[ ص: 229 ] إن الذين أجرموا وصف أرواح الكفار في الدنيا مع المؤمنين باستهزائهم بهم والمراد رؤساء قوله تعالى : قريش من أهل الشرك . روى ناس عن ابن عباس قال : هو الوليد بن المغيرة ، وعقبة بن أبي معيط ، والعاص بن وائل ، والأسود بن عبد يغوث ، والعاص بن هشام ، وأبو جهل ، والنضر بن الحارث ; وأولئك كانوا من الذين آمنوا من أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - مثل عمار ، وخباب وصهيب وبلال يضحكون على وجه السخرية .
وإذا مروا بهم عند إتيانهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتغامزون يغمز بعضهم بعضا ، ويشيرون بأعينهم . وقيل : أي يعيرونهم بالإسلام ويعيبونهم به يقال : غمزت الشيء بيدي ; قال :
وكنت إذا غمزت قناة قوم كسرت كعوبها أو تستقيما
عائشة : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا سجد غمزني ، فقبضت رجلي . الحديث ; وقد مضى في ( النساء ) . وغمزته بعيني . وقيل : الغمز : بمعنى العيب ، يقال غمزه : أي عابه ، وما في فلان غمزة أي عