قوله تعالى : إن هو إلا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلا لبني إسرائيل ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة في الأرض يخلفون .
قوله تعالى : إن هو إلا عبد أنعمنا عليه أي ما عيسى إلا عبد أنعم الله عليه بالنبوة ، وجعله مثلا لبني إسرائيل ، أي : آية وعبرة يستدل بها على قدرة الله تعالى ، فإن عيسى كان من غير أب ، ثم جعل إليه من إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص والأسقام كلها ما لم يجعل لغيره في زمانه ، مع أن بني إسرائيل كانوا يومئذ خير الخلق وأحبه إلى الله عز وجل ، والناس دونهم ، ليس أحد عند الله - عز وجل - مثلهم . وقيل المراد بالعبد المنعم عليه محمد صلى الله عليه وسلم ، والأول أظهر .
ولو نشاء لجعلنا منكم أي : بدلا منكم ( ملائكة ) يكونون خلفا عنكم ، قاله . ونحوه عن السدي مجاهد قال : ملائكة يعمرون الأرض بدلا منكم . وقال الأزهري : إن ( من ) قد تكون للبدل ، بدليل هذه الآية .
قلت : قد تقدم هذا المعنى في ( براءة ) وغيرها . وقيل : لو نشاء لجعلنا من الإنس ملائكة وإن لم تجر العادة بذلك ، والجواهر جنس واحد ، والاختلاف بالأوصاف ، والمعنى : لو نشاء لأسكنا الأرض الملائكة ، وليس في إسكاننا إياهم السماء شرف حتى يعبدوا ، أو يقال لهم بنات الله . ومعنى ( يخلفون ) يخلف بعضهم بعضا ، قاله ابن عباس .