[ ص: 76 ] سورة " والنجم " مكية ، وهي إحدى وستون آية .
مكية كلها في قول
الحسن وعكرمة nindex.php?page=showalam&ids=16568وعطاء وجابر . وقال
ابن عباس وقتادة : إلا آية منها وهي قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=32الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش الآية . وقيل : اثنتان وستون آية . وقيل : إن السورة كلها مدنية . والصحيح أنها مكية لما روى
ابن مسعود أنه قال : هي أول سورة أعلنها رسول الله صلى الله عليه وسلم
بمكة . وفي
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري عن
ابن عباس :
nindex.php?page=hadith&LINKID=866234أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد بالنجم ، وسجد معه المسلمون والمشركون والجن والإنس وعن
عبد الله nindex.php?page=hadith&LINKID=866235أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ سورة النجم فسجد لها ، فما بقي أحد من القوم إلا سجد ; فأخذ رجل من القوم كفا من حصباء أو تراب فرفعه إلى وجهه وقال : يكفيني هذا . قال عبد الله : فلقد رأيته بعد قتل كافرا ، متفق عليه . الرجل يقال له
أمية بن خلف . وفي الصحيحين عن
nindex.php?page=showalam&ids=47زيد بن ثابت رضي الله عنه أنه
nindex.php?page=hadith&LINKID=866236قرأ على النبي صلى الله عليه وسلم سورة nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=1والنجم إذا هوى فلم يسجد . وقد مضى في آخر " الأعراف " القول في هذا والحمد لله .
[ ص: 77 ] بسم الله الرحمن الرحيم
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=1والنجم إذا هوى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=2ما ضل صاحبكم وما غوى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=3وما ينطق عن الهوى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=4إن هو إلا وحي يوحى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=5علمه شديد القوى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=6ذو مرة فاستوى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=7وهو بالأفق الأعلى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=8ثم دنا فتدلى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=9فكان قاب قوسين أو أدنى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=10فأوحى إلى عبده ما أوحى nindex.php?page=treesubj&link=29024قوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=1والنجم إذا هوى قال
ابن عباس ومجاهد : معنى
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=1والنجم إذا هوى والثريا إذا سقطت مع الفجر ; والعرب تسمي الثريا نجما وإن كانت في العدد نجوما ; يقال : إنها سبعة أنجم ، ستة منها ظاهرة وواحد خفي يمتحن الناس به أبصارهم . وفي ( الشفا )
nindex.php?page=showalam&ids=14919للقاضي عياض :
أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرى في الثريا أحد عشر نجما . وعن
مجاهد أيضا أن المعنى : والقرآن إذا نزل ; لأنه كان ينزل نجوما . وقاله
الفراء . وعنه أيضا : يعني نجوم السماء كلها حين تغرب . وهو قول
الحسن قال : أقسم الله بالنجوم إذا غابت . وليس يمتنع أن يعبر عنها بلفظ واحد ومعناه جمع ; كقول
الراعي :
فباتت تعد النجم في مستحيرة سريع بأيدي الآكلين جمودها
وقال
عمر بن أبي ربيعة :
أحسن النجم في السماء الثريا والثريا في الأرض زين النساء
وقال
الحسن أيضا : المراد بالنجم النجوم إذا سقطت يوم القيامة . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : إن النجم هاهنا الزهرة لأن قوما من العرب كانوا يعبدونها . وقيل : المراد به النجوم التي ترجم بها الشياطين ; وسببه أن الله تعالى لما أراد بعث
محمد صلى الله عليه وسلم رسولا كثر انقضاض الكواكب قبل مولده ، فذعر أكثر العرب منها وفزعوا إلى كاهن كان لهم ضريرا ، كان يخبرهم بالحوادث فسألوه عنها فقال : انظروا البروج الاثني عشر فإن انقضى منها شيء فهو ذهاب الدنيا ، فإن لم ينقض منها شيء فسيحدث في الدنيا أمر عظيم ، فاستشعروا ذلك ; فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم كان هو الأمر العظيم الذي استشعروه ، فأنزل الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=1والنجم إذا هوى أي ذلك النجم الذي هوى هو لهذه النبوة التي حدثت . وقيل : النجم هنا هو النبت الذي ليس له
[ ص: 78 ] ساق ، وهوى أي سقط على الأرض . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15639جعفر بن محمد بن علي بن الحسين رضي الله عنهم : والنجم يعني
محمدا صلى الله عليه وسلم
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=1إذا هوى إذا نزل من السماء ليلة المعراج . وعن
عروة بن الزبير رضي الله عنهما
أن عتبة بن أبي لهب وكان تحته بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد الخروج إلى الشام فقال : لآتين محمدا فلأوذينه ، فأتاه فقال : يا محمد هو كافر بالنجم إذا هوى ، وبالذي دنا فتدلى . ثم تفل في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ورد عليه ابنته وطلقها ; فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اللهم سلط عليه كلبا من كلابك وكان أبو طالب حاضرا فوجم لها وقال : ما كان أغناك يا ابن أخي عن هذه الدعوة ، فرجع عتبة إلى أبيه فأخبره ، ثم خرجوا إلى الشام ، فنزلوا منزلا ، فأشرف عليهم راهب من الدير فقال لهم : إن هذه أرض مسبعة . فقال أبو لهب لأصحابه : أغيثونا يا معشر قريش هذه الليلة ! فإني أخاف على ابني من دعوة محمد ; فجمعوا جمالهم وأناخوها حولهم ، وأحدقوا بعتبة ، فجاء الأسد يتشمم وجوههم حتى ضرب عتبة فقتله . وقال
حسان :
من يرجع العام إلى أهله فما أكيل السبع بالراجع
وأصل النجم الطلوع ; يقال : نجم السن ونجم فلان ببلاد كذا أي خرج على السلطان . والهوي النزول والسقوط ; يقال : هوى يهوي هويا مثل مضى يمضي مضيا ; قال
زهير :
فشج بها الأماعز وهي تهوي هوي الدلو أسلمها الرشاء
وقال آخر
- أبو بكر بن عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة - :
بينما نحن بالبلاكث فالقا ع سراعا والعيس تهوي هويا
خطرت خطرة على القلب من ذكراك وهنا فما استطعت مضيا
الأصمعي : هوى بالفتح يهوي هويا أي سقط إلى أسفل . قال : وكذلك انهوى في السير إذا مضى فيه ، وهوى وانهوى فيه لغتان بمعنى ، وقد جمعهما الشاعر في قوله :
وكم منزل لولاي طحت كما هوى بأجرامه من قلة النيق منهوي
ويقال في الحب : هوي بالكسر يهوى هوى ; أي أحب .
قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=2ما ضل صاحبكم هذا جواب القسم ; أي ما ضل
محمد صلى الله عليه وسلم عن
[ ص: 79 ] الحق وما حاد عنه .
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=2وما غوى الغي ضد الرشد أي ما صار غاويا . وقيل : أي ما تكلم بالباطل . وقيل : أي ما خاب مما طلب والغي : الخيبة ; قال الشاعر :
فمن يلق خيرا يحمد الناس أمره ومن يغو لا يعدم على الغي لائما
أي من خاب في طلبه لامه الناس . ثم يجوز أن يكون هذا إخبارا عما بعد الوحي . ويجوز أن يكون إخبارا عن أحواله على التعميم ; أي كان أبدا موحدا لله . وهو الصحيح على ما بيناه في " الشورى " عند قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=52ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان .
nindex.php?page=treesubj&link=29024قوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=3وما ينطق عن الهوى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=4إن هو إلا وحي يوحى .
فيه مسألتان :
الأولى : قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=3وما ينطق عن الهوى قال
قتادة : وما ينطق بالقرآن عن هواه وقيل :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=3عن الهوى أي بالهوى ; قاله
أبو عبيدة ; كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=59فاسأل به خبيرا أي فاسأل عنه .
النحاس : قول
قتادة أولى ، وتكون " عن " على بابها ، أي ما يخرج نطقه عن رأيه ، إنما هو بوحي من الله عز وجل ; لأن بعده :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=4إن هو إلا وحي يوحى .
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=4إن هو إلا وحي يوحى الثانية : قد يحتج بهذه الآية من لا يجوز لرسول الله صلى الله عليه وسلم الاجتهاد في الحوادث . وفيها أيضا دلالة على أن
nindex.php?page=treesubj&link=27862السنة كالوحي المنزل في العمل . وقد تقدم في مقدمة الكتاب حديث
nindex.php?page=showalam&ids=241المقدام بن معدي كرب في ذلك والحمد لله . قال
السجستاني : إن شئت أبدلت
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=4إن هو إلا وحي يوحى من
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=2ما ضل صاحبكم قال
ابن الأنباري : وهذا غلط ; لأن " إن " الخفيفة لا تكون مبدلة من " ما " ؛ الدليل على هذا أنك لا تقول : والله ما قمت إن أنا لقاعد .
قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=5علمه شديد القوى يعني
جبريل عليه السلام في قول سائر المفسرين ; سوى
الحسن فإنه قال : هو الله عز وجل ، ويكون قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=6ذو مرة على قول
الحسن تمام الكلام ، ومعناه ذو قوة
nindex.php?page=treesubj&link=28720_29682والقوة من صفات الله تعالى ; وأصله من شدة فتل الحبل ، كأنه استمر به الفتل حتى بلغ إلى غاية يصعب معها الحل .
ثم قال : فاستوى يعني الله عز وجل ; أي : استوى على العرش . روي معناه عن
الحسن . وقال
الربيع بن أنس والفراء : فاستوى
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=7وهو بالأفق الأعلى أي : استوى
جبريل ومحمد عليهما الصلاة والسلام . وهذا على العطف على المضمر المرفوع ب " هو " . وأكثر العرب إذا أرادوا العطف في مثل هذا الموضع أظهروا كناية المعطوف عليه ; فيقولون : استوى هو وفلان ; وقلما يقولون استوى وفلان ; وأنشد
الفراء :
[ ص: 80 ] ألم تر أن النبع يصلب عوده ولا يستوي والخروع المتقصف
أي لا يستوي هو والخروع ; ونظير هذا : أإذا كنا ترابا وآباؤنا والمعنى أإذا كنا ترابا نحن وآباؤنا . ومعنى الآية : استوى
جبريل هو
ومحمد عليهما السلام ليلة الإسراء بالأفق الأعلى . وأجاز العطف على الضمير لئلا يتكرر . وأنكر ذلك
الزجاج إلا في ضرورة الشعر . وقيل : المعنى فاستوى
جبريل بالأفق الأعلى ، وهو أجود . وإذا كان المستوي
جبريل فمعنى
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=6ذو مرة في وصفه : ذو منطق حسن ; قاله
ابن عباس . وقال
قتادة : ذو خلق طويل حسن . وقيل : معناه ذو صحة جسم وسلامة من الآفات ; ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم .
nindex.php?page=hadith&LINKID=836402لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سوي . وقال
امرؤ القيس :
كنت فيهم أبدا ذا حيلة محكم المرة مأمون العقد
وقد قيل :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=6ذو مرة ذو قوة . قال
الكلبي : وكان من شدة
جبريل عليه السلام أنه اقتلع مدائن قوم
لوط من الأرض السفلى ، فحملها على جناحه حتى رفعها إلى السماء ، حتى سمع أهل السماء نبح كلابهم وصياح ديكتهم ثم قلبها . وكان من شدته أيضا أنه أبصر إبليس يكلم
عيسى عليه السلام على بعض عقاب من الأرض المقدسة فنفحه بجناحه نفحة ألقاه بأقصى جبل في
الهند . وكان من شدته : صيحته
بثمود في عددهم وكثرتهم ، فأصبحوا جاثمين خامدين . وكان من شدته هبوطه من السماء على الأنبياء وصعوده إليها في أسرع من الطرف . وقال
قطرب : تقول العرب لكل جزل الرأي حصيف العقل : ذو مرة . قال الشاعر :
قد كنت قبل لقاكم ذا مرة عندي لكل مخاصم ميزانه
وكان من جزالة رأيه وحصافة عقله أن الله ائتمنه على وحيه إلى جميع رسله . قال
الجوهري : والمرة إحدى الطبائع الأربع ، والمرة : القوة وشدة العقل أيضا . ورجل مرير أي قوي ذو مرة . قال :
ترى الرجل النحيف فتزدريه وحشو ثيابه أسد مرير
[ ص: 81 ] وقال
لقيط :
حتى استمرت على شزر مريرته مر العزيمة لا رتا ولا ضرعا
وقال
مجاهد وقتادة :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=6ذو مرة ذو قوة ; ومنه قول
خفاف بن ندبة :
إني امرؤ ذو مرة فاستبقني فيما ينوب من الخطوب صليب
فالقوة تكون من صفة الله عز وجل ، ومن صفة المخلوق . فاستوى يعني
جبريل على ما بينا ; أي : ارتفع وعلا إلى مكان في السماء بعد أن علم
محمدا صلى الله عليه وسلم ؛ قاله
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب nindex.php?page=showalam&ids=13033وابن جبير . وقيل : فاستوى أي قام في صورته التي خلقه الله تعالى عليها ; لأنه كان يأتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم في صورة الآدميين كما كان يأتي إلى الأنبياء ، فسأله النبي صلى الله عليه وسلم أن يريه نفسه التي جبله الله عليها فأراه نفسه مرتين : مرة في الأرض ومرة في السماء ; فأما في الأرض ففي الأفق الأعلى ،
وكان النبي صلى الله عليه وسلم بحراء ، فطلع له جبريل من المشرق فسد الأرض إلى المغرب ، فخر النبي صلى الله عليه وسلم مغشيا عليه . فنزل إليه في صورة الآدميين وضمه إلى صدره ، وجعل يمسح الغبار عن وجهه ; فلما أفاق النبي صلى الله عليه وسلم قال : يا جبريل ما ظننت أن الله خلق أحدا على مثل هذه الصورة . فقال : يا محمد إنما نشرت جناحين من أجنحتي وإن لي ستمائة جناح سعة كل جناح ما بين المشرق والمغرب . فقال : إن هذا لعظيم فقال : وما أنا في جنب ما خلقه الله إلا يسيرا ، ولقد خلق الله إسرافيل له ستمائة جناح ، كل جناح منها قدر جميع أجنحتي ، وإنه ليتضاءل أحيانا من مخافة الله تعالى حتى يكون بقدر الوصع . يعني العصفور الصغير ; دليله قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=23ولقد رآه بالأفق المبين وأما في السماء فعند سدرة المنتهى ، ولم يره أحد من الأنبياء على تلك الصورة إلا
محمدا صلى الله عليه وسلم . وقول ثالث أن معنى " فاستوى " أي : استوى القرآن في صدره . وفيه على هذا وجهان ؛ أحدهما : في صدر
جبريل حين نزل به عليه . الثاني : في صدر
محمد صلى الله عليه وسلم حين نزل عليه . وقول رابع أن معنى " فاستوى " فاعتدل يعني
محمدا صلى الله عليه وسلم . وفيه على هذا وجهان ؛ أحدهما : فاعتدل في قوته ، الثاني : في رسالته ؛ ذكرهما
nindex.php?page=showalam&ids=15151الماوردي .
قلت : وعلى الأول يكون تمام الكلام
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=6ذو مرة ، وعلى الثاني
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=5شديد القوى . وقول خامس أن معناه فارتفع . وفيه على هذا وجهان ؛ أحدهما : أنه
جبريل عليه السلام ارتفع إلى مكانه على ما ذكرنا آنفا ، الثاني : أنه النبي صلى الله عليه وسلم ارتفع بالمعراج . وقول سادس
[ ص: 82 ] فاستوى يعني الله عز وجل ، أي : استوى على العرش على قول
الحسن . وقد مضى القول فيه في " الأعراف " . قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=7وهو بالأفق الأعلى جملة في موضع الحال ، والمعنى فاستوى عاليا ، أي : استوى
جبريل عاليا على صورته ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم قبل ذلك يراه عليها حتى سأله إياها على ما ذكرنا . والأفق ناحية السماء وجمعه آفاق . وقال
قتادة : هو الموضع الذي تأتي منه الشمس . وكذا قال
سفيان : هو الموضع الذي تطلع منه الشمس . ونحوه عن
مجاهد . ويقال : أفق وأفق مثل عسر وعسر . وقد مضى في " حم السجدة " . وفرس أفق بالضم أي رائع وكذلك الأنثى ; قال الشاعر [
عمرو بن قنعاس المرادي ] :
أرجل لمتي وأجر ذيلي وتحمل شكتي أفق كميت
وقيل : وهو أي : النبي صلى الله عليه وسلم
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=7بالأفق الأعلى يعني ليلة الإسراء وهذا ضعيف ; لأنه يقال : استوى هو وفلان ، ولا يقال استوى وفلان إلا في ضرورة الشعر . والصحيح استوى
جبريل عليه السلام
وجبريل بالأفق الأعلى على صورته الأصلية ; لأنه كان يتمثل للنبي صلى الله عليه وسلم إذا نزل بالوحي في صورة رجل ، فأحب النبي صلى الله عليه وسلم أن يراه على صورته الحقيقية ، فاستوى في أفق المشرق فملأ الأفق .
قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=8ثم دنا فتدلى أي دنا
جبريل بعد استوائه بالأفق الأعلى من الأرض فتدلى فنزل على النبي صلى الله عليه وسلم بالوحي . المعنى أنه لما رأى النبي صلى الله عليه وسلم من عظمته ما رأى ، وهاله ذلك رده الله إلى صورة آدمي حين قرب من النبي صلى الله عليه وسلم بالوحي ، وذلك قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=10فأوحى إلى عبده يعني أوحى الله إلى
جبريل وكان
جبريل nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=9قاب قوسين أو أدنى ؛ قاله
ابن عباس والحسن وقتادة والربيع وغيرهم . وعن
ابن عباس أيضا في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=8ثم دنا فتدلى أن معناه أن الله تبارك وتعالى دنا من
محمد صلى الله عليه وسلم فتدلى . وروى نحوه
أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم . والمعنى : دنا منه أمره وحكمه . وأصل التدلي النزول إلى الشيء حتى يقرب منه فوضع موضع القرب ; قال
لبيد :
فتدليت عليه قافلا وعلى الأرض غيابات الطفل
وذهب
الفراء إلى أن الفاء في فتدلى بمعنى الواو ، والتقدير : ثم تدلى
جبريل عليه السلام ودنا . ولكنه جائز إذا كان معنى الفعلين واحدا أو كالواحد قدمت أيهما شئت ، فقلت : فدنا فقرب وقرب فدنا ، وشتمني فأساء وأساء فشتمني ; لأن الشتم والإساءة شيء واحد .
[ ص: 83 ] وكذلك قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=1اقتربت الساعة وانشق القمر المعنى والله أعلم : انشق القمر واقتربت الساعة . وقال
الجرجاني : في الكلام تقديم وتأخير أي تدلى فدنا ; لأن التدلي سبب الدنو . وقال
ابن الأنباري : ثم تدلى
جبريل أي نزل من السماء فدنا من
محمد صلى الله عليه وسلم . وقال
ابن عباس :
تدلى الرفرف لمحمد صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج فجلس عليه ثم رفع فدنا من ربه . وسيأتي . ومن قال : المعنى فاستوى
جبريل ومحمد بالأفق الأعلى قد يقول : ثم دنا
محمد من ربه دنو كرامة فتدلى أي هوى للسجود . وهذا قول
الضحاك . قال
القشيري : وقيل على هذا تدلى أي تدلل ; كقولك تظنى بمعنى تظنن ، وهذا بعيد ; لأن الدلال غير مرضي في صفة العبودية .
nindex.php?page=treesubj&link=29024قوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=9فكان قاب قوسين أو أدنى أي ( كان )
محمد من ربه أو من
جبريل ( قاب قوسين ) أي قدر قوسين عربيتين ؛ قاله
ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=16568وعطاء والفراء .
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : فإن قلت كيف تقدير قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=9فكان قاب قوسين قلت : تقديره : فكان مقدار مسافة قربه مثل قاب قوسين ، فحذفت هذه المضافات كما قال
أبو علي في قوله :
وقد جعلتني من حزيمة إصبعا
أي ذا مقدار مسافة إصبع
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=9أو أدنى أي على تقديركم ; كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=147أو يزيدون . وفي الصحاح : وتقول بينهما قاب قوس ، وقيب قوس وقاد قوس ، وقيد قوس ; أي قدر قوس . وقرأ
زيد بن علي " قاد " وقرئ " قيد " و " قدر " . ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري . والقاب ما بين المقبض والسية . ولكل قوس قابان . وقال بعضهم في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=9قاب قوسين أراد قابي قوس فقلبه . وفي الحديث :
nindex.php?page=hadith&LINKID=866241ولقاب قوس أحدكم من الجنة وموضع قده خير من الدنيا وما فيها والقد السوط . وفي الصحيح عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=866242ولقاب قوس أحدكم من الجنة خير من الدنيا وما فيها . وإنما ضرب المثل
[ ص: 84 ] بالقوس ، لأنها لا تختلف في القاب . والله أعلم . قال
القاضي عياض : اعلم أن ما وقع من إضافة
nindex.php?page=treesubj&link=28732الدنو والقرب من الله أو إلى الله فليس بدنو مكان ولا قرب مدى ، وإنما دنو النبي صلى الله عليه وسلم من ربه وقربه منه - إبانة عظيم منزلته ، وتشريف رتبته ، وإشراق أنوار معرفته ، ومشاهدة أسرار غيبه وقدرته . ومن الله تعالى له مبرة وتأنيس وبسط وإكرام .
ويتأول في
nindex.php?page=treesubj&link=28731قوله عليه السلام : nindex.php?page=hadith&LINKID=866243ينزل ربنا إلى سماء الدنيا على أحد الوجوه : نزول إجمال وقبول وإحسان . قال القاضي : وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=9فكان قاب قوسين أو أدنى فمن جعل الضمير عائدا إلى الله تعالى لا إلى
جبريل كان عبارة عن نهاية القرب ، ولطف المحل ، وإيضاح المعرفة ، والإشراف على الحقيقة من
محمد صلى الله عليه وسلم ، وعبارة عن إجابة الرغبة ، وقضاء المطالب ، وإظهار التحفي ، وإنافة المنزلة والقرب من الله ; ويتأول فيه ما يتأول في قوله عليه السلام :
nindex.php?page=hadith&LINKID=866244من تقرب مني شبرا تقربت منه ذراعا ومن أتاني يمشي أتيته هرولة قرب بالإجابة والقبول ، وإتيان بالإحسان وتعجيل المأمول . وقد قيل : ثم دنا
جبريل من ربه
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=9فكان قاب قوسين أو أدنى ؛ قاله
مجاهد . ويدل عليه ما روي في الحديث :
إن أقرب الملائكة من الله جبريل عليه السلام . وقيل : أو بمعنى الواو أي : قاب قوسين وأدنى . وقيل : بمعنى بل أي بل أدنى . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب : القاب صدر القوس العربية حيث يشد عليه السير الذي يتنكبه صاحبه ، ولكل قوس قاب واحد . فأخبر أن
جبريل قرب من
محمد صلى الله عليه وسلم كقرب قاب قوسين . وقال
سعيد بن جبير nindex.php?page=showalam&ids=16568وعطاء وأبو إسحاق الهمداني nindex.php?page=showalam&ids=16115وأبو وائل شقيق بن سلمة :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=9فكان قاب قوسين أي قدر ذراعين ، والقوس الذراع يقاس بها كل شيء ، وهي لغة بعض
الحجازيين . وقيل : هي لغة
أزد شنوءة أيضا . وقال
الكسائي : قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=9فكان قاب قوسين أو أدنى أراد قوسا واحدا ; كقول الشاعر :
[ ص: 85 ] ومهمهين قذفين مرتين قطعته بالسمت لا بالسمتين
أراد مهمها واحدا . والقوس تذكر وتؤنث فمن أنث قال في تصغيرها قويسة ومن ذكر قال قويس ; وفي المثل هو من خير قويس سهما . والجمع قسي قسي وأقواس وقياس ; وأنشد
أبو عبيدة :
ووتر الأساور القياسا والقوس أيضا بقية التمر
في الجلة أي : الوعاء . والقوس برج في السماء . فأما " القوس " بالضم فصومعة الراهب ; قال الشاعر
جرير وذكر امرأة :
لاستفتنتني وذا المسحين في القوس
قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=10فأوحى إلى عبده ما أوحى تفخيم للوحي الذي أوحي إليه . وتقدم معنى الوحي وهو إلقاء الشيء بسرعة ومنه : الوحاء الوحاء . والمعنى فأوحى الله تعالى إلى عبده
محمد صلى الله عليه وسلم ما أوحى . وقيل : المعنى
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=10فأوحى إلى عبده جبريل عليه السلام ما أوحى . وقيل : المعنى فأوحى
جبريل إلى عبد الله
محمد صلى الله عليه وسلم ما أوحى إليه ربه ؛ قاله
الربيع والحسن وابن زيد وقتادة . قال
قتادة : أوحى الله إلى
جبريل وأوحى
جبريل إلى
محمد . ثم قيل : هذا الوحي هل هو مبهم ؟ لا نطلع عليه نحن وتعبدنا بالإيمان به على الجملة ، أو هو معلوم مفسر ؟ قولان ؛ وبالثاني قال
سعيد بن جبير ، قال : أوحى الله إلى
محمد : ألم أجدك يتيما فآويتك ! ألم أجدك ضالا فهديتك ! ألم أجدك عائلا فأغنيتك !
nindex.php?page=tafseer&surano=94&ayano=1ألم نشرح لك صدرك nindex.php?page=tafseer&surano=94&ayano=2ووضعنا عنك وزرك nindex.php?page=tafseer&surano=94&ayano=3الذي أنقض ظهرك nindex.php?page=tafseer&surano=94&ayano=4ورفعنا لك ذكرك . وقيل : أوحى الله إليه أن الجنة حرام على الأنبياء حتى تدخلها يا
محمد ، وعلى الأمم حتى تدخلها أمتك .
[ ص: 76 ] سُورَةُ " وَالنَّجْمِ " مَكِّيَّةٌ ، وَهِيَ إِحْدَى وَسِتُّونَ آيَةً .
