قوله تعالى : أشحة عليكم أي بخلاء عليكم ; أي بالحفر في الخندق والنفقة في سبيل الله ; قاله مجاهد وقتادة . وقيل : بالقتال معكم . وقيل : بالنفقة على فقرائكم ومساكينكم . وقيل : أشحة بالغنائم إذا أصابوها ; قاله . وانتصب على الحال . قال السدي الزجاج : ونصبه عند الفراء من أربع جهات : إحداها : أن يكون على الذم ; ويجوز أن يكون عنده نصبا بمعنى يعوقون أشحة . ويجوز أن يكون التقدير : والقائلين أشحة . ويجوز عنده ولا يأتون البأس إلا قليلا أشحة ; أي أنهم يأتونه أشحة على الفقراء بالغنيمة . النحاس : ولا يجوز أن يكون العامل فيه المعوقين ولا القائلين ; لئلا يفرق بين الصلة [ ص: 141 ] والموصول . ابن الأنباري : إلا قليلا غير تام ; لأن أشحة متعلق بالأول ، فهو ينتصب من أربعة أوجه : أحدها : أن تنصبه على القطع من المعوقين كأنه قال : قد يعلم الله الذين يعوقون عن القتال ويشحون عن الإنفاق على فقراء المسلمين . ويجوز أن يكون منصوبا على القطع من القائلين أي وهم أشحة . ويجوز أن تنصبه على القطع مما في يأتون ; كأنه قال : ولا يأتون البأس إلا جبناء بخلاء . ويجوز أن تنصب أشحة على الذم . فمن هذا الوجه الرابع يحسن أن تقف على قوله : إلا قليلا .
أشحة عليكم وقف حسن . ومثله ( أشحة على الخير ) حال من المضمر في ( سلقوكم ) وهو العامل فيه . فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت وصفهم بالجبن ; وكذا سبيل الجبان ينظر يمينا وشمالا محددا بصره ، وربما غشي عليه . وفي الخوف وجهان : أحدهما : من قتال العدو إذا أقبل ; قاله . الثاني : الخوف من النبي صلى الله عليه وسلم إذا غلب ; قاله السدي ابن شجرة . رأيتهم ينظرون إليك خوفا من القتال على القول الأول . ومن النبي صلى الله عليه وسلم على الثاني . تدور أعينهم لذهاب عقولهم حتى لا يصح منهم النظر إلى جهة . وقيل : لشدة خوفهم حذرا أن يأتيهم القتل من كل جهة . فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد وحكى الفراء ( صلقوكم ) بالصاد . وخطيب مسلاق ومصلاق إذا كان بليغا . وأصل الصلق الصوت ; ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم : . قال لعن الله الصالقة والحالقة والشاقة الأعشى :
فيهم المجد والسماحة والنج دة فيهم والخاطب السلاق
قال قتادة : ومعناه بسطوا ألسنتهم فيكم في وقت قسمة الغنيمة ، يقولون : أعطنا أعطنا ، فإنا قد شهدنا معكم . فعند الغنيمة أشح قوم وأبسطهم لسانا ، ووقت البأس أجبن قوم وأخوفهم . قال النحاس : هذا قول حسن ; لأن بعده ( أشحة على الخير ) وقيل : المعنى بالغوا في مخاصمتكم والاحتجاج عليكم . وقال القتبي : المعنى آذوكم بالكلام الشديد . السلق : الأذى . ومنه قول الشاعر :
ولقد سلقنا هوازنا بنواهل حتى انحنينا
( أشحة على الخير ) ؛ أي على الغنيمة ; قاله يحيى بن سلام . وقيل : على المال أن [ ص: 142 ] ينفقوه في سبيل الله ; قاله . أولئك لم يؤمنوا يعني بقلوبهم وإن كان ظاهرهم الإيمان ; والمنافق كافر على الحقيقة لوصف الله عز وجل لهم بالكفر . ( فأحبط الله أعمالهم ) ؛ أي لم يثبهم عليها ; إذا لم يقصدوا وجه الله تعالى بها . السدي وكان ذلك على الله يسيرا يحتمل وجهين : أحدهما : وكان نفاقهم على الله هينا . الثاني : وكان إحباط عملهم على الله هينا .