ألم نخلقكم من ماء مهين أي ضعيف حقير وهو النطفة وقد تقدم ، وهذه الآية أصل لمن قال : إن خلق الجنين إنما هو من ماء الرجل وحده . وقد مضى القول فيه . قوله تعالى :
فجعلناه في قرار مكين أي في مكان حريز وهو الرحم . إلى قدر معلوم قال مجاهد : إلى أن نصوره . وقيل : إلى وقت الولادة . فقدرنا وقرأ نافع ( فقدرنا ) بالتشديد . وخفف الباقون ، وهما لغتان بمعنى . قاله والكسائي الكسائي والفراء والقتبي . قال القتبي : قدرنا بمعنى قدرنا مشددة : كما تقول : قدرت كذا وقدرته ; ومنه قول النبي - صلى الله عليه سلم - في الهلال : أي قدروا له المسير والمنازل . إذا غم عليكم فاقدروا له
وقال محمد بن الجهم عن الفراء : ( فقدرنا ) قال : وذكر تشديدها عن علي - رضي الله عنه - ، وتخفيفها ، قال : ولا يبعد أن يكون المعنى في التشديد والتخفيف واحدا ; لأن العرب تقول : قدر عليه الموت وقدر : قال الله تعالى : نحن قدرنا بينكم الموت قرئ بالتخفيف ، والتشديد ، وقدر عليه رزقه وقدر . قال : واحتج الذين خففوا فقالوا ; لو كانت كذلك لكانت فنعم المقدرون . قال الفراء : وتجمع العرب بين اللغتين ; قال الله تعالى : فمهل الكافرين أمهلهم رويدا قال الأعشى :
وأنكرتني وما كان الذي نكرت من الحوادث إلا الشيب والصلعا
وروي عن عكرمة فقدرنا مخففة من القدرة ، وهو اختيار أبي عبيد وأبي حاتم لقوله : والكسائي فنعم القادرون ومن شدد فهو من التقدير ، أي فقدرنا الشقي والسعيد فنعم المقدرون . رواه ابن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم - . وقيل : المعنى قدرنا قصيرا أو طويلا . ونحوه عن ابن عباس : قدرنا ملكنا . المهدوي : وهذا التفسير أشبه بقراءة التخفيف .
قلت : هو صحيح فإن عكرمة هو الذي قرأ فقدرنا مخففا قال : معناه فملكنا فنعم [ ص: 140 ] المالكون ، فأفادت الكلمتان معنيين متغايرين ; أي قدرنا وقت الولادة وأحوال النطفة في التنقيل من حالة إلى حالة حتى صارت بشرا سويا ، أو الشقي والسعيد ، أو الطويل والقصير ، كله على قراءة التشديد . وقيل : هما بمعنى كما ذكرنا .