مَكِّيَّةٌ كُلُّهَا فِي قَوْلِ
الْحَسَنِ وَعِكْرِمَةَ nindex.php?page=showalam&ids=16568وَعَطَاءٍ وَجَابِرٍ . وَقَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ : إِلَّا آيَةً مِنْهَا وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=32الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ الْآيَةَ . وَقِيلَ : اثْنَتَانِ وَسِتُّونَ آيَةً . وَقِيلَ : إِنَّ السُّورَةَ كُلُّهَا مَدَنِيَّةٌ . وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا مَكِّيَّةٌ لِمَا رَوَى
ابْنُ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ : هِيَ أَوَّلُ سُورَةٍ أَعْلَنَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بِمَكَّةَ . وَفِي
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيِّ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=866234أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَجَدَ بِالنَّجْمِ ، وَسَجَدَ مَعَهُ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ وَالْجِنُّ وَالْإِنْسُ وَعَنْ
عَبْدِ اللَّهِ nindex.php?page=hadith&LINKID=866235أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ سُورَةَ النَّجْمِ فَسَجَدَ لَهَا ، فَمَا بَقِيَ أَحَدٌ مِنَ الْقَوْمِ إِلَّا سَجَدَ ; فَأَخَذَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ كَفًّا مِنْ حَصْبَاءَ أَوْ تُرَابٍ فَرَفَعَهُ إِلَى وَجْهِهِ وَقَالَ : يَكْفِينِي هَذَا . قَالَ عَبْدُ اللَّهِ : فَلَقَدْ رَأَيْتُهُ بَعْدُ قُتِلَ كَافِرًا ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ . الرَّجُلُ يُقَالُ لَهُ
أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=47زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ
nindex.php?page=hadith&LINKID=866236قَرَأَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُورَةَ nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=1وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى فَلَمْ يَسْجُدْ . وَقَدْ مَضَى فِي آخِرِ " الْأَعْرَافِ " الْقَوْلُ فِي هَذَا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ .
[ ص: 77 ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=1وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=2مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=3وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=4إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=5عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=6ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=7وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=8ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=9فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=10فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى nindex.php?page=treesubj&link=29024قَوْلُهُ تَعَالَى : nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=1وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى قَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ : مَعْنَى
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=1وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى وَالثُّرَيَّا إِذَا سَقَطَتْ مَعَ الْفَجْرِ ; وَالْعَرَبُ تُسَمِّي الثُّرَيَّا نَجْمًا وَإِنْ كَانَتْ فِي الْعَدَدِ نُجُومًا ; يُقَالُ : إِنَّهَا سَبْعَةُ أَنْجُمٍ ، سِتَّةٌ مِنْهَا ظَاهِرَةٌ وَوَاحِدٌ خَفِيٌّ يَمْتَحِنُ النَّاسُ بِهِ أَبْصَارَهُمْ . وَفِي ( الشِّفَا )
nindex.php?page=showalam&ids=14919لِلْقَاضِي عِيَاضٍ :
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَرَى فِي الثُّرَيَّا أَحَدَ عَشَرَ نَجْمًا . وَعَنْ
مُجَاهِدٍ أَيْضًا أَنَّ الْمَعْنَى : وَالْقُرْآنِ إِذَا نُزِّلَ ; لِأَنَّهُ كَانَ يَنْزِلُ نُجُومًا . وَقَالَهُ
الْفَرَّاءُ . وَعَنْهُ أَيْضًا : يَعْنِي نُجُومَ السَّمَاءِ كُلَّهَا حِينَ تَغْرُبُ . وَهُوَ قَوْلُ
الْحَسَنِ قَالَ : أَقْسَمَ اللَّهُ بِالنُّجُومِ إِذَا غَابَتْ . وَلَيْسَ يَمْتَنِعُ أَنْ يُعَبَّرَ عَنْهَا بِلَفْظٍ وَاحِدٍ وَمَعْنَاهُ جَمْعٌ ; كَقَوْلِ
الرَّاعِي :
فَبَاتَتْ تَعُدُّ النَّجْمَ فِي مُسْتَحِيرَةٍ سَرِيعٌ بِأَيْدِي الْآكِلِينَ جُمُودُهَا
وَقَالَ
عُمَرُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ :
أَحْسَنُ النَّجْمِ فِي السَّمَاءِ الثُّرَيَّا وَالثُّرَيَّا فِي الْأَرْضِ زَيْنُ النِّسَاءِ
وَقَالَ
الْحَسَنُ أَيْضًا : الْمُرَادُ بِالنَّجْمِ النُّجُومُ إِذَا سَقَطَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14468السُّدِّيُّ : إِنَّ النَّجْمَ هَاهُنَا الزُّهْرَةُ لِأَنَّ قَوْمًا مِنَ الْعَرَبِ كَانُوا يَعْبُدُونَهَا . وَقِيلَ : الْمُرَادُ بِهِ النُّجُومُ الَّتِي تُرْجَمُ بِهَا الشَّيَاطِينُ ; وَسَبَبُهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا أَرَادَ بَعْثَ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَسُولًا كَثُرَ انْقِضَاضُ الْكَوَاكِبِ قَبْلَ مَوْلِدِهِ ، فَذُعِرَ أَكْثَرُ الْعَرَبِ مِنْهَا وَفَزِعُوا إِلَى كَاهِنٍ كَانَ لَهُمْ ضَرِيرًا ، كَانَ يُخْبِرُهُمْ بِالْحَوَادِثِ فَسَأَلُوهُ عَنْهَا فَقَالَ : انْظُرُوا الْبُرُوجَ الِاثْنَيْ عَشَرَ فَإِنِ انْقَضَى مِنْهَا شَيْءٌ فَهُوَ ذَهَابُ الدُّنْيَا ، فَإِنْ لَمْ يَنْقَضِ مِنْهَا شَيْءٌ فَسَيَحْدُثُ فِي الدُّنْيَا أَمْرٌ عَظِيمٌ ، فَاسْتَشْعَرُوا ذَلِكَ ; فَلَمَّا بُعِثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ هُوَ الْأَمْرُ الْعَظِيمُ الَّذِي اسْتَشْعَرُوهُ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=1وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى أَيْ ذَلِكَ النَّجْمُ الَّذِي هَوَى هُوَ لِهَذِهِ النُّبُوَّةِ الَّتِي حَدَثَتْ . وَقِيلَ : النَّجْمُ هُنَا هُوَ النَّبْتُ الَّذِي لَيْسَ لَهُ
[ ص: 78 ] سَاقٌ ، وَهَوَى أَيْ سَقَطَ عَلَى الْأَرْضِ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=15639جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ : وَالنَّجْمُ يَعْنِي
مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=1إِذَا هَوَى إِذَا نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ . وَعَنْ
عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا
أَنَّ عُتْبَةَ بْنَ أَبِي لَهَبٍ وَكَانَ تَحْتَهُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَادَ الْخُرُوجَ إِلَى الشَّامِ فَقَالَ : لَآتِيَنَّ مُحَمَّدًا فَلَأُوذِيَنَّهُ ، فَأَتَاهُ فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ هُوَ كَافِرٌ بِالنَّجْمِ إِذَا هَوَى ، وَبِالَّذِي دَنَا فَتَدَلَّى . ثُمَّ تَفَلَ فِي وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَرَدَّ عَلَيْهِ ابْنَتَهُ وَطَلَّقَهَا ; فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : اللَّهُمَّ سَلِّطْ عَلَيْهِ كَلْبًا مِنْ كِلَابِكَ وَكَانَ أَبُو طَالِبٍ حَاضِرًا فَوَجَمَ لَهَا وَقَالَ : مَا كَانَ أَغْنَاكَ يَا ابْنَ أَخِي عَنْ هَذِهِ الدَّعْوَةِ ، فَرَجَعَ عُتْبَةُ إِلَى أَبِيهِ فَأَخْبَرَهُ ، ثُمَّ خَرَجُوا إِلَى الشَّامِ ، فَنَزَلُوا مَنْزِلًا ، فَأَشْرَفَ عَلَيْهِمْ رَاهِبٌ مِنَ الدَّيْرِ فَقَالَ لَهُمْ : إِنَّ هَذِهِ أَرْضٌ مُسْبِعَةٌ . فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ لِأَصْحَابِهِ : أَغِيثُونَا يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ هَذِهِ اللَّيْلَةَ ! فَإِنِّي أَخَافُ عَلَى ابْنِي مِنْ دَعْوَةِ مُحَمَّدٍ ; فَجَمَعُوا جِمَالَهُمْ وَأَنَاخُوهَا حَوْلَهُمْ ، وَأَحْدَقُوا بِعُتْبَةَ ، فَجَاءَ الْأَسَدُ يَتَشَمَّمُ وُجُوهَهُمْ حَتَّى ضَرَبَ عُتْبَةَ فَقَتَلَهُ . وَقَالَ
حَسَّانُ :
مَنْ يَرْجِعِ الْعَامَ إِلَى أَهْلِهِ فَمَا أَكِيلُ السَّبْعِ بِالرَّاجِعِ
وَأَصْلُ النَّجْمِ الطُّلُوعُ ; يُقَالُ : نَجَمَ السِّنُّ وَنَجَمَ فُلَانٌ بِبِلَادِ كَذَا أَيْ خَرَجَ عَلَى السُّلْطَانِ . وَالْهُوِيُّ النُّزُولُ وَالسُّقُوطُ ; يُقَالُ : هَوَى يَهْوِي هُوِيًّا مِثْلُ مَضَى يَمْضِي مُضِيًّا ; قَالَ
زُهَيْرٌ :
فَشَجَّ بِهَا الْأَمَاعِزَ وَهْيَ تَهْوِي هُوِيِّ الدَّلْوِ أَسْلَمَهَا الرِّشَاءُ
وَقَالَ آخَرُ
- أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ - :
بَيْنَمَا نَحْنُ بِالْبَلَاكِثِ فَالْقَا عِ سِرَاعًا وَالْعِيسُ تَهْوِي هُوِيَّا
خَطَرَتْ خَطْرَةٌ عَلَى الْقَلْبِ مِنْ ذِكْرَاكِ وَهْنًا فَمَا اسْتَطَعْتُ مُضِيَّا
الْأَصْمَعِيُّ : هَوَى بِالْفَتْحِ يَهْوِي هُوِيًّا أَيْ سَقَطَ إِلَى أَسْفَلَ . قَالَ : وَكَذَلِكَ انْهَوَى فِي السَّيْرِ إِذَا مَضَى فِيهِ ، وَهَوَى وَانْهَوَى فِيهِ لُغَتَانِ بِمَعْنًى ، وَقَدْ جَمَعَهُمَا الشَّاعِرُ فِي قَوْلِهِ :
وَكَمْ مَنْزِلٍ لَوْلَايَ طِحْتَ كَمَا هَوَى بِأَجْرَامِهِ مِنْ قُلَّةِ النِّيقِ مُنْهَوِي
وَيُقَالَ فِي الْحُبِّ : هَوِيَ بِالْكَسْرِ يَهْوَى هَوًى ; أَيْ أَحَبَّ .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=2مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ هَذَا جَوَابُ الْقَسَمِ ; أَيْ مَا ضَلَّ
مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ
[ ص: 79 ] الْحَقِّ وَمَا حَادَ عَنْهُ .
