العاشرة : واختلفوا كيف أكل منها مع الوعيد المقترن بالقرب وهو
nindex.php?page=treesubj&link=28973قوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=35فتكونا من الظالمين ، فقال قوم أكلا من غير التي أشير إليها فلم يتأولا النهي واقعا على جميع جنسها ، كأن إبليس غره بالأخذ بالظاهر . قال
nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي : وهي أول معصية عصي الله بها على هذا القول . قال : " وفيه دليل على أن من حلف ألا يأكل من هذا الخبز فأكل من جنسه حنث . وتحقيق المذاهب فيه أن أكثر العلماء قالوا : لا حنث فيه . وقال
مالك وأصحابه : إن اقتضى بساط اليمين تعيين المشار إليه لم يحنث بأكل جنسه ، وإن اقتضى بساط اليمين أو سببها أو نيتها الجنس حمل عليه وحنث بأكل غيره ، وعليه حملت قصة
آدم عليه السلام فإنه نهي عن شجرة عينت له وأريد بها جنسها ، فحمل القول على اللفظ دون المعنى .
وقد اختلف علماؤنا في فرع من هذا ، وهو أنه إذا حلف ألا يأكل هذه الحنطة فأكل خبزا منها على قولين ، قال في الكتاب : يحنث ; لأنها هكذا تؤكل . وقال
ابن المواز : لا شيء عليه ; لأنه لم يأكل حنطة وإنما أكل خبزا فراعى الاسم والصفة . ولو قال في يمينه : لا آكل من هذه الحنطة لحنث بأكل الخبز المعمول منها وفيما اشترى بثمنها من طعام ، وفيما أنبتت خلاف . وقال آخرون : تأولا النهي على الندب . قال
nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي : وهذا وإن كان مسألة من أصول الفقه فقد سقط ذلك هاهنا ، لقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=35فتكونا من الظالمين فقرن النهي بالوعيد ، وكذلك قوله سبحانه :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=117فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى . وقال
ابن المسيب : إنما أكل
آدم بعد أن سقته حواء الخمر فسكر وكان في غير عقله . وكذلك قال
nindex.php?page=showalam&ids=17368يزيد بن قسيط ، وكانا يحلفان بالله أنه ما أكل من هذه الشجرة وهو يعقل . قال
nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي : وهذا فاسد نقلا وعقلا ، أما النقل فلم يصح بحال ، وقد وصف الله عز وجل خمر الجنة فقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=47لا فيها غول . وأما العقل فلأن
nindex.php?page=treesubj&link=28751الأنبياء بعد النبوة معصومون عما يؤدي إلى الإخلال بالفرائض واقتحام الجرائم . قلت : قد استنبط بعض العلماء نبوة
آدم عليه السلام قبل إسكانه الجنة من قوله تعالى :
[ ص: 290 ] nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=33فلما أنبأهم بأسمائهم فأمره الله تعالى أن ينبئ الملائكة بما ليس عندهم من علم الله جل وعز . وقيل : أكلها ناسيا ، ومن الممكن أنهما نسيا الوعيد . قلت : وهو الصحيح لإخبار الله تعالى في كتابه بذلك حتما وجزما فقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=115ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما . ولكن لما كان الأنبياء عليهم السلام يلزمهم من التحفظ والتيقظ لكثرة معارفهم وعلو منازلهم ما لا يلزم غيرهم كان تشاغله عن تذكر النهي تضييعا صار به عاصيا ، أي مخالفا . قال
أبو أمامة : لو أن أحلام بني آدم منذ خلق الله الخلق إلى يوم القيامة وضعت في كفة ميزان ووضع حلم
آدم في كفة أخرى لرجحهم ، وقد قال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=115ولم نجد له عزما .
قلت : قول
أبي أمامة هذا عموم في جميع بني آدم . وقد يحتمل أن يخص من ذلك نبينا
محمد صلى الله عليه وسلم ، فإنه كان أوفر الناس حلما وعقلا . وقد يحتمل أن يكون المعنى لو أن أحلام بني
آدم من غير الأنبياء . والله أعلم .
