الخامسة :
nindex.php?page=treesubj&link=28973قوله تعالى : ثم استوى ثم لترتيب الإخبار لا لترتيب الأمر في نفسه . والاستواء في اللغة : الارتفاع والعلو على الشيء ، قال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=28فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك ، وقال
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=13لتستووا على ظهوره ، وقال الشاعر :
فأوردتهم ماء بفيفاء قفرة وقد حلق النجم اليماني فاستوى
أي ارتفع وعلا ، واستوت الشمس على رأسي واستوت الطير على قمة رأسي ، بمعنى علا . وهذه الآية من المشكلات ، والناس فيها وفيما شاكلها على ثلاثة أوجه قال بعضهم : نقرؤها ونؤمن بها ولا نفسرها ، وذهب إليه كثير من الأئمة ، وهذا كما روي عن
مالك رحمه الله أن رجلا سأله عن قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=5الرحمن على العرش استوى قال
مالك : الاستواء غير مجهول ، والكيف غير معقول ، والإيمان به واجب ، والسؤال عنه بدعة ، وأراك رجل سوء أخرجوه .
وقال بعضهم : نقرؤها ونفسرها على ما يحتمله ظاهر اللغة . وهذا قول
المشبهة .
وقال بعضهم : نقرؤها ونتأولها ونحيل حملها على ظاهرها .
وقال
الفراء في قوله عز وجل
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=29ثم استوى إلى السماء فسواهن قال : الاستواء في كلام العرب على وجهين ، أحدهما : أن يستوي الرجل وينتهي شبابه وقوته ، أو يستوي عن اعوجاج . فهذان وجهان . ووجه ثالث أن
[ ص: 242 ] تقول : كان فلان مقبلا على فلان ، ثم استوى علي وإلي يشاتمني . على معنى أقبل إلي وعلي . فهذا معنى قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=29ثم استوى إلى السماء والله أعلم . قال وقد قال
ابن عباس : ثم استوى إلى السماء صعد . وهذا كقولك : كان قاعدا فاستوى قائما ، وكان قائما فاستوى قاعدا ، وكل ذلك في كلام العرب جائز .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي أبو بكر أحمد بن علي بن الحسين : قوله استوى بمعنى أقبل - صحيح ، لأن الإقبال هو القصد إلى خلق السماء ، والقصد هو الإرادة ، وذلك جائز في صفات الله تعالى . ولفظة " ثم " تتعلق بالخلق لا بالإرادة . وأما ما حكي عن
ابن عباس فإنما أخذه عن تفسير
الكلبي ،
والكلبي ضعيف . وقال
سفيان بن عيينة وابن كيسان في قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=29ثم استوى إلى السماء : قصد إليها ، أي بخلقه واختراعه ، فهذا قول . وقيل : على دون تكييف ولا تحديد ، واختاره
الطبري . ويذكر عن
أبي العالية الرياحي في هذه الآية أنه يقال : استوى بمعنى أنه ارتفع . قال
nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي : ومراده من ذلك - والله أعلم - ارتفاع أمره ، وهو بخار الماء الذي وقع منه خلق السماء . وقيل : إن المستوي الدخان . وقال
ابن عطية : وهذا يأباه وصف الكلام . وقيل : المعنى استولى ، كما قال الشاعر :
[ ص: 243 ] قد استوى بشر على العراق من غير سيف ودم مهراق
قال
ابن عطية : وهذا إنما يجيء في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=5الرحمن على العرش استوى . قلت : قد تقدم في قول
الفراء علي وإلي بمعنى . وسيأتي لهذا الباب مزيد بيان في سورة " الأعراف " إن شاء الله تعالى . والقاعدة في هذه الآية ونحوها منع الحركة والنقلة .
الْخَامِسَةُ :
nindex.php?page=treesubj&link=28973قَوْلُهُ تَعَالَى : ثُمَّ اسْتَوَى ثُمَّ لِتَرْتِيبِ الْإِخْبَارِ لَا لِتَرْتِيبِ الْأَمْرِ فِي نَفْسِهِ . وَالِاسْتِوَاءُ فِي اللُّغَةِ : الِارْتِفَاعُ وَالْعُلُوُّ عَلَى الشَّيْءِ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=28فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ ، وَقَالَ
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=13لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ، وَقَالَ الشَّاعِرُ :
فَأَوْرَدْتُهُمْ مَاءً بِفَيْفَاءَ قَفْرَةٍ وَقَدْ حَلَّقَ النَّجْمُ الْيَمَانِيُّ فَاسْتَوَى
أَيِ ارْتَفَعَ وَعَلَا ، وَاسْتَوَتِ الشَّمْسُ عَلَى رَأْسِي وَاسْتَوَتِ الطَّيْرُ عَلَى قِمَّةِ رَأْسِي ، بِمَعْنَى عَلَا . وَهَذِهِ الْآيَةُ مِنَ الْمُشْكِلَاتِ ، وَالنَّاسُ فِيهَا وَفِيمَا شَاكَلَهَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ قَالَ بَعْضُهُمْ : نَقْرَؤُهَا وَنُؤْمِنُ بِهَا وَلَا نُفَسِّرُهَا ، وَذَهَبَ إِلَيْهِ كَثِيرٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ ، وَهَذَا كَمَا رُوِيَ عَنْ
مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَهُ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=5الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى قَالَ
مَالِكٌ : الِاسْتِوَاءُ غَيْرُ مَجْهُولٍ ، وَالْكَيْفُ غَيْرُ مَعْقُولٍ ، وَالْإِيمَانُ بِهِ وَاجِبٌ ، وَالسُّؤَالُ عَنْهُ بِدْعَةٌ ، وَأَرَاكَ رَجُلَ سَوْءٍ أَخْرِجُوهُ .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ : نَقْرَؤُهَا وَنُفَسِّرُهَا عَلَى مَا يَحْتَمِلُهُ ظَاهِرُ اللُّغَةِ . وَهَذَا قَوْلُ
الْمُشَبِّهَةِ .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ : نَقْرَؤُهَا وَنَتَأَوَّلُهَا وَنُحِيلُ حَمْلَهَا عَلَى ظَاهِرِهَا .