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=2وَمَا غَوَى الْغَيُّ ضِدُّ الرُّشْدِ أَيْ مَا صَارَ غَاوِيًّا . وَقِيلَ : أَيْ مَا تَكَلَّمَ بِالْبَاطِلِ . وَقِيلَ : أَيْ مَا خَابَ مِمَّا طَلَبَ وَالْغَيُّ : الْخَيْبَةُ ; قَالَ الشَّاعِرُ :
فَمَنْ يَلْقَ خَيْرًا يَحْمَدِ النَّاسُ أَمْرَهُ وَمَنْ يَغْوَ لَا يَعْدَمْ عَلَى الْغَيِّ لَائِمَا
أَيْ مَنْ خَابَ فِي طَلَبِهِ لَامَهُ النَّاسُ . ثُمَّ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا إِخْبَارًا عَمَّا بَعْدَ الْوَحْيِ . وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ إِخْبَارًا عَنْ أَحْوَالِهِ عَلَى التَّعْمِيمِ ; أَيْ كَانَ أَبَدًا مُوَحِّدًا لِلَّهِ . وَهُوَ الصَّحِيحُ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي " الشُّورَى " عِنْدَ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=52مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ .
nindex.php?page=treesubj&link=29024قَوْلُهُ تَعَالَى : nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=3وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=4إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى .
فِيهِ مَسْأَلَتَانِ :
الْأُولَى : قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=3وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى قَالَ
قَتَادَةُ : وَمَا يَنْطِقُ بِالْقُرْآنِ عَنْ هَوَاهُ وَقِيلَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=3عَنِ الْهَوَى أَيْ بِالْهَوَى ; قَالَهُ
أَبُو عُبَيْدَةَ ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=59فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا أَيْ فَاسْأَلْ عَنْهُ .
النَّحَّاسُ : قَوْلُ
قَتَادَةَ أَوْلَى ، وَتَكُونُ " عَنْ " عَلَى بَابِهَا ، أَيْ مَا يَخْرُجُ نُطْقُهُ عَنْ رَأْيِهِ ، إِنَّمَا هُوَ بِوَحْيٍ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ; لِأَنَّ بَعْدَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=4إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى .
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=4إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى الثَّانِيَةُ : قَدْ يَحْتَجُّ بِهَذِهِ الْآيَةِ مَنْ لَا يُجَوِّزُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الِاجْتِهَادَ فِي الْحَوَادِثِ . وَفِيهَا أَيْضًا دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=27862السُّنَّةَ كَالْوَحْيِ الْمُنَزَّلِ فِي الْعَمَلِ . وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي مُقَدِّمَةِ الْكِتَابِ حَدِيثُ
nindex.php?page=showalam&ids=241الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ فِي ذَلِكَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ . قَالَ
السَّجِسْتَانِيُّ : إِنْ شِئْتَ أَبْدَلْتَ
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=4إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى مِنْ
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=2مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ قَالَ
ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ : وَهَذَا غَلَطٌ ; لِأَنَّ " إِنْ " الْخَفِيفَةَ لَا تَكُونُ مُبْدَلَةٌ مِنْ " مَا " ؛ الدَّلِيلُ عَلَى هَذَا أَنَّكَ لَا تَقُولُ : وَاللَّهِ مَا قُمْتُ إِنْ أَنَا لَقَاعِدٌ .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=5عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى يَعْنِي
جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي قَوْلِ سَائِرِ الْمُفَسِّرِينَ ; سِوَى
الْحَسَنِ فَإِنَّهُ قَالَ : هُوَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ، وَيَكُونُ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=6ذُو مِرَّةٍ عَلَى قَوْلِ
الْحَسَنِ تَمَامُ الْكَلَامِ ، وَمَعْنَاهُ ذُو قُوَّةٍ
nindex.php?page=treesubj&link=28720_29682وَالْقُوَّةُ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى ; وَأَصْلُهُ مِنْ شِدَّةِ فَتْلِ الْحَبْلِ ، كَأَنَّهُ اسْتَمَرَّ بِهِ الْفَتْلُ حَتَّى بَلَغَ إِلَى غَايَةٍ يَصْعُبُ مَعَهَا الْحَلُّ .
ثُمَّ قَالَ : فَاسْتَوَى يَعْنِي اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ ; أَيِ : اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ . رُوِيَ مَعْنَاهُ عَنِ
الْحَسَنِ . وَقَالَ
الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ وَالْفَرَّاءُ : فَاسْتَوَى
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=7وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى أَيِ : اسْتَوَى
جِبْرِيلُ وَمُحَمَّدٌ عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ . وَهَذَا عَلَى الْعَطْفِ عَلَى الْمُضْمَرِ الْمَرْفُوعِ بِ " هُوَ " . وَأَكْثَرُ الْعَرَبِ إِذَا أَرَادُوا الْعَطْفَ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْضِعِ أَظْهَرُوا كِنَايَةَ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ ; فَيَقُولُونَ : اسْتَوَى هُوَ وَفُلَانٌ ; وَقَلَّمَا يَقُولُونَ اسْتَوَى وَفُلَانٌ ; وَأَنْشَدَ
الْفَرَّاءُ :
[ ص: 80 ] أَلَمْ تَرَ أَنَّ النَّبْعَ يَصْلُبُ عُودَهُ وَلَا يَسْتَوِي وَالْخِرْوَعُ الْمُتَقَصِّفُ
أَيْ لَا يَسْتَوِي هُوَ وَالْخِرْوَعُ ; وَنَظِيرُ هَذَا : أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا وَآبَاؤُنَا وَالْمَعْنَى أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا . وَمَعْنَى الْآيَةِ : اسْتَوَى
جِبْرِيلُ هُوَ
وَمُحَمَّدٌ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى . وَأَجَازَ الْعَطْفَ عَلَى الضَّمِيرِ لِئَلَّا يَتَكَرَّرَ . وَأَنْكَرَ ذَلِكَ
الزَّجَّاجُ إِلَّا فِي ضَرُورَةِ الشِّعْرِ . وَقِيلَ : الْمَعْنَى فَاسْتَوَى
جِبْرِيلُ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى ، وَهُوَ أَجْوَدُ . وَإِذَا كَانَ الْمُسْتَوِي
جِبْرِيلُ فَمَعْنَى