قلت : والقول الأول أيضا حسن ، فظنا أن المراد العين وكان المراد الجنس ، كقول النبي صلى الله عليه وسلم حين أخذ ذهبا وحريرا فقال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=832787هذان حرامان على ذكور أمتي . وقال في خبر آخر :
nindex.php?page=hadith&LINKID=832788هذان مهلكان أمتي . وإنما أراد الجنس لا العين .
الْعَاشِرَةُ : وَاخْتَلَفُوا كَيْفَ أَكَلَ مِنْهَا مَعَ الْوَعِيدِ الْمُقْتَرِنِ بِالْقُرْبِ وَهُوَ
nindex.php?page=treesubj&link=28973قَوْلُهُ تَعَالَى : nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=35فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ ، فَقَالَ قَوْمٌ أَكَلَا مِنْ غَيْرِ الَّتِي أُشِيرَ إِلَيْهَا فَلَمْ يَتَأَوَّلَا النَّهْيَ وَاقِعًا عَلَى جَمِيعِ جِنْسِهَا ، كَأَنَّ إِبْلِيسَ غَرَّهُ بِالْأَخْذِ بِالظَّاهِرِ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12815ابْنُ الْعَرَبِيِّ : وَهِيَ أَوَّلُ مَعْصِيَةٍ عُصِيَ اللَّهُ بِهَا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ . قَالَ : " وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ حَلَفَ أَلَّا يَأْكُلَ مِنْ هَذَا الْخُبْزِ فَأَكَلَ مِنْ جِنْسِهِ حَنِثَ . وَتَحْقِيقُ الْمَذَاهِبِ فِيهِ أَنَّ أَكْثَرَ الْعُلَمَاءِ قَالُوا : لَا حِنْثَ فِيهِ . وَقَالَ
مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ : إِنِ اقْتَضَى بِسَاطُ الْيَمِينِ تَعْيِينَ الْمُشَارِ إِلَيْهِ لَمْ يَحْنَثْ بِأَكْلِ جِنْسِهِ ، وَإِنِ اقْتَضَى بِسَاطُ الْيَمِينِ أَوْ سَبَبِهَا أَوْ نِيَّتِهَا الْجِنْسَ حُمِلَ عَلَيْهِ وَحَنِثَ بِأَكْلِ غَيْرِهِ ، وَعَلَيْهِ حُمِلَتْ قِصَّةُ
آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَإِنَّهُ نُهِيَ عَنْ شَجَرَةٍ عُيِّنَتْ لَهُ وَأُرِيدَ بِهَا جِنْسُهَا ، فَحُمِلَ الْقَوْلُ عَلَى اللَّفْظِ دُونَ الْمَعْنَى .
وَقَدِ اخْتَلَفَ عُلَمَاؤُنَا فِي فَرْعٍ مِنْ هَذَا ، وَهُوَ أَنَّهُ إِذَا حَلَفَ أَلَّا يَأْكُلَ هَذِهِ الْحِنْطَةَ فَأَكَلَ خُبْزًا مِنْهَا عَلَى قَوْلَيْنِ ، قَالَ فِي الْكِتَابِ : يَحْنَثُ ; لِأَنَّهَا هَكَذَا تُؤْكَلُ . وَقَالَ
ابْنُ الْمَوَّازِ : لَا شَيْءَ عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَأْكُلْ حِنْطَةً وَإِنَّمَا أَكَلَ خُبْزًا فَرَاعَى الِاسْمَ وَالصِّفَةَ . وَلَوْ قَالَ فِي يَمِينِهِ : لَا آكُلُ مِنْ هَذِهِ الْحِنْطَةِ لَحَنِثَ بِأَكْلِ الْخُبْزِ الْمَعْمُولِ مِنْهَا وَفِيمَا اشْتَرَى بِثَمَنِهَا مِنْ طَعَامٍ ، وَفِيمَا أَنْبَتَتْ خِلَافٌ . وَقَالَ آخَرُونَ : تَأَوَّلَا النَّهْيَ عَلَى النَّدْبِ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12815ابْنُ الْعَرَبِيِّ : وَهَذَا وَإِنْ كَانَ مَسْأَلَةً مِنْ أُصُولِ الْفِقْهِ فَقَدْ سَقَطَ ذَلِكَ هَاهُنَا ، لِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=35فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ فَقَرَنَ النَّهْيَ بِالْوَعِيدِ ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=117فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى . وَقَالَ
ابْنُ الْمُسَيَّبِ : إِنَّمَا أَكَلَ
