[ ص: 149 ] قوله تعالى : يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما .
فيه ثماني مسائل :
الأولى : قوله تعالى : يا أيها النبي قل لأزواجك قال علماؤنا : هذه الآية متصلة : بمعنى ما تقدم من ، وكان قد تأذى ببعض الزوجات . قيل : سألنه شيئا من عرض الدنيا . وقيل : زيادة في النفقة . وقيل : آذينه بغيرة بعضهن على بعض . وقيل : أمر صلى الله عليه وسلم بتلاوة هذه الآية عليهن وتخييرهن بين الدنيا والآخرة . وقال المنع من إيذاء النبي صلى الله عليه وسلم رحمه الله تعالى ، : إن من ملك زوجة فليس عليه تخييرها . أمر صلى الله عليه وسلم أن يخير نساءه فاخترنه . وجملة ذلك أن الله سبحانه خير النبي صلى الله عليه وسلم بين أن يكون نبيا ملكا وعرض عليه مفاتيح خزائن الدنيا ، وبين أن يكون نبيا مسكينا ، فشاور الشافعي جبريل فأشار عليه بالمسكنة فاختارها ، فلما اختارها وهي أعلى المنزلتين ، أمره الله عز وجل أن يخير زوجاته ، فربما كان فيهن من يكره المقام معه على الشدة تنزيها له . وقيل : إن السبب الذي أوجب التخيير لأجله ، أن امرأة من أزواجه سألته أن يصوغ لها حلقة من ذهب ، فصاغ لها حلقة من فضة وطلاها بالذهب - وقيل بالزعفران - فأبت إلا أن تكون من ذهب ، فنزلت آية التخيير فخيرهن ، فقلن اخترنا الله ورسوله . وقيل : إن واحدة منهن اختارت الفراق . فالله أعلم .
روى البخاري ومسلم واللفظ لمسلم - قال : دخل جابر بن عبد الله أبو بكر يستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فوجد الناس جلوسا ببابه لم يؤذن لأحد منهم ، قال : فأذن لأبي بكر فدخل ، ثم جاء عمر فاستأذن فأذن له ، فوجد النبي صلى الله عليه وسلم جالسا حوله نساؤه واجما ساكتا . قال : - فقال : والله لأقولن شيئا أضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله ، لو رأيت بنت خارجة سألتني النفقة فقمت إليها فوجأت عنقها ، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : هن حولي كما ترى يسألنني النفقة فقام أبو بكر إلى عائشة يجأ عنقها ، وقام عمر إلى حفصة يجأ عنقها ، كلاهما يقول : تسألن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ليس عنده ! ! فقلن : والله لا نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا أبدا ليس عنده . ثم اعتزلهن شهرا أو تسعا وعشرين ثم نزلت عليه هذه الآية : يا أيها النبي قل لأزواجك - حتى بلغ - للمحسنات منكن أجرا عظيما . قال : فبدأ [ ص: 150 ] بعائشة فقال : يا عائشة ، إني أريد أن أعرض عليك أمرا أحب ألا تعجلي فيه حتى تستشيري أبويك قالت : وما هو يا رسول الله ؟ فتلا عليها الآية . قالت : أفيك يا رسول الله أستشير أبوي ! بل أختار الله ورسوله والدار الآخرة ، وأسألك ألا تخبر أمرأة من نسائك بالذي قلت . قال : لا تسألني امرأة منهن إلا أخبرتها ، إن الله لم يبعثني معنتا ولا متعنتا ولكن بعثني معلما ميسرا . وروى عن الترمذي عائشة رضي الله عنها قالت : لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتخيير أزواجه بدأ بي فقال : يا عائشة ، إني ذاكر لك أمرا فلا عليك ألا تستعجلي حتى تستأمري أبويك قالت : وقد علم أن أبوي لم يكونا ليأمراني بفراقه ، قالت : ثم قال : إن الله يقول : يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا - حتى بلغ - للمحسنات منكن أجرا عظيما فقلت : أفي هذا أستأمر أبوي ! فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة ، وفعل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ما فعلت . قال : هذا حديث حسن صحيح . قال العلماء : وأما أمر النبي صلى الله عليه وسلم عن عائشة أن تشاور أبويها لأنه كان يحبها ، وكان يخاف أن يحملها فرط الشباب على أن تختار فراقه ، ويعلم من أبويها أنهما لا يشيران عليها بفراقه .