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=6ذُو مِرَّةٍ فِي وَصْفِهِ : ذُو مَنْطِقٍ حَسَنٍ ; قَالَهُ
ابْنُ عَبَّاسٍ . وَقَالَ
قَتَادَةُ : ذُو خَلْقٍ طَوِيلٍ حَسَنٍ . وَقِيلَ : مَعْنَاهُ ذُو صِحَّةِ جِسْمٍ وَسَلَامَةٍ مِنَ الْآفَاتِ ; وَمِنْهُ قَوْلُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
nindex.php?page=hadith&LINKID=836402لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ وَلَا لِذِي مِرَّةٍ سَوِيٍّ . وَقَالَ
امْرُؤُ الْقَيْسِ :
كُنْتُ فِيهِمْ أَبَدًا ذَا حِيلَةٍ مُحْكَمَ الْمِرَّةِ مَأْمُونَ الْعُقَدِ
وَقَدْ قِيلَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=6ذُو مِرَّةٍ ذُو قُوَّةٍ . قَالَ
الْكَلْبِيُّ : وَكَانَ مِنْ شِدَّةِ
جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ اقْتَلَعَ مَدَائِنَ قَوْمِ
لُوطٍ مِنَ الْأَرْضِ السُّفْلَى ، فَحَمَلَهَا عَلَى جَنَاحِهِ حَتَّى رَفَعَهَا إِلَى السَّمَاءِ ، حَتَّى سَمِعَ أَهْلُ السَّمَاءِ نَبْحَ كِلَابِهِمْ وَصِيَاحَ دِيَكَتِهِمْ ثُمَّ قَلَبَهَا . وَكَانَ مِنْ شِدَّتِهِ أَيْضًا أَنَّهُ أَبْصَرَ إِبْلِيسَ يُكَلِّمُ
عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامَ عَلَى بَعْضِ عُقَابٍ مِنَ الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ فَنَفَحَهُ بِجَنَاحِهِ نَفْحَةً أَلْقَاهُ بِأَقْصَى جَبَلٍ فِي
الْهِنْدِ . وَكَانَ مِنْ شِدَّتِهِ : صَيْحَتُهُ
بِثَمُودَ فِي عَدَدِهِمْ وَكَثْرَتِهِمْ ، فَأَصْبَحُوا جَاثِمِينَ خَامِدِينَ . وَكَانَ مِنْ شِدَّتِهِ هُبُوطُهُ مِنَ السَّمَاءِ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ وَصُعُودُهُ إِلَيْهَا فِي أَسْرَعَ مِنَ الطَّرْفِ . وَقَالَ
قُطْرُبٌ : تَقُولُ الْعَرَبُ لِكُلِّ جَزْلِ الرَّأْيِ حَصِيفِ الْعَقْلِ : ذُو مِرَّةٍ . قَالَ الشَّاعِرُ :
قَدْ كُنْتُ قَبْلَ لِقَاكُمُ ذَا مِرَّةٍ عِنْدِي لِكُلِّ مُخَاصِمٍ مِيزَانُهُ
وَكَانَ مِنْ جَزَالَةِ رَأْيِهِ وَحَصَافَةِ عَقْلِهِ أَنَّ اللَّهَ ائْتَمَنَهُ عَلَى وَحْيِهِ إِلَى جَمِيعِ رُسُلِهِ . قَالَ
الْجَوْهَرِيُّ : وَالْمِرَّةُ إِحْدَى الطَّبَائِعِ الْأَرْبَعِ ، وَالْمِرَّةُ : الْقُوَّةُ وَشِدَّةُ الْعَقْلِ أَيْضًا . وَرَجُلٌ مَرِيرٌ أَيْ قَوِيٌّ ذُو مِرَّةٍ . قَالَ :
تَرَى الرَّجُلَ النَّحِيفَ فَتَزْدَرِيهِ وَحَشْوُ ثِيَابِهِ أَسَدٌ مَرِيرُ
[ ص: 81 ] وَقَالَ
لَقِيطٌ :
حَتَّى اسْتَمَرَّتْ عَلَى شَزْرٍ مَرِيرَتُهُ مُرُّ الْعَزِيمَةِ لَا رَتًّا وَلَا ضَرَعَا
وَقَالَ
مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=6ذُو مِرَّةٍ ذُو قُوَّةٍ ; وَمِنْهُ قَوْلُ
خُفَافِ بْنِ نَدْبَةَ :
إِنِّي امْرُؤٌ ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَبْقِنِي فِيمَا يَنُوبُ مِنَ الْخُطُوبِ صَلِيبُ
فَالْقُوَّةُ تَكُونُ مِنْ صِفَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَمِنْ صِفَةِ الْمَخْلُوقِ . فَاسْتَوَى يَعْنِي
جِبْرِيلَ عَلَى مَا بَيَّنَّا ; أَيِ : ارْتَفَعَ وَعَلَا إِلَى مَكَانٍ فِي السَّمَاءِ بَعْدَ أَنْ عَلَّمَ
مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=15990سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ nindex.php?page=showalam&ids=13033وَابْنُ جُبَيْرٍ . وَقِيلَ : فَاسْتَوَى أَيْ قَامَ فِي صُورَتِهِ الَّتِي خَلَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهَا ; لِأَنَّهُ كَانَ يَأْتِي إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صُورَةِ الْآدَمِيِّينَ كَمَا كَانَ يَأْتِي إِلَى الْأَنْبِيَاءِ ، فَسَأَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُرِيَهُ نَفْسَهُ الَّتِي جَبَلَهُ اللَّهُ عَلَيْهَا فَأَرَاهُ نَفْسَهُ مَرَّتَيْنِ : مَرَّةً فِي الْأَرْضِ وَمَرَّةً فِي السَّمَاءِ ; فَأَمَّا فِي الْأَرْضِ فَفِي الْأُفُقِ الْأَعْلَى ،
وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحِرَاءٍ ، فَطَلَعَ لَهُ جِبْرِيلُ مِنَ الْمَشْرِقِ فَسَدَّ الْأَرْضَ إِلَى الْمَغْرِبِ ، فَخَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ . فَنَزَلَ إِلَيْهِ فِي صُورَةِ الْآدَمِيِّينَ وَضَمَّهُ إِلَى صَدْرِهِ ، وَجَعَلَ يَمْسَحُ الْغُبَارَ عَنْ وَجْهِهِ ; فَلَمَّا أَفَاقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : يَا جِبْرِيلُ مَا ظَنَنْتُ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ أَحَدًا عَلَى مِثْلِ هَذِهِ الصُّورَةِ . فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ إِنَّمَا نَشَرْتُ جَنَاحَيْنِ مِنْ أَجْنِحَتِي وَإِنَّ لِي سِتَّمِائَةِ جَنَاحٍ سَعَةُ كُلِّ جَنَاحٍ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ . فَقَالَ : إِنَّ هَذَا لَعَظِيمٌ فَقَالَ : وَمَا أَنَا فِي جَنْبِ مَا خَلَقَهُ اللَّهُ إِلَّا يَسِيرًا ، وَلَقَدْ خَلَقَ اللَّهُ إِسْرَافِيلَ لَهُ سِتُّمِائَةِ جَنَاحٍ ، كُلُّ جَنَاحٍ مِنْهَا قَدْرَ جَمِيعِ أَجْنِحَتِي ، وَإِنَّهُ لَيَتَضَاءَلُ أَحْيَانًا مِنْ مَخَافَةِ اللَّهِ تَعَالَى حَتَّى يَكُونَ بِقَدْرِ الْوَصَعِ . يَعْنِي الْعُصْفُورَ الصَّغِيرَ ; دَلِيلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=23وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ وَأَمَّا فِي السَّمَاءِ فَعِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى ، وَلَمْ يَرَهُ أَحَدٌ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَى تِلْكَ الصُّورَةِ إِلَّا
مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقَوْلٌ ثَالِثٌ أَنَّ مَعْنَى " فَاسْتَوَى " أَيِ : اسْتَوَى الْقُرْآنُ فِي صَدْرِهِ . وَفِيهِ عَلَى هَذَا وَجْهَانِ ؛ أَحَدُهُمَا : فِي صَدْرِ
جِبْرِيلَ حِينَ نَزَلَ بِهِ عَلَيْهِ . الثَّانِي : فِي صَدْرِ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ نَزَلَ عَلَيْهِ . وَقَوْلٌ رَابِعٌ أَنَّ مَعْنَى " فَاسْتَوَى " فَاعْتَدَلَ يَعْنِي
مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَفِيهِ عَلَى هَذَا وَجْهَانِ ؛ أَحَدُهُمَا : فَاعْتَدَلَ فِي قُوَّتِهِ ، الثَّانِي : فِي رِسَالَتِهِ ؛ ذَكَرَهُمَا
nindex.php?page=showalam&ids=15151الْمَاوَرْدِيُّ .
