قوله تعالى : وقالوا لولا أنزل عليه آيات من ربه قل إنما الآيات عند الله وإنما أنا نذير مبين أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون قل كفى بالله بيني وبينكم شهيدا يعلم ما في السماوات والأرض والذين آمنوا بالباطل وكفروا بالله أولئك هم الخاسرون .
قوله تعالى : وقالوا لولا أنزل عليه آيات من ربه هذا قول المشركين لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومعناه هلا أنزل عليه آية كآيات الأنبياء . قيل : كما جاء صالح بالناقة وموسى بالعصا وعيسى بإحياء الموتى ; أي قل لهم يا محمد : إنما الآيات عند الله فهو يأتي بها كما يريد إذا شاء أرسلها وليست عندي وإنما أنا نذير مبين . وقرأ ابن كثير وأبو بكر وحمزة : ( آية ) بالتوحيد وجمع الباقون وهو اختيار والكسائي أبي عبيد ; لقوله تعالى : قل إنما الآيات عند الله .
قوله تعالى : أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم هذا جواب لقولهم لولا أنزل عليه آيات من ربه أي أولم يكف المشركين من الآيات هذا الذي قد تحديتهم بأن يأتوا بمثله أو بسورة منه فعجزوا ، ولو أتيتهم بآيات الكتاب المعجز موسى وعيسى لقالوا : سحر ونحن لا نعرف السحر ; والكلام مقدور لهم ومع ذلك عجزوا عن المعارضة .
وقيل : إن سبب نزول هذه الآيات ما رواه ابن عيينة عن عن عمرو بن دينار يحيى بن جعدة قال : أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب أخرجه أتي النبي صلى الله عليه وسلم بكتف فيه كتاب فقال كفى بقوم ضلالة أن يرغبوا عما جاء به نبيهم إلى ما جاء به نبي غير نبيهم أو كتاب غير كتابهم فأنزل الله تعالى : أبو محمد الدارمي في مسنده وذكره أهل التفسير في كتبهم . وفي مثل هذا [ ص: 328 ] قال صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله عنه : موسى بن عمران حيا لما وسعه إلا اتباعي وفي مثله قال صلى الله عليه وسلم لو كان أي يستغني به عن غيره . وهذا تأويل ليس منا من لم يتغن بالقرآن رحمه الله في الآية . وإذا كان لقاء ربه بكل حرف عشر حسنات فأكثر على ما ذكرناه في مقدمة الكتاب ; فالرغبة عنه إلى غيره ضلال وخسران وغبن ونقصان ( إن في ذلك ) أي في القرآن ( لرحمة ) في الدنيا والآخرة . وقيل : رحمة في الدنيا باستنفاذهم من الضلالة . ( وذكرى ) في الدنيا بإرشادهم به إلى الحق ( لقوم يؤمنون ) . البخاري
قوله تعالى : قل كفى بالله بيني وبينكم شهيدا أي قل للمكذبين لك كفى بالله شهيدا يشهد لي بالصدق فيما أدعيه من أني رسوله وأن هذا القرآن كتابه . يعلم ما في السماوات والأرض أي لا يخفى عليه شيء . وهذا احتجاج عليهم في صحة شهادته عليهم ; لأنهم قد أقروا بعلمه فلزمهم أن يقروا بشهادته والذين آمنوا بالباطل قال يحيى بن سلام : بإبليس . وقيل : بعبادة الأوثان والأصنام ; قاله ابن شجرة . وكفروا بالله أي لتكذيبهم برسله وجحدهم لكتابه . وقيل : بما أشركوا به من الأوثان وأضافوا إليه من الأولاد والأضداد أولئك هم الخاسرون أنفسهم وأعمالهم في الآخرة .