الثانية : قوله تعالى : ( قل لأزواجك ) كان للنبي صلى الله عليه وسلم ، منهن من دخل بها ، ومنهن من عقد عليها ولم يدخل بها ، ومنهن من خطبها فلم يتم نكاحه معها . أزواج
فأولهن : . وكانت قبله عند خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب أبي هالة واسمه زرارة بن النباش الأسدي ، وكانت قبله عند عتيق بن عائذ ، ولدت منه غلاما اسمه عبد مناف . وولدت من أبي هالة هند بن أبي هالة ، وعاش إلى زمن الطاعون فمات فيه . ويقال : إن الذي عاش إلى زمن الطاعون هند بن هند ، وسمعت نادبته تقول حين مات : واهند بن هنداه ، واربيب رسول الله . خديجة غيرها حتى ماتت . وكانت يوم تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم بنت أربعين سنة ، وتوفيت بعد أن مضى من النبوة سبع سنين . وقيل : عشر . أو كان لها حين توفيت خمس وستون سنة . وهي ولم يتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم على به . وجميع أولاده منها غير أول امرأة آمنت إبراهيم . قال حكيم بن حزام : توفيت خديجة فخرجنا بها من منزلها حتى دفناها بالحجون ، ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم في حفرتها ، ولم تكن يومئذ سنة الجنازة الصلاة عليها .
ومنهن : ، أسلمت قديما وبايعت ، وكانت عند ابن عم لها يقال له سودة بنت زمعة بن قيس بن عبد شمس العامرية السكران بن عمرو ، وأسلم أيضا ، وهاجرا جميعا إلى أرض [ ص: 151 ] الحبشة في الهجرة الثانية ، فلما قدما مكة مات زوجها . وقيل : مات بالحبشة ، فلما حلت خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فتزوجها ودخل بها بمكة ، وهاجر بها إلى المدينة ، فلما كبرت أراد طلاقها فسألته ألا يفعل وأن يدعها في نسائه ، وجعلت ليلتها حسبما هو مذكور في الصحيح فأمسكها ، وتوفيت لعائشة بالمدينة في شوال سنة أربع وخمسين .
ومنهن : ، وكانت مسماة عائشة بنت أبي بكر الصديق ، فخطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال لجبير بن مطعم أبو بكر : يا رسول الله ، دعني أسلها من جبير سلا رفيقا ، فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة قبل الهجرة بسنتين . وقيل بثلاث سنين ، وبنى بها بالمدينة وهي بنت تسع ، وبقيت عنده تسع سنين ، ومات رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي بنت ثماني عشرة ، ولم يتزوج بكرا غيرها . وماتت سنة تسع وخمسين . وقيل ثمان وخمسين .
ومنهن : ، تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم طلقها ، فأتاه حفصة بنت عمر بن الخطاب القرشية العدوية جبريل فقال : ( حفصة فإنها صوامة قوامة ) فراجعها . قال إن الله يأمرك أن تراجع الواقدي : وتوفيت في شعبان سنة خمس وأربعين في خلافة معاوية ، وهي ابنة ستين سنة . وقيل : ماتت في خلافة عثمان بالمدينة .
ومنهن : - واسم أم سلمة ، واسمها هند بنت أبي أمية المخزومية أبي أمية سهيل - تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليال بقين من شوال سنة أربع ، زوجها منه ابنها سلمة على الصحيح ، وكان عمر ابنها صغيرا ، وتوفيت في سنة تسع وخمسين . وقيل : سنة ثنتين وستين ، والأول أصح . وصلى عليها سعيد بن زيد . وقيل . وقبرت أبو هريرة بالبقيع وهي ابنة أربع وثمانين سنة .
ومنهن . بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أم حبيبة ، واسمها رملة بنت أبي سفيان إلى عمرو بن أمية الضمري النجاشي ، ليخطب عليه أم حبيبة فزوجه إياها ، وذلك سنة سبع من الهجرة ، وأصدق النجاشي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعمائة دينار ، وبعث بها مع شرحبيل بن حسنة ، وتوفيت [ ص: 152 ] سنة أربع وأربعين . وقال : كانت الدارقطني أم حبيبة تحت عبيد الله بن جحش فمات بأرض الحبشة على النصرانية ، فزوجها النجاشي النبي صلى الله عليه وسلم ، وأمهرها عنه أربعة آلاف ، وبعث بها إليه مع شرحبيل بن حسنة .
