قوله تعالى :
فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين يغشى الناس هذا عذاب أليم .
فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين ( ارتقب ) معناه انتظر يا قوله تعالى : محمد بهؤلاء الكفار يوم تأتي السماء بدخان مبين ، قاله قتادة . وقيل : معناه احفظ قولهم هذا لتشهد عليهم يوم تأتي السماء بدخان مبين ، ولذلك سمي الحافظ رقيبا . وفي الدخان أقوال ثلاثة : الأول : أنه لم يجئ بعد ، وأنه يمكث في الأرض أربعين يوما يملأ ما بين السماء والأرض ، فأما المؤمن فيصيبه مثل الزكام ، وأما الكافر والفاجر فيدخل في أنوفهم فيثقب مسامعهم ، ويضيق أنفاسهم ، وهو من آثار جهنم يوم القيامة . وممن قال إن الدخان لم يأت بعد : من أشراط الساعة علي وابن عباس وابن عمرو وأبو هريرة وزيد بن علي والحسن وغيرهم . وروى وابن أبي مليكة أبو سعيد الخدري مرفوعا أنه دخان يهيج بالناس يوم القيامة ، يأخذ المؤمن منه كالزكمة . وينفخ الكافر حتى يخرج من كل مسمع منه ، ذكره . وفي صحيح الماوردي مسلم عن عن أبي الطفيل حذيفة بن أسيد الغفاري قال : والدجال والدابة وطلوع الشمس من مغربها ونزول عيسى ابن مريم وخروج يأجوج ومأجوج وثلاثة خسوف ؛ خسف بالمشرق وخسف بجزيرة العرب وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم . في رواية عن اطلع النبي - صلى الله عليه وسلم - علينا ونحن نتذاكر فقال : ما تذكرون ؟ قالوا : نذكر الساعة ، قال : إنها لن تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات - فذكر - الدخان حذيفة : خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف في جزيرة العرب والدخان الساعة لا تكون حتى تكون عشر آيات والدجال ودابة الأرض ويأجوج ومأجوج وطلوع الشمس من مغربها ونار تخرج من قعر عدن ترحل الناس . وخرجه إن الثعلبي أيضا عن حذيفة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : الدجال ونزول عيسى ابن مريم ونار تخرج من قعر عدن أبين تسوق الناس إلى المحشر [ ص: 122 ] تبيت معهم حيث باتوا وتقيل معهم إذا قالوا وتصبح معهم إذا أصبحوا وتمسي معهم إذا أمسوا .
قلت : يا نبي الله ، وما الدخان ؟ قال هذه الآية : فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين يملأ ما بين المشرق والمغرب يمكث أربعين يوما وليلة أما المؤمن فيصيبه منه شبه الزكام وأما الكافر فيكون بمنزلة السكران يخرج الدخان من فمه ومنخره وعينيه وأذنه ودبره ) . فهذا قول . القول الثاني : أن الدخان هو ما أصاب أول الآيات خروجا قريشا من الجوع بدعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - . حتى كان الرجل يرى بين السماء والأرض دخانا ، قاله ابن مسعود . قال وقد كشفه الله عنهم ، ولو كان يوم القيامة لم يكشفه عنهم . والحديث عنه بهذا في صحيح البخاري ومسلم . قال والترمذي : حدثني البخاري يحيى قال حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن مسلم عن مسروق قال : قال عبد الله : قريشا لما استعصت على النبي - صلى الله عليه وسلم - دعا عليهم بسنين كسني يوسف ، فأصابهم قحط وجهد حتى أكلوا العظام ، فجعل الرجل ينظر إلى السماء فيرى ما بينه وبينها كهيئة الدخان من الجهد ، فأنزل الله تعالى : إنما كان هذا لأن فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين . يغشى الناس هذا عذاب أليم قال : فأتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقيل : يا رسول الله ، استسق الله لمضر فإنها قد هلكت . قال : ( لمضر ! إنك لجرئ ) فاستسقى فسقوا ، فنزلت إنكم عائدون . فلما أصابتهم الرفاهية عادوا إلى حالهم حين أصابتهم الرفاهية ، فأنزل الله - عز وجل - : يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون قال : يعني يوم بدر . قال أبو عبيدة : والدخان الجدب . القتبي سمي دخانا ليبس الأرض منه حين يرتفع منها كالدخان . القول الثالث : إنه يوم فتح مكة لما حجبت السماء الغبرة ، قاله عبد الرحمن الأعرج ( يغشى الناس ) في موضع الصفة للدخان ، فإن كان قد مضى على ما قال ابن مسعود فهو خاص بالمشركين من أهل مكة ، وإن كان من أشراط الساعة فهو عام على ما تقدم . هذا عذاب أليم أي : يقول الله لهم : ( هذا عذاب أليم ) فمن قال : إن الدخان قد مضى فقوله : ( هذا عذاب أليم ) حكاية حال ماضية ، ومن جعله مستقبلا . فهو حكاية حال آتية . وقيل : ( هذا ) بمعنى ذلك . وقيل : أي : يقول الناس لذلك الدخان : ( هذا عذاب أليم ) وقيل : هو إخبار عن دنو الأمر ، كما تقول : هذا الشتاء فأعد له .
[ ص: 123 ] قوله تعالى :