فأوردتهم ماء بفيفاء قفرة وقد حلق النجم اليماني فاستوى
أي ارتفع وعلا ، واستوت الشمس على رأسي واستوت الطير على قمة رأسي ، بمعنى علا . وهذه الآية من المشكلات ، والناس فيها وفيما شاكلها على ثلاثة أوجه قال بعضهم : نقرؤها ونؤمن بها ولا نفسرها ، وذهب إليه كثير من الأئمة ، وهذا كما روي عن مالك رحمه الله أن رجلا سأله عن قوله تعالى : الرحمن على العرش استوى قال مالك : الاستواء غير مجهول ، والكيف غير معقول ، والإيمان به واجب ، والسؤال عنه بدعة ، وأراك رجل سوء أخرجوه .وقال بعضهم : نقرؤها ونفسرها على ما يحتمله ظاهر اللغة . وهذا قول المشبهة .
وقال بعضهم : نقرؤها ونتأولها ونحيل حملها على ظاهرها .
وقال الفراء في قوله عز وجل ثم استوى إلى السماء فسواهن قال : الاستواء في كلام العرب على وجهين ، أحدهما : أن يستوي الرجل وينتهي شبابه وقوته ، أو يستوي عن اعوجاج . فهذان وجهان . ووجه ثالث أن [ ص: 242 ] تقول : كان فلان مقبلا على فلان ، ثم استوى علي وإلي يشاتمني . على معنى أقبل إلي وعلي . فهذا معنى قوله : ثم استوى إلى السماء والله أعلم . قال وقد قال ابن عباس : ثم استوى إلى السماء صعد . وهذا كقولك : كان قاعدا فاستوى قائما ، وكان قائما فاستوى قاعدا ، وكل ذلك في كلام العرب جائز .
وقال : قوله استوى بمعنى أقبل - صحيح ، لأن الإقبال هو القصد إلى خلق السماء ، والقصد هو الإرادة ، وذلك جائز في صفات الله تعالى . ولفظة " ثم " تتعلق بالخلق لا بالإرادة . وأما ما حكي عن البيهقي أبو بكر أحمد بن علي بن الحسين ابن عباس فإنما أخذه عن تفسير الكلبي ، والكلبي ضعيف . وقال سفيان بن عيينة وابن كيسان في قوله ثم استوى إلى السماء : قصد إليها ، أي بخلقه واختراعه ، فهذا قول . وقيل : على دون تكييف ولا تحديد ، واختاره الطبري . ويذكر عن أبي العالية الرياحي في هذه الآية أنه يقال : استوى بمعنى أنه ارتفع . قال : ومراده من ذلك - والله أعلم - ارتفاع أمره ، وهو بخار الماء الذي وقع منه خلق السماء . وقيل : إن المستوي الدخان . وقال البيهقي ابن عطية : وهذا يأباه وصف الكلام . وقيل : المعنى استولى ، كما قال الشاعر :
[ ص: 243 ]
قد استوى بشر على العراق من غير سيف ودم مهراق