أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم نظر اعتبار وتفكر ، وأن القادر على إيجادها قادر على الإعادة . قوله تعالى :
كيف بنيناها فرفعناها بلا عمد وزيناها بالنجوم وما لها من فروج جمع فرج وهو الشق ; ومنه قول امرئ القيس :
لها ذنب مثل ذيل العروس تسد به فرجها من دبر
وقال الكسائي : ليس فيها تفاوت ولا اختلاف ولا فتوق .والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي تقدم في الرعد بيانه . وأنبتنا فيها من كل زوج أي : من كل نوع من النبات بهيج أي : حسن يسر الناظرين ; وقد تقدم في " الحج " بيانه .
تبصرة أي : جعلنا ذلك تبصرة لندل به على كمال قدرتنا . وقال أبو حاتم : نصب على المصدر ; يعني : جعلنا ذلك [ ص: 8 ] تبصيرا وتنبيها على قدرتنا و " ذكرى " معطوف عليه .
لكل عبد منيب راجع إلى الله تعالى ، مفكر في قدرته .
ونزلنا من السماء أي : من السحاب ماء مباركا أي : كثير البركة .
فأنبتنا به جنات وحب الحصيد التقدير : وحب النبت الحصيد وهو كل ما يحصد . هذا قول البصريين . وقال الكوفيون : هو من باب إضافة الشيء إلى نفسه ، كما يقال : مسجد الجامع وربيع الأول وحق اليقين وحبل الوريد ونحوها ; قال الفراء : والأصل الحب الحصيد فحذفت الألف واللام وأضيف المنعوت إلى النعت . وقال الضحاك : حب الحصيد البر والشعير . وقيل : كل حب يحصد ويدخر ويقتات .
والنخل باسقات نصب على الحال ردا على قوله : وحب الحصيد و " باسقات " حال . والباسقات الطوال ؛ قاله مجاهد وعكرمة . وقال قتادة : بسوقها استقامتها في الطول . وقال وعبد الله بن شداد سعيد بن جبير : مستويات . وقال الحسن وعكرمة أيضا والفراء : مواقير حوامل ; يقال للشاة بسقت إذا ولدت ، قال الشاعر : فلما تركنا الدار ظلت منيفة بقران فيه الباسقات المواقر والأول في اللغة أكثر وأشهر ; يقال بسق النخل بسوقا إذا طال . قال : لنا خمر وليست خمر كرم ولكن من نتاج الباسقات كرام في السماء ذهبن طولا وفات ثمارها أيدي الجناة ويقال : بسق فلان على أصحابه أي : علاهم ، وأبسقت الناقة إذا وقع في ضرعها اللبن قبل النتاج فهي مبسق ونوق مباسيق . وقال قطبة بن مالك : ; ذكره سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ : " باصقات " بالصاد الثعلبي . قلت : الذي في صحيح مسلم قطبة بن مالك قال : صليت وصلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ ق والقرآن المجيد حتى قرأ والنخل باسقات قال : فجعلت أرددها ولا أدري ما قال ; إلا أنه لا يجوز إبدال الصاد من السين لأجل القاف . عن
لها طلع نضيد الطلع هو أول ما يخرج من ثمر النخل ; يقال : طلع الطلع طلوعا وأطلعت النخلة ، وطلعها كفراها قبل أن ينشق . نضيد أي : متراكب قد نضد بعضه على بعض . وفي النضيد الكفرى ما دام [ ص: 9 ] في أكمامه ومعناه : منضود بعضه على بعض ; فإذا خرج من أكمامه فليس بنضيد . البخاري
رزقا للعباد أي : رزقناهم رزقا ، أو على معنى أنبتناها رزقا ; لأن الإنبات في معنى الرزق ، أو على أنه مفعول له أي : أنبتناها لرزقهم ، والرزق ما كان مهيأ للانتفاع به . وقد تقدم القول فيه .
وأحيينا به بلدة ميتا كذلك الخروج أي : من القبور أي : كما أحيا الله هذه الأرض الميتة فكذلك يخرجكم أحياء بعد موتكم ; فالكاف في محل رفع على الابتداء . وقد مضى هذا المعنى في غير موضع . وقال " ميتا " لأن المقصود المكان ولو قال ميتة لجاز .