والذين كفروا لهم نار جهنم لما ذكر أهل الجنة وأحوالهم ومقالتهم ، قوله تعالى :
[ ص: 315 ] ذكر . أهل النار وأحوالهم ومقالتهم لا يقضى عليهم فيموتوا مثل : لا يموت فيها ولا يحيا . ولا يخفف عنهم من عذابها مثل : كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب . كذلك نجزي كل كفور أي كافر بالله ورسوله .
وقرأ الحسن ( فيموتون ) بالنون ، ولا يكون للنفي حينئذ جواب ، ويكون ( فيموتون ) عطفا على ( يقضى ) تقديره لا يقضى عليهم ولا يموتون ; كقوله تعالى : ولا يؤذن لهم فيعتذرون . قال الكسائي : ولا يؤذن لهم فيعتذرون بالنون في المصحف لأنه رأس آية لا يقضى عليهم فيموتوا لأنه ليس رأس آية . ويجوز في كل واحد منهما ما جاز في صاحبه . وهم يصطرخون فيها أي يستغيثون في النار بالصوت العالي . والصراخ الصوت العالي ، والصارخ المستغيث ، والمصرخ المغيث . قال :
كنا إذا ما أتانا صارخ فزع كان الصراخ له قرع الظنابيب
( ربنا أخرجنا ) أي يقولون ربنا أخرجنا من جهنم وردنا إلى الدنيا . نعمل صالحا قال ابن عباس : نقل : لا إله إلا الله . غير الذي كنا نعمل أي من الشرك ، أي نؤمن بدل الكفر ، ونطيع بدل المعصية ، ونمتثل أمر الرسل . أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر هذا جواب دعائهم ; أي فيقال لهم ، فالقول مضمر . وترجم : ( باب من بلغ ستين سنة فقد أعذر الله إليه في العمر لقوله عز وجل البخاري أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير يعني الشيب ) حدثنا عبد السلام بن مطهر قال حدثنا عمر بن علي قال حدثنا معن بن محمد الغفاري عن عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أبي هريرة . قال أعذر الله إلى امرئ أخر أجله حتى بلغه ستين سنة : ( أعذر إليه ) أي بلغ به أقصى العذر ، ومنه قولهم : قد أعذر من أنذر ; أي أقام عذر نفسه في تقديم نذارته . والمعنى : أن من عمره الله ستين سنة لم يبق له عذر ; لأن الستين قريب من معترك المنايا ، وهو سن الإنابة والخشوع وترقب المنية ولقاء الله تعالى ; ففيه إعذار بعد ( إعذار ) ; الأول بالنبي صلى الله عليه وسلم ، والموتان في الأربعين والستين . قال الخطابي علي وابن عباس في تأويل قوله تعالى وأبو هريرة أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر : إنه ستون سنة . وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في موعظته : أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير . وذكر ولقد [ ص: 316 ] أبلغ في الإعذار من تقدم في الإنذار وإنه لينادي مناد من قبل الله تعالى أبناء الستين من حديث الترمذي الحكيم عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر . وعن إذا كان يوم القيامة نودي أبناء الستين وهو العمر الذي قال الله ابن عباس أيضا أنه أربعون سنة . وعن ومسروق مثله . ولهذا القول أيضا وجه ، وهو صحيح ; والحجة له قوله تعالى : الحسن البصري حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة الآية . ففي الأربعين تناهي العقل ، وما قبل ذلك وما بعده منتقص عنه ، والله أعلم . وقال مالك : أدركت أهل العلم ببلدنا وهم يطلبون الدنيا والعلم ويخالطون الناس ، حتى يأتي لأحدهم أربعون سنة ، فإذا أتت عليهم اعتزلوا الناس واشتغلوا بالقيامة حتى يأتيهم الموت . وقد مضى هذا المعنى في سورة ( الأعراف ) . وخرج ابن ماجه عن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أبي هريرة . أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين وأقلهم من تجاوز ذلك
قوله تعالى : وجاءكم النذير وقرئ ( وجاءتكم النذر ) واختلف فيه ; فقيل القرآن . وقيل الرسول ; قاله زيد بن علي وابن زيد . وقال ابن عباس وعكرمة وسفيان ووكيع والحسين بن الفضل والفراء : هو الشيب . وقيل : النذير الحمى . وقيل : موت الأهل والأقارب . وقيل : كمال العقل . والنذير بمعنى الإنذار . والطبري
قلت : فالشيب والحمى وموت الأهل كله إنذار بالموت ; قال صلى الله عليه وسلم : . قال الحمى رائد الموت الأزهري : معناه أن الحمى رسول الموت ، أي كأنها تشعر بقدومه وتنذر [ ص: 317 ] بمجيئه . والشيب نذير أيضا ; لأنه يأتي في سن الاكتهال ، وهو علامة لمفارقة سن الصبا الذي هو سن اللهو واللعب . قال :
رأيت الشيب من نذر المنايا لصاحبه وحسبك من نذير
وقال آخر :
فقلت لها المشيب نذير عمري ولست مسودا وجه النذير
وأما موت الأهل والأقارب والأصحاب والإخوان فإنذار بالرحيل في كل وقت وأوان ، وحين وزمان . قال :
وأراك تحملهم ولست تردهم فكأنني بك قد حملت فلم ترد
وقال آخر :
الموت في كل حين ينشر الكفنا ونحن في غفلة عما يراد بنا
قوله تعالى : ( فذوقوا ) يريد عذاب جهنم ; لأنكم ما اعتبرتم ولا اتعظتم . فما للظالمين من نصير أي مانع من عذاب الله .