قُلْتُ : وَعَلَى الْأَوَّلِ يَكُونُ تَمَامُ الْكَلَامِ
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=6ذُو مِرَّةٍ ، وَعَلَى الثَّانِي
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=5شَدِيدُ الْقُوَى . وَقَوْلٌ خَامِسٌ أَنَّ مَعْنَاهُ فَارْتَفَعَ . وَفِيهِ عَلَى هَذَا وَجْهَانِ ؛ أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ
جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ ارْتَفَعَ إِلَى مَكَانِهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا آنِفًا ، الثَّانِي : أَنَّهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ارْتَفَعَ بِالْمِعْرَاجِ . وَقَوْلٌ سَادِسٌ
[ ص: 82 ] فَاسْتَوَى يَعْنِي اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ ، أَيِ : اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ عَلَى قَوْلِ
الْحَسَنِ . وَقَدْ مَضَى الْقَوْلُ فِيهِ فِي " الْأَعْرَافِ " . قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=7وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى جُمْلَةٌ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ ، وَالْمَعْنَى فَاسْتَوَى عَالِيًا ، أَيِ : اسْتَوَى
جِبْرِيلُ عَالِيًا عَلَى صُورَتِهِ وَلَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ ذَلِكَ يَرَاهُ عَلَيْهَا حَتَّى سَأَلَهُ إِيَّاهَا عَلَى مَا ذَكَرْنَا . وَالْأُفُقُ نَاحِيَةُ السَّمَاءِ وَجَمْعُهُ آفَاقٌ . وَقَالَ
قَتَادَةُ : هُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي تَأْتِي مِنْهُ الشَّمْسُ . وَكَذَا قَالَ
سُفْيَانُ : هُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي تَطْلُعُ مِنْهُ الشَّمْسُ . وَنَحْوُهُ عَنْ
مُجَاهِدٍ . وَيُقَالُ : أُفْقٌ وَأُفُقٌ مِثْلُ عُسْرٌ وَعُسُرٌ . وَقَدْ مَضَى فِي " حم السَّجْدَةِ " . وَفَرَسٌ أُفُقٌ بِالضَّمِّ أَيْ رَائِعٌ وَكَذَلِكَ الْأُنْثَى ; قَالَ الشَّاعِرُ [
عَمْرُو بْنُ قِنْعَاسَ الْمُرَادِيُّ ] :
أُرَجِّلُ لِمَّتِي وَأَجُرُّ ذَيْلِي وَتَحْمِلُ شِكَّتِي أُفُقٌ كُمَيْتُ
وَقِيلَ : وَهُوَ أَيِ : النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=7بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى يَعْنِي لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ وَهَذَا ضَعِيفٌ ; لِأَنَّهُ يُقَالُ : اسْتَوَى هُوَ وَفُلَانُ ، وَلَا يُقَالُ اسْتَوَى وَفُلَانُ إِلَّا فِي ضَرُورَةِ الشِّعْرِ . وَالصَّحِيحُ اسْتَوَى
جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ
وَجِبْرِيلُ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى عَلَى صُورَتِهِ الْأَصْلِيَّةِ ; لِأَنَّهُ كَانَ يَتَمَثَّلُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا نَزَلَ بِالْوَحْيِ فِي صُورَةِ رَجُلٍ ، فَأَحَبَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَرَاهُ عَلَى صُورَتِهِ الْحَقِيقِيَّةِ ، فَاسْتَوَى فِي أُفُقِ الْمَشْرِقِ فَمَلَأَ الْأُفُقَ .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=8ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى أَيْ دَنَا
جِبْرِيلُ بَعْدَ اسْتِوَائِهِ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى مِنَ الْأَرْضِ فَتَدَلَّى فَنَزَلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْوَحْيِ . الْمَعْنَى أَنَّهُ لَمَّا رَأَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عَظَمَتِهِ مَا رَأَى ، وَهَالَهُ ذَلِكَ رَدَّهُ اللَّهُ إِلَى صُورَةِ آدَمِيٍّ حِينَ قَرُبَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْوَحْيِ ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=10فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ يَعْنِي أَوْحَى اللَّهُ إِلَى
جِبْرِيلَ وَكَانَ
جِبْرِيلُ nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=9قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى ؛ قَالَهُ
ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَالرَّبِيعُ وَغَيْرُهُمْ . وَعَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=8ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى دَنَا مِنْ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَدَلَّى . وَرَوَى نَحْوَهُ
أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَالْمَعْنَى : دَنَا مِنْهُ أَمْرُهُ وَحُكْمُهُ . وَأَصْلُ التَّدَلِّي النُّزُولُ إِلَى الشَّيْءِ حَتَّى يَقْرُبَ مِنْهُ فَوُضِعَ مَوْضِعَ الْقُرْبِ ; قَالَ
لَبِيَدٌ :
فَتَدَلَّيْتُ عَلَيْهِ قَافِلًا وَعَلَى الْأَرْضِ غَيَابَاتُ الطَّفَلِ
وَذَهَبَ
الْفَرَّاءُ إِلَى أَنَّ الْفَاءَ فِي فَتَدَلَّى بِمَعْنَى الْوَاوِ ، وَالتَّقْدِيرُ : ثُمَّ تَدَلَّى
جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَدَنَا . وَلَكِنَّهُ جَائِزٌ إِذَا كَانَ مَعْنَى الْفِعْلَيْنِ وَاحِدًا أَوْ كَالْوَاحِدِ قَدَّمْتَ أَيَّهُمَا شِئْتَ ، فَقُلْتَ : فَدَنَا فَقَرُبَ وَقَرُبَ فَدَنَا ، وَشَتَمَنِي فَأَسَاءَ وَأَسَاءَ فَشَتَمَنِي ; لِأَنَّ الشَّتْمَ وَالْإِسَاءَةَ شَيْءٌ وَاحِدٌ .
[ ص: 83 ] وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=1اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ الْمَعْنَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ : انْشَقَّ الْقَمَرُ وَاقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ . وَقَالَ
الْجُرْجَانِيُّ : فِي الْكَلَامِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ أَيْ تَدَلَّى فَدَنَا ; لِأَنَّ التَّدَلِّيَ سَبَبُ الدُّنُوِّ . وَقَالَ
ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ : ثُمَّ تَدَلَّى
جِبْرِيلُ أَيْ نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ فَدَنَا مِنْ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ :
تَدَلَّى الرَّفْرَفُ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ فَجَلَسَ عَلَيْهِ ثُمَّ رُفِعَ فَدَنَا مِنْ رَبِّهِ . وَسَيَأْتِي . وَمَنْ قَالَ : الْمَعْنَى فَاسْتَوَى
جِبْرِيلُ وَمُحَمَّدٌ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى قَدْ يَقُولُ : ثُمَّ دَنَا
مُحَمَّدٌ مِنْ رَبِّهِ دُنُوَّ كَرَامَةٍ فَتَدَلَّى أَيْ هَوَى لِلسُّجُودِ . وَهَذَا قَوْلُ
الضَّحَّاكِ . قَالَ
الْقُشَيْرِيُّ : وَقِيلَ عَلَى هَذَا تَدَلَّى أَيْ تَدَلَّلَ ; كَقَوْلِكَ تَظَنَّى بِمَعْنَى تَظَنَّنَ ، وَهَذَا بَعِيدٌ ; لِأَنَّ الدَّلَالَ غَيْرُ مَرْضِيٍّ فِي صِفَةِ الْعُبُودِيَّةِ .
nindex.php?page=treesubj&link=29024قَوْلُهُ تَعَالَى : nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=9فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى أَيْ ( كَانَ )
مُحَمَّدٌ مِنْ رَبِّهِ أَوْ مِنْ
جِبْرِيلَ ( قَابَ قَوْسَيْنِ ) أَيْ قَدْرَ قَوْسَيْنِ عَرَبِيَّتَيْنِ ؛ قَالَهُ
ابْنُ عَبَّاسٍ nindex.php?page=showalam&ids=16568وَعَطَاءٌ وَالْفَرَّاءُ .
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : فَإِنْ قُلْتَ كَيْفَ تَقْدِيرُ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=9فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ قُلْتُ : تَقْدِيرُهُ : فَكَانَ مِقْدَارُ مَسَافَةِ قُرْبِهِ مِثْلَ قَابِ قَوْسَيْنِ ، فَحُذِفَتْ هَذِهِ الْمُضَافَاتُ كَمَا قَالَ
أَبُو عَلِيٍّ فِي قَوْلِهِ :
وَقَدْ جَعَلَتْنِي مِنْ حَزِيمَةَ إِصْبَعَا
أَيْ ذَا مِقْدَارِ مَسَافَةِ إِصْبَعٍ
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=9أَوْ أَدْنَى أَيْ عَلَى تَقْدِيرِكُمْ ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=147أَوْ يَزِيدُونَ . وَفِي الصِّحَاحِ : وَتَقُولُ بَيْنَهُمَا قَابُ قَوْسٍ ، وَقِيبُ قَوْسٍ وَقَادُ قَوْسٍ ، وَقِيدُ قَوْسٍ ; أَيْ قَدْرُ قَوْسٍ . وَقَرَأَ
زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ " قَادَ " وَقُرِئَ " قِيدَ " وَ " قَدْرَ " . ذَكَرَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ . وَالْقَابُ مَا بَيْنَ الْمَقْبَضِ وَالسِّيَةِ . وَلِكُلِّ قَوْسٍ قَابَانِ . وَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=9قَابَ قَوْسَيْنِ أَرَادَ قَابَيْ قَوْسٍ فَقَلَبَهُ . وَفِي الْحَدِيثِ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=866241وَلَقَابُ قَوْسِ أَحَدِكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ وَمَوْضِعُ قِدِّهِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا وَالْقِدُّ السَّوْطُ . وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=866242وَلَقَابُ قَوْسِ أَحَدِكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا . وَإِنَّمَا ضُرِبَ الْمَثَلُ
[ ص: 84 ] بِالْقَوْسِ ، لِأَنَّهَا لَا تَخْتَلِفُ فِي الْقَابِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ . قَالَ
الْقَاضِي عِيَاضٌ : اعْلَمْ أَنَّ مَا وَقَعَ مِنْ إِضَافَةِ
nindex.php?page=treesubj&link=28732الدُّنُوِّ وَالْقُرْبِ مِنَ اللَّهِ أَوْ إِلَى اللَّهِ فَلَيْسَ بِدُنُوِّ مَكَانٍ وَلَا قُرْبِ مَدًى ، وَإِنَّمَا دُنُوُّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ رَبِّهِ وَقُرْبِهِ مِنْهُ - إِبَانَةُ عَظِيمِ مَنْزِلَتِهِ ، وَتَشْرِيفُ رُتْبَتِهِ ، وَإِشْرَاقُ أَنْوَارِ مَعْرِفَتِهِ ، وَمُشَاهَدَةُ أَسْرَارِ غَيْبِهِ وَقُدْرَتِهِ . وَمِنَ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ مَبَرَّةٌ وَتَأْنِيسٌ وَبَسْطٌ وَإِكْرَامٌ .