وَقَالَ
الْفَرَّاءُ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=29ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ قَالَ : الِاسْتِوَاءُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ عَلَى وَجْهَيْنِ ، أَحَدِهِمَا : أَنْ يَسْتَوِيَ الرَّجُلُ وَيَنْتَهِيَ شَبَابُهُ وَقُوَّتُهُ ، أَوْ يَسْتَوِيَ عَنِ اعْوِجَاجٍ . فَهَذَانَ وَجْهَانِ . وَوَجْهٌ ثَالِثٌ أَنْ
[ ص: 242 ] تَقُولَ : كَانَ فُلَانٌ مُقْبِلًا عَلَى فُلَانٍ ، ثُمَّ اسْتَوَى عَلَيَّ وَإِلَيَّ يُشَاتِمُنِي . عَلَى مَعْنَى أَقْبَلَ إِلَيَّ وَعَلَيَّ . فَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=29ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ . قَالَ وَقَدْ قَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ : ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ صَعِدَ . وَهَذَا كَقَوْلِكَ : كَانَ قَاعِدًا فَاسْتَوَى قَائِمًا ، وَكَانَ قَائِمًا فَاسْتَوَى قَاعِدًا ، وَكُلُّ ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ جَائِزٌ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13933الْبَيْهَقِيُّ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ : قَوْلُهُ اسْتَوَى بِمَعْنَى أَقْبَلَ - صَحِيحٌ ، لِأَنَّ الْإِقْبَالَ هُوَ الْقَصْدُ إِلَى خَلْقِ السَّمَاءِ ، وَالْقَصْدُ هُوَ الْإِرَادَةُ ، وَذَلِكَ جَائِزٌ فِي صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى . وَلَفْظَةُ " ثُمَّ " تَتَعَلَّقُ بِالْخَلْقِ لَا بِالْإِرَادَةِ . وَأَمَّا مَا حُكِيَ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ فَإِنَّمَا أَخَذَهُ عَنْ تَفْسِيرِ
الْكَلْبِيِّ ،
وَالْكَلْبِيُّ ضَعِيفٌ . وَقَالَ
سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ وَابْنُ كَيْسَانَ فِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=29ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ : قَصَدَ إِلَيْهَا ، أَيْ بِخَلْقِهِ وَاخْتِرَاعِهِ ، فَهَذَا قَوْلٌ . وَقِيلَ : عَلَى دُونِ تَكْيِيفٍ وَلَا تَحْدِيدٍ ، وَاخْتَارَهُ
الطَّبَرِيُّ . وَيُذْكَرُ عَنْ
أَبِي الْعَالِيَةِ الرِّيَاحِيِّ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّهُ يُقَالُ : اسْتَوَى بِمَعْنَى أَنَّهُ ارْتَفَعَ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13933الْبَيْهَقِيُّ : وَمُرَادُهُ مِنْ ذَلِكَ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - ارْتِفَاعُ أَمْرِهِ ، وَهُوَ بُخَارُ الْمَاءِ الَّذِي وَقَعَ مِنْهُ خَلْقُ السَّمَاءِ . وَقِيلَ : إِنَّ الْمُسْتَوِيَ الدُّخَانُ . وَقَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : وَهَذَا يَأْبَاهُ وَصْفُ الْكَلَامِ . وَقِيلَ : الْمَعْنَى اسْتَوْلَى ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ :
[ ص: 243 ] قَدِ اسْتَوَى بِشْرٌ عَلَى الْعِرَاقِ مِنْ غَيْرِ سَيْفٍ وَدَمٍ مُهْرَاقِ
قَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : وَهَذَا إِنَّمَا يَجِيءُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=5الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى . قُلْتُ : قَدْ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِ
الْفَرَّاءِ عَلَيَّ وَإِلَيَّ بِمَعْنًى . وَسَيَأْتِي لِهَذَا الْبَابِ مَزِيدُ بَيَانٍ فِي سُورَةِ " الْأَعْرَافِ " إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى . وَالْقَاعِدَةُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَنَحْوِهَا مَنْعُ الْحَرَكَةِ وَالنَّقْلَةِ .