[ ص: 124 ] ويطاف عليهم بآنية من فضة وأكواب أي يدور على هؤلاء الأبرار الخدم إذا أرادوا الشراب بآنية من فضة قال قوله تعالى : ابن عباس : ليس في الدنيا شيء مما في الجنة إلا الأسماء ; أي ما في الجنة أشرف وأعلى وأنقى . ثم لم تنف الأواني الذهبية بل المعنى يسقون في أواني الفضة ، وقد يسقون في أواني الذهب . وقد قال تعالى : يطاف عليهم بصحاف من ذهب وأكواب . وقيل : نبه بذكر الفضة على الذهب ; كقوله : سرابيل تقيكم الحر أي والبرد ; فنبه بذكر أحدهما على الثاني . والأكواب : الكيزان العظام التي لا آذان لها ولا عرى ، الواحد منها كوب ; وقال عدي :
متكئا تقرع أبوابه يسعى عليه العبد بالكوب
وقد مضى في ( الزخرف ) .كانت قوارير قوارير من فضة أي في صفاء القوارير وبياض الفضة ; فصفاؤها صفاء الزجاج وهي من فضة . وقيل : أرض الجنة من فضة ، والأواني تتخذ من تربة الأرض التي هي منها . ذكره ابن عباس وقال : ليس في الجنة شيء إلا قد أعطيتم في الدنيا شبهه ، إلا القوارير من فضة . وقال : لو أخذت فضة من فضة الدنيا فضربتها حتى تجعلها مثل جناح الذباب لم تر من ورائها الماء ، ولكن قوارير الجنة مثل الفضة في صفاء القوارير .
قدروها تقديرا قراءة العامة بفتح القاف والدال ; أي قدرها لهم السقاة الذين يطوفون بها عليهم . قال ابن عباس ومجاهد وغيرهما : أتوا بها على قدر ريهم ، بغير زيادة ولا نقصان . الكلبي : وذلك ألذ وأشهى ; والمعنى : قدرتها الملائكة التي تطوف عليهم . وعن ابن عباس أيضا : قدروها على ملء الكف لا تزيد ولا تنقص ، حتى لا تؤذيهم بثقل أو بإفراط صغر . وقيل : إن الشاربين قدروا لها مقادير في أنفسهم على ما اشتهوا وقدروا . وقرأ عبيد بن عمير والشعبي قدروها بضم القاف وكسر الدال ; أي جعلت لهم على قدر إرادتهم . وذكر هذه القراءة وابن سيرين المهدوي عن علي - رضي الله عنهما - ; وقال : ومن قرأ قدروها فهو راجع إلى معنى القراءة الأخرى ، وكأن الأصل قدروا عليها فحذف الجر ; والمعنى قدرت عليهم ; وأنشد وابن عباس : سيبويه
آليت حب العراق الدهر آكله والحب يأكله في القرية السوس
[ ص: 125 ] ويسقون فيها كأسا وهي الخمر في الإناء . كان مزاجها زنجبيلا ( كان ) صلة ; أي مزاجها زنجبيل ، أو كان في حكم الله زنجبيلا . وكانت العرب تستلذ من الشراب ما يمزج بالزنجبيل لطيب رائحته ; لأنه يحذو اللسان ، ويهضم المأكول ، فرغبوا في نعيم الآخرة بما اعتقدوه نهاية النعمة والطيب . وقال قوله تعالى : المسيب بن علس يصف ثغر المرأة :
وكأن طعم الزنجبيل به إذ ذقته وسلافة الخمر
كأن جنيا من الزنجبي ل بات بفيها وأريا مشورا
كأن القرنفل والزنجبي ل باتا بفيها وأريا مشورا
عينا بدل من كأس . ويجوز أن ينتصب بإضمار فعل أي يسقون عينا . ويجوز نصبه بإسقاط الخافض أي من عين على ما تقدم في قوله تعالى : عينا يشرب بها عباد الله . فيها أي في الجنة تسمى سلسبيلا السلسبيل الشراب اللذيذ ، وهو فعلليل من السلالة ; تقول العرب : هذا شراب سلس وسلسال وسلسل وسلسبيل بمعنى ; أي طيب الطعم لذيذه . وفي الصحاح : وتسلسل الماء في الحلق جرى ، وسلسلته أنا صببته فيه ، وماء سلسل وسلسال : سهل الدخول في الحلق لعذوبته وصفائه ، والسلاسل بالضم مثله . وقال الزجاج : السلسبيل في اللغة : اسم لما كان في غاية السلاسة ; فكأن العين سميت بصفتها . وعن مجاهد قال : سلسبيلا : حديدة الجرية تسيل في حلوقهم انسلالا . ونحوه عن ابن عباس : إنها الحديدة الجري . ذكره ومنه قول الماوردي ; حسان بن ثابت - رضي الله عنه - :
يسقون من ورد البريص عليهم بردى يصفق بالرحيق السلسل