ومنهن : ، وكان اسمها زينب بنت جحش بن رئاب الأسدية برة فسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب ، وكان اسم أبيها برة ، فقالت : يا رسول الله ، بدل اسم أبي فإن البرة حقيرة ، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم : لو كان أبوك مؤمنا سميناه باسم رجل منا أهل البيت ولكني قد سميته جحشا والجحش من البرة ذكر هذا الحديث . تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم الدارقطني بالمدينة في سنة خمس من الهجرة ، وتوفيت سنة عشرين ، وهي بنت ثلاث وخمسين .
ومنهن : ، كانت تسمى في الجاهلية أم المساكين ، لإطعامها إياهم . تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان على رأس واحد وثلاثين شهرا من الهجرة ، فمكثت عنده ثمانية أشهر ، وتوفيت في حياته في آخر ربيع الأول على رأس تسعة وثلاثين شهرا ، ودفنت زينب بنت خزيمة بن الحارث بن عبد الله بن عمرو بن عبد مناف بن هلال بن عامر بن صعصعة الهلالية بالبقيع .
ومنهن : ، أصابها في غزوة جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار الخزاعية المصطلقية بني المصطلق فوقعت في سهم فكاتبها ، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابتها وتزوجها ، وذلك في شعبان سنة ست ، وكان اسمها ثابت بن قيس بن شماس برة فسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم جويرية ، وتوفيت في ربيع الأول سنة ست وخمسين . وقيل : سنة خمسين وهي ابنة خمس وستين .
ومنهن : ، سباها النبي صلى الله عليه وسلم يوم صفية بنت حيي بن أخطب الهارونية خيبر واصطفاها لنفسه ، وأسلمت وأعتقها ، وجعل عتقها صداقها . وفي الصحيح : أنها وقعت في سهم فاشتراها رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبعة أرؤس ، وماتت في سنة اثنتين وخمسين . وقيل : سنة اثنتين وخمسين ، ودفنت دحية الكلبي بالبقيع .
ومنهن : ريحانة بنت زيد بن عمرو بن خنافة من بني النضير ، سباها رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 153 ] وأعتقها ، وتزوجها في سنة ست ، وماتت مرجعه من حجة الوداع ، فدفنها بالبقيع . وقال الواقدي : ماتت سنة ست عشرة وصلى عليها عمر . قال : وقد سمعت من يقول : إنه كان يطؤها بملك اليمين ولم يعتقها . أبو الفرج الجوزي
قلت : ولهذا والله أعلم لم يذكرها أبو القاسم عبد الرحمن السهيلي في عداد أزواج النبي صلى الله عليه وسلم .
ومنهن : ، تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم ميمونة بنت الحارث الهلالية بسرف على عشرة أميال من مكة ، وذلك في سنة سبع من الهجرة في عمرة القضية ، وهي صلى الله عليه وسلم ، وقدر الله تعالى أنها ماتت في المكان الذي بنى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بها ، ودفنت هنالك ، وذلك في سنة إحدى وستين . وقيل : ثلاث وستين . وقيل ثمان وستين . آخر امرأة تزوجها رسول الله
فهؤلاء المشهورات من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ، وهن اللاتي دخل بهن ، رضي الله عنهن .
فأما من تزوجهن ولم يدخل بهن فمنهن : الكلابية . واختلفوا في اسمها ، فقيل فاطمة . وقيل عمرة . وقيل العالية . قال الزهري : تزوج فاطمة بنت الضحاك الكلابية فاستعاذت منه فطلقها ، وكانت تقول : أنا الشقية . تزوجها في ذي القعدة سنة ثمان من الهجرة ، وتوفيت سنة ستين .
ومنهن : أسماء بنت النعمان بن الجون بن الحارث الكندية ، وهي الجونية . قال قتادة : لما دخل عليها دعاها فقالت : تعال أنت ، فطلقها . وقال غيره : هي التي استعاذت منه . وفي قال : البخاري أميمة بنت شراحيل ، فلما أدخلت عليه بسط يده إليها فكأنها كرهت ذلك ، فأمر أبا أسيد أن يجهزها ويكسوها ثوبين . وفي لفظ آخر قال تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو أسيد : أبا أسيد ، اكسها رازقيين وألحقها بأهلها . أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجونية ، فلما دخل عليها قال : هبي لي نفسك فقالت : وهل تهب الملكة نفسها للسوقة فأهوى بيده ليضعها عليها لتسكن ، فقالت : أعوذ بالله منك فقال : قد عذت بمعاذ ثم خرج علينا فقال : يا
ومنهن : ، أخت قتيلة بنت قيس الأشعث بن قيس ، زوجها إياه الأشعث ، ثم انصرف إلى حضرموت ، فحملها إليه فبلغه وفاة النبي صلى الله عليه وسلم فردها إلى بلاده ، فارتد وارتدت معه . ثم [ ص: 154 ] تزوجها ، فوجد من ذلك عكرمة بن أبي جهل أبو بكر وجدا شديدا . فقال له عمر : إنها والله ما هي من أزواجه ، ما خيرها ولا حجبها . ولقد برأها الله منه بالارتداد . وكان عروة ينكر أن يكون تزوجها .
