحكوا أيضا صديق وأصادق . و " أفاعل " إنما هو جمع " أفعل " إذا لم يكن نعتا نحو أشجع وأشاجع . ويقال : صديق للواحد والجماعة وللمرأة ; قال الشاعر [ جرير ] :
نصبن الهوى ثم ارتمين قلوبنا بأعين أعداء وهن صديق
ويقال : فلان صديقي أي أخص أصدقائي ، وإنما يصغر على جهة المدح ; كقول حباب بن المنذر : ( أنا جذيلها المحكك ، وعذيقها المرجب ) ذكره الجوهري . النحاس : وجمع " حميم " أحماء وأحمة وكرهوا أفعلاء للتضعيف . فلو أن لنا كرة فنكون من المؤمنين ( أن ) في موضع رفع ، المعنى ولو وقع لنا رجوع إلى الدنيا لآمنا حتى يكون لنا شفعاء . تمنوا حين لا ينفعهم التمني . وإنما قالوا ذلك حين شفع الملائكة والمؤمنون . قال قال النبي صلى الله عليه وسلم : جابر بن عبد الله إن الرجل ليقول في الجنة ما فعل فلان وصديقه في الجحيم فلا يزال يشفع له حتى يشفعه الله فيه فإذا نجا قال المشركون : فما لنا من شافعين ولا صديق حميم . وقال الحسن : ما اجتمع ملأ على ذكر الله ، فيهم عبد من أهل الجنة إلا شفعه الله فيهم ، وإن أهل الإيمان ليشفع بعضهم في بعض وهم عند الله شافعون مشفعون . وقال كعب : إن الرجلين كانا صديقين في الدنيا ، فيمر أحدهما بصاحبه وهو يجر إلى النار ، فيقول له أخوه : والله ما بقي لي إلا حسنة واحدة أنجو بها ، خذها أنت يا أخي فتنجو بها مما أرى ، وأبقى أنا وإياك من أصحاب الأعراف . قال : فيأمر الله بهما جميعا فيدخلان الجنة . إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم تقدم والحمد لله .