[ ص: 169 ] قوله تعالى : وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا     . 
فيه أربع مسائل : 
الأولى : روى قتادة   وابن عباس  ومجاهد  في سبب نزول هذه الآية : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب زينب بنت جحش  ، وكانت بنت عمته ، فظنت أن الخطبة لنفسه ، فلما تبين أنه يريدها لزيد  ، كرهت وأبت وامتنعت ، فنزلت الآية . فأذعنت زينب  حينئذ وتزوجته   . في رواية : فامتنعت وامتنع أخوها عبد الله  لنسبها من قريش  ، وأن زيدا  كان بالأمس عبدا ، إلى أن نزلت هذه الآية ، فقال له أخوها : مرني بما شئت ، فزوجها من زيد    . وقيل : إنها نزلت في أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط  ، وكانت وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم ، فزوجها من  زيد بن حارثة  ، فكرهت ذلك هي وأخوها وقالا : إنما أردنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فزوجنا غيره ، فنزلت الآية بسبب ذلك ، فأجابا إلى تزويج زيد  ، قاله ابن زيد   . وقال الحسن    : ليس لمؤمن ولا مؤمنة إذا أمر الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم بأمر أن يعصياه   . 
الثانية : لفظة ( ما كان ، وما ينبغي ) ونحوهما ، معناها الحظر والمنع . فتجيء لحظر الشيء والحكم بأنه لا يكون ، كما في هذه الآية . وربما كان امتناع ذلك الشيء عقلا كقوله تعالى : ما كان لكم أن تنبتوا شجرها  وربما كان العلم بامتناعه شرعا كقوله تعالى : ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة  وقوله تعالى : وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب    . وربما كان في المندوبات ، كما تقول : ما كان لك يا فلان أن تترك النوافل ، ونحو هذا . 
الثالثة : في هذه الآية دليل بل نص في أن الكفاءة لا تعتبر في الأحساب وإنما تعتبر في الأديان  ، خلافا لمالك   والشافعي  والمغيرة   وسحنون    . وذلك أن الموالي تزوجت في قريش  ، تزوج زيد  زينب بنت جحش    . وتزوج المقداد بن الأسود  ضباعة بنت الزبير    . وزوج أبو حذيفة   [ ص: 170 ] سالما  من فاطمة بنت الوليد بن عتبة    . وتزوج بلال  أخت عبد الرحمن بن عوف    . وقد تقدم هذا المعنى في غير موضع . 
الرابعة : قوله تعالى : أن يكون لهم الخيرة من أمرهم  قرأ الكوفيون    : أن يكون بالياء . وهو اختيار أبي عبيد  ، لأنه قد فرق بين المؤنث وبين فعله . الباقون بالتاء ؛ لأن اللفظ مؤنث فتأنيث فعله حسن . والتذكير على أن الخيرة بمعنى التخيير ، فالخيرة مصدر بمعنى الاختيار . وقرأ ابن السميقع    " الخيرة " بإسكان الياء . وهذه الآية في ضمن قوله تعالى : النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم    . ثم توعد تعالى وأخبر أن من يعص الله ورسوله فقد ضل . وهذا أدل دليل على ما ذهب إليه الجمهور من فقهائنا ، وفقهاء أصحاب الإمام الشافعي  وبعض الأصوليين ، من أن صيغة ( أفعل ) للوجوب في أصل وضعها ؛ لأن الله تبارك وتعالى نفى خيرة المكلف عند سماع أمره وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم ، ثم أطلق على من بقيت له خيرة عند صدور الأمر اسم المعصية ، ثم علق على المعصية بذلك الضلال ، فلزم حمل الأمر على الوجوب . والله أعلم . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					