وَيُتَأَوَّلُ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=28731قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ : nindex.php?page=hadith&LINKID=866243يَنْزِلُ رَبُّنَا إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا عَلَى أَحَدِ الْوُجُوهِ : نُزُولُ إِجْمَالٍ وَقَبُولٍ وَإِحْسَانٍ . قَالَ الْقَاضِي : وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=9فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى فَمَنْ جَعَلَ الضَّمِيرَ عَائِدًا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى لَا إِلَى
جِبْرِيلَ كَانَ عِبَارَةً عَنْ نِهَايَةِ الْقُرْبِ ، وَلُطْفِ الْمَحَلِّ ، وَإِيضَاحِ الْمَعْرِفَةِ ، وَالْإِشْرَافِ عَلَى الْحَقِيقَةِ مِنْ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَعِبَارَةً عَنْ إِجَابَةِ الرَّغْبَةِ ، وَقَضَاءِ الْمَطَالِبِ ، وَإِظْهَارِ التَّحَفِّي ، وَإِنَافَةِ الْمَنْزِلَةِ وَالْقُرْبِ مِنَ اللَّهِ ; وَيُتَأَوَّلُ فِيهِ مَا يُتَأَوَّلُ فِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=866244مَنْ تَقَرَّبَ مِنِّي شِبْرًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ ذِرَاعًا وَمَنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً قُرْبٌ بِالْإِجَابَةِ وَالْقَبُولِ ، وَإِتْيَانٌ بِالْإِحْسَانِ وَتَعْجِيلُ الْمَأْمُولِ . وَقَدْ قِيلَ : ثُمَّ دَنَا
جِبْرِيلُ مِنْ رَبِّهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=9فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى ؛ قَالَهُ
مُجَاهِدٌ . وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ فِي الْحَدِيثِ :
إِنَّ أَقْرَبَ الْمَلَائِكَةِ مِنَ اللَّهِ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ . وَقِيلَ : أَوْ بِمَعْنَى الْوَاوِ أَيْ : قَابَ قَوْسَيْنِ وَأَدْنَى . وَقِيلَ : بِمَعْنَى بَلْ أَيْ بَلْ أَدْنَى . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=15990سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ : الْقَابُ صَدْرُ الْقَوْسِ الْعَرَبِيَّةِ حَيْثُ يُشَدُّ عَلَيْهِ السَّيْرُ الَّذِي يَتَنَكَّبُهُ صَاحِبُهُ ، وَلِكُلِّ قَوْسٍ قَابٌ وَاحِدٌ . فَأَخْبَرَ أَنَّ
جِبْرِيلَ قَرُبَ مِنْ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَقُرْبِ قَابِ قَوْسَيْنِ . وَقَالَ
سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ nindex.php?page=showalam&ids=16568وَعَطَاءٌ وَأَبُو إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيُّ nindex.php?page=showalam&ids=16115وَأَبُو وَائِلٍ شَقِيقُ بْنُ سَلَمَةَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=9فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَيْ قَدْرَ ذِرَاعَيْنِ ، وَالْقَوْسُ الذِّرَاعُ يُقَاسُ بِهَا كُلُّ شَيْءٍ ، وَهِيَ لُغَةُ بَعْضِ
الْحِجَازِيِّينَ . وَقِيلَ : هِيَ لُغَةُ
أَزْدِ شَنُوءَةَ أَيْضًا . وَقَالَ
الْكِسَائِيُّ : قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=9فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى أَرَادَ قَوْسًا وَاحِدًا ; كَقَوْلِ الشَّاعِرِ :
[ ص: 85 ] وَمَهْمَهَيْنِ قَذَفَيْنِ مَرَّتَيْنِ قَطَعْتُهُ بِالسَّمْتِ لَا بِالسَّمْتَيْنِ
أَرَادَ مَهْمَهًا وَاحِدًا . وَالْقَوْسُ تُذَكَّرُ وَتُؤَنَّثُ فَمَنْ أَنَّثَ قَالَ فِي تَصْغِيرِهَا قُوَيْسَةٌ وَمَنْ ذَكَّرَ قَالَ قُوَيْسٌ ; وَفِي الْمَثَلِ هُوَ مِنْ خَيْرِ قُوَيْسٍ سَهْمًا . وَالْجَمْعُ قِسِيٌّ قُسِيٌّ وَأَقْوَاسٌ وَقِيَاسٌ ; وَأَنْشَدَ
أَبُو عُبَيْدَةَ :
وَوَتَّرَ الْأَسَاوِرُ الْقِيَاسَا وَالْقَوْسُ أَيْضًا بَقِيَّةُ التَّمْرِ
فِي الْجُلَّةِ أَيِ : الْوِعَاءِ . وَالْقَوْسُ بُرْجٌ فِي السَّمَاءِ . فَأَمَّا " الْقُوسُ " بِالضَّمِّ فَصَوْمَعَةُ الرَّاهِبِ ; قَالَ الشَّاعِرُ
جَرِيرٌ وَذَكَرَ امْرَأَةً :
لَاسْتَفْتَنَتْنِي وَذَا الْمِسْحَيْنِ فِي الْقُوسِ
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=10فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى تَفْخِيمٌ لِلْوَحْيِ الَّذِي أُوحِيَ إِلَيْهِ . وَتَقَدَّمَ مَعْنَى الْوَحْيِ وَهُوَ إِلْقَاءُ الشَّيْءِ بِسُرْعَةٍ وَمِنْهُ : الْوَحَاءُ الْوَحَاءُ . وَالْمَعْنَى فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَى عَبْدِهِ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَوْحَى . وَقِيلَ : الْمَعْنَى
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=10فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَا أَوْحَى . وَقِيلَ : الْمَعْنَى فَأَوْحَى
جِبْرِيلُ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَوْحَى إِلَيْهِ رَبُّهُ ؛ قَالَهُ
الرَّبِيعُ وَالْحَسَنُ وَابْنُ زَيْدٍ وَقَتَادَةُ . قَالَ
قَتَادَةُ : أَوْحَى اللَّهُ إِلَى
جِبْرِيلَ وَأَوْحَى
جِبْرِيلُ إِلَى
مُحَمَّدٍ . ثُمَّ قِيلَ : هَذَا الْوَحْيُ هَلْ هُوَ مُبْهَمٌ ؟ لَا نَطَّلِعُ عَلَيْهِ نَحْنُ وَتُعُبِّدْنَا بِالْإِيمَانِ بِهِ عَلَى الْجُمْلَةِ ، أَوْ هُوَ مَعْلُومٌ مُفَسَّرٌ ؟ قَوْلَانِ ؛ وَبِالثَّانِي قَالَ
سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ ، قَالَ : أَوْحَى اللَّهُ إِلَى
مُحَمَّدٍ : أَلَمْ أَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَيْتُكَ ! أَلَمْ أَجِدْكَ ضَالًّا فَهَدَيْتُكَ ! أَلَمْ أَجِدْكَ عَائِلًا فَأَغْنَيْتُكَ !
nindex.php?page=tafseer&surano=94&ayano=1أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ nindex.php?page=tafseer&surano=94&ayano=2وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ nindex.php?page=tafseer&surano=94&ayano=3الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ nindex.php?page=tafseer&surano=94&ayano=4وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ . وَقِيلَ : أَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَنَّ الْجَنَّةَ حَرَامٌ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ حَتَّى تَدْخُلَهَا يَا
مُحَمَّدُ ، وَعَلَى الْأُمَمِ حَتَّى تَدْخُلَهَا أُمَّتُكَ .