آدَمُ بَعْدَ أَنْ سَقَتْهُ حَوَّاءُ الْخَمْرَ فَسَكِرَ وَكَانَ فِي غَيْرِ عَقْلِهِ . وَكَذَلِكَ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=17368يَزِيدُ بْنُ قُسَيْطٍ ، وَكَانَا يَحْلِفَانِ بِاللَّهِ أَنَّهُ مَا أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ وَهُوَ يَعْقِلُ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12815ابْنُ الْعَرَبِيِّ : وَهَذَا فَاسِدٌ نَقْلًا وَعَقْلًا ، أَمَّا النَّقْلُ فَلَمْ يَصِحْ بِحَالٍ ، وَقَدْ وَصَفَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ خَمْرَ الْجَنَّةِ فَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=47لَا فِيهَا غَوْلٌ . وَأَمَّا الْعَقْلُ فَلِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28751الْأَنْبِيَاءَ بَعْدَ النُّبُوَّةِ مَعْصُومُونَ عَمَّا يُؤَدِّي إِلَى الْإِخْلَالِ بِالْفَرَائِضِ وَاقْتِحَامِ الْجَرَائِمِ . قُلْتُ : قَدِ اسْتَنْبَطَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ نُبُوَّةَ
آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَبْلَ إِسْكَانِهِ الْجَنَّةَ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى :
[ ص: 290 ] nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=33فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَأَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يُنْبِئَ الْمَلَائِكَةَ بِمَا لَيْسَ عِنْدَهُمْ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ . وَقِيلَ : أَكَلَهَا نَاسِيًا ، وَمِنَ الْمُمْكِنِ أَنَّهُمَا نَسِيَا الْوَعِيدَ . قُلْتُ : وَهُوَ الصَّحِيحُ لِإِخْبَارِ اللَّهِ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ بِذَلِكَ حَتْمًا وَجَزْمًا فَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=115وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا . وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ الْأَنْبِيَاءُ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ يَلْزَمُهُمْ مِنَ التَّحَفُّظِ وَالتَّيَقُّظِ لِكَثْرَةِ مَعَارِفِهِمْ وَعُلُوِّ مَنَازِلِهِمْ مَا لَا يَلْزَمُ غَيْرَهُمْ كَانَ تَشَاغُلُهُ عَنْ تَذَكُّرِ النَّهْيِ تَضْيِيعًا صَارَ بِهِ عَاصِيًا ، أَيْ مُخَالِفًا . قَالَ
أَبُو أُمَامَةَ : لَوْ أَنَّ أَحْلَامَ بَنِي آدَمَ مُنْذُ خَلَقَ اللَّهُ الْخَلْقَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وُضِعَتْ فِي كِفَّةِ مِيزَانٍ وَوُضِعَ حِلْمُ
آدَمَ فِي كِفَّةٍ أُخْرَى لَرَجَحَهُمْ ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=115وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا .
قُلْتُ : قَوْلُ
أَبِي أُمَامَةَ هَذَا عُمُومٌ فِي جَمِيعِ بَنِي آدَمَ . وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يُخَصَّ مِنْ ذَلِكَ نَبِيُّنَا
مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَإِنَّهُ كَانَ أَوْفَرَ النَّاسِ حِلْمًا وَعَقْلًا . وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى لَوْ أَنَّ أَحْلَامَ بَنِي
آدَمَ مِنْ غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
قُلْتُ : وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَيْضًا حَسَنٌ ، فَظَنَّا أَنَّ الْمُرَادَ الْعَيْنُ وَكَانَ الْمُرَادُ الْجِنْسَ ، كَقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَخَذَ ذَهَبًا وَحَرِيرًا فَقَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=832787هَذَانَ حَرَامَانِ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي . وَقَالَ فِي خَبَرٍ آخَرَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=832788هَذَانَ مُهْلِكَانِ أُمَّتِي . وَإِنَّمَا أَرَادَ الْجِنْسَ لَا الْعَيْنَ .