ومنهن : أم شريك الأزدية ، واسمها غزية بنت جابر بن حكيم ، وكانت قبله عند أبي بكر بن أبي سلمى ، فطلقها النبي صلى الله عليه وسلم ولم يدخل بها . وهي التي وهبت نفسها . وقيل : إن التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم . خولة بنت حكيم
ومنهن : خولة بنت الهزيل بن هبيرة ، تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فهلكت قبل أن تصل إليه .
ومنهن : شراف بنت خليفة ، أخت دحية ، تزوجها ولم يدخل بها . ومنهن ليلى بنت الخطيم ، أخت قيس ، تزوجها وكانت غيورا فاستقالته فأقالها .
ومنهن : عمرة بنت معاوية الكندية ، تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم قال الشعبي : تزوج امرأة من كندة فجيء بها بعد ما مات .
ومنهن : ابنة جندب بن ضمرة الجندعية . قال بعضهم : تزوجها رسول الله صلى الله عليه وأنكر بعضهم وجود ذلك .
ومنهن : الغفارية . قال بعضهم : تزوج امرأة من غفار ، فأمرها فنزعت ثيابها فرأى بياضا فقال : . ويقال : إنما رأى البياض بالكلابية . فهؤلاء اللاتي ، عقد عليهن ولم يدخل بهن ، صلى الله عليه وسلم . الحقي بأهلك
فأما ، ومن وهبت له نفسها : فمنهن : من خطبهن فلم يتم نكاحه معهن . خطبها النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : إني امرأة مصبية واعتذرت إليه فعذرها أم هانئ بنت أبي طالب ، واسمها فاختة .
ومنهن : ضباعة بنت عامر .
ومنهن : صفية بنت بشامة بن نضلة ، خطبها النبي صلى الله عليه وسلم وكان أصابها سباء ، فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : إن شئت أنا وإن شئت زوجك ؟ قالت : زوجي . فأرسلها ، فلعنتها بنو تميم ، قاله ابن عباس .
ومنهن : . وقد تقدم ذكرها . أم شريك
[ ص: 155 ] ومنهن : ليلى بنت الخطيم ، وقد تقدم ذكرها .
ومنهن : ، وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم فأرجأها ، فتزوجها خولة بنت حكيم بن أمية عثمان بن مظعون .
ومنهن : جمرة بنت الحارث بن عوف المري ، خطبها النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبوها : إن بها سوءا ولم يكن بها ، فرجع إليها أبوها وقد برصت ، وهي أم شبيب بن البرصاء الشاعر .
ومنهن : سودة القرشية ، خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت مصبية . فقالت : أخاف أن يضغو صبيتي عند رأسك . فحمدها ودعا لها .
ومنهن : امرأة لم يذكر اسمها . قال مجاهد : خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة فقالت : أستأمر أبي . فلقيت أباها فأذن لها ، فلقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : قد التحفنا لحافا غيرك . فهؤلاء جميع أزواج النبي صلى الله عليه وسلم . : وكان له من السراري سريتان مارية القبطية ، وريحانة ، في قول قتادة . وقال غيره : كان له أربع : مارية ، وريحانة ، وأخرى جميلة أصابها في السبي ، وجارية وهبتها له زينب بنت جحش .
الثالثة : لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا إن شرط ، وجوابه فتعالين ، فعلق التخيير على شرط . وهذا يدل على أن صحيحان ، فينفذان ويمضيان ، خلافا للجهال المبتدعة الذين يزعمون أن الرجل إذا التخيير والطلاق المعلقين على شرط ، أنه لا يقع الطلاق إن دخلت الدار ؛ لأن الطلاق الشرعي هو المنجز في الحال لا غير . قال لزوجته : أنت طالق إن دخلت الدار
الرابعة : فتعالين هو جواب الشرط ، وهو فعل جماعة النساء ، من قولك تعال ، وهو دعاء إلى الإقبال إليه ، يقال : تعالى بمعنى أقبل ، وضع لمن له جلالة ورفعة ، ثم صار في الاستعمال لكل داع إلى الإقبال ، وأما في هذا الموضع فهو على أصله ، فإن الداعي هو رسول الله صلى الله عليه وسلم . ( أمتعكن ) قد تقدم الكلام في ( البقرة ) . وقرئ ( أمتعكن ) بضم العين . وكذا ( وأسرحكن ) بضم الحاء على الاستئناف . والسراح الجميل : هو أن يكون طلاقا للسنة من غير ضرار ولا منع واجب لها .
الخامسة : اختلف العلماء في على قولين : الأول : أنه [ ص: 156 ] خيرهن بإذن الله تعالى في البقاء على الزوجية أو الطلاق ، فاخترن البقاء ، قالته كيفية تخيير النبي صلى الله عليه وسلم أزواجه عائشة ومجاهد وعكرمة والشعبي وابن شهاب وربيعة . ومنهم من قال : إنما خيرهن بين الدنيا فيفارقهن ، وبين الآخرة فيمسكهن ، لتكون لهن المنزلة العليا كما كانت لزوجهن ، ولم يخيرهن في الطلاق ، ذكره الحسن وقتادة . ومن الصحابة علي فيما رواه عنه أنه قال : لم يخير رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه إلا بين الدنيا والآخرة . أحمد بن حنبل
قلت : القول الأول أصح ، عائشة رضي الله عنها لما سئلت عن الرجل يخير امرأته فقالت : قد خيرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أفكان طلاقا في رواية : فاخترناه فلم يعده طلاقا ولم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا التخيير المأمور بين البقاء والطلاق ، لذلك قال : لقول عائشة إني ذاكر لك أمرا فلا عليك ألا تعجلي فيه حتى تستأمري أبويك الحديث . ومعلوم أنه لم يرد الاستئمار في اختيار الدنيا وزينتها على الآخرة . فثبت أن الاستئمار إنما وقع في الفرقة ، أو النكاح . والله أعلم . يا
السادسة : واختلف العلماء في ، فقال جمهور العلماء من السلف وغيرهم وأئمة الفتوى : إنه لا يلزمه طلاق ، لا واحدة ولا أكثر ، هذا قول المخيرة إذا اختارت زوجها عمر بن الخطاب وعلي وابن مسعود وزيد بن ثابت وابن عباس . ومن التابعين وعائشة عطاء ومسروق وسليمان بن يسار وربيعة . وروي عن وابن شهاب علي وزيد أيضا : إن اختارت زوجها فواحدة بائنة ، وهو قول الحسن البصري ، وحكاه والليث الخطابي والنقاش عن مالك . وتعلقوا بأن قوله : اختاري ، كناية عن إيقاع الطلاق ، فإذا أضافه إليها وقعت طلقة ، كقوله : أنت بائن . والصحيح الأول ، لقول عائشة : . أخرجه الصحيحان . قال خيرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخترناه فلم يعده علينا طلاقا ابن المنذر : وحديث عائشة دل على أن المخيرة إذا اختارت زوجها لم يكن ذلك طلاقا ، ويدل على أن اختيارها نفسها يوجب الطلاق ، ويدل على معنى ثالث ، وهو أن أنها تطليقة يملك زوجها رجعتها ، إذ غير جائز أن يطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم بخلاف ما أمره الله . وروي هذا عن المخيرة إذا اختارت نفسها عمر وابن مسعود . وبه قال وابن عباس ابن أبي ليلى والثوري . وروي عن والشافعي علي أنها إذا اختارت نفسها أنها واحدة بائنة . وهو قول أبي حنيفة وأصحابه . ورواه ابن خويز منداد عن مالك . وروي عن أنها إذا اختارت [ ص: 157 ] نفسها أنها ثلاث . وهو قول زيد بن ثابت ، وبه قال الحسن البصري مالك ؛ لأن الملك إنما يكون بذلك . وروي عن والليث علي رضي الله عنه أنها إذا اختارت نفسها فليس بشيء . وروي عنه أنها إذا اختارت زوجها فواحدة رجعية .
السابعة : ذهب جماعة من المدنيين وغيرهم إلى أن التمليك والتخيير سواء ، والقضاء ما قضت فيهما جميعا ، وهو قول عبد العزيز بن أبي سلمة . قال ابن شعبان : وقد اختاره كثير من أصحابنا ، وهو قول جماعة من أهل المدينة . قال أبو عمر : وعلى هذا القول أكثر الفقهاء . والمشهور من مذهب مالك الفرق بينهما ، وذلك أن التمليك عند مالك وهو واحدة أو اثنتين أو ثلاثا ، فلما جاز أن يملكها بعض ذلك دون بعض وادعى ذلك ، كان القول قوله مع يمينه إذا ناكرها . وقالت طائفة من قول الرجل لامرأته : قد ملكتك ، أي قد ملكتك ما جعل الله لي من الطلاق أهل المدينة : له المناكرة في التمليك وفي التخيير سواء في المدخول بها . والأول قول مالك في المشهور . وروى ابن خويز منداد . عن مالك أن للزوج أن يناكر المخيرة في الثلاث ، وتكون طلقة بائنة كما قال أبو حنيفة . وبه قال أبو الجهم . قال سحنون : وعليه أكثر أصحابنا .
وتحصيل مذهب مالك : أن فهو الطلاق كله ، وإن أنكر زوجها فلا نكرة له . وإن اختارت واحدة فليس بشيء ، وإنما الخيار البتات ، إما أخذته وإما تركته ؛ لأن معنى التخيير التسريح ، قال الله تعالى في آية التخيير : المخيرة إذا اختارت نفسها وهي مدخول بها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا فمعنى التسريح البتات ، قال الله تعالى : الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان . والتسريح بإحسان هو الطلقة الثالثة ، روي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم كما تقدم . ومن جهة المعنى أن قوله : اختاريني أو اختاري نفسك يقتضي ألا يكون له عليها سبيل إذا اختارت نفسها ، ولا يملك منها شيئا ؛ إذ قد جعل إليها أن تخرج ما يملكه منها أو تقيم معه إذا اختارته ، فإذا اختارت البعض من الطلاق لم تعمل بمقتضى اللفظ ، وكانت بمنزلة من خير بين شيئين فاختار غيرهما . وأما التي لم يدخل بها فله مناكرتها في التخيير والتمليك إذا زادت على واحدة ، لأنها تبين في الحال .
واختلفت الرواية عن مالك متى يكون لها الخيار ، فقال مرة : لها الخيار ما دامت في المجلس قبل القيام أو الاشتغال بما يدل على الإعراض . فإن لم تختر ولم تقض شيئا حتى افترقا من مجلسهما بطل ما كان من ذلك إليها ، وعلى هذا أكثر الفقهاء . وقال مرة : لها الخيار أبدا ما لم يعلم أنها تركت ، وذلك يعلم بأن تمكنه من نفسها بوطء أو مباشرة ، فعلى هذا إن [ ص: 158 ] منعت نفسها ولم تختر شيئا كان له رفعها على الحاكم لتوقع أو تسقط ، فإن أبت أسقط الحاكم تمليكها . وعلى القول الأول إذا أخذت في غير ذلك من حديث أو عمل أو مشي أو ما ليس في التخيير بشيء كما ذكرنا سقط تخييرها . واحتج بعض أصحابنا لهذا القول بقوله تعالى : فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره . وأيضا فإن الزوج أطلق لها القول ليعرف الخيار منها ، فصار كالعقد بينهما ، فإن قبلته وإلا سقط ، كالذي يقول : قد وهبت لك أو بايعتك ، فإن قبل وإلا كان الملك باقيا بحاله . هذا قول الثوري والكوفيين والأوزاعي والليث والشافعي ، وهو اختيار وأبي ثور ابن القاسم ووجه الرواية الثانية أن ذلك قد صار في يدها ملكته على زوجها بتمليكه إياها فلما ملكت ذلك وجب أن يبقى في يدها كبقائه في يد زوجها .
قلت : وهذا هو الصحيح لقوله عليه السلام : لعائشة رواه الصحيح ، وخرجه إني ذاكر لك أمرا فلا عليك ألا تستعجلي حتى تستأمري أبويك ، وصححه البخاري الترمذي . وقد تقدم في أول الباب . وهو حجة لمن قال : إنه إذا خير الرجل امرأته أو ملكها أن لها أن تقضي في ذلك وإن افترقا من مجلسهما ، روي هذا عن الحسن ، وقال والزهري مالك في إحدى روايتيه . قال أبو عبيد : والذي عندنا في هذا الباب ، اتباع السنة في عائشة في هذا الحديث ، حين جعل لها التخيير إلى أن تستأمر أبويها ، ولم يجعل قيامها من مجلسها خروجا من الأمر . قال المروزي . هذا أصح الأقاويل عندي ، وقاله ابن المنذر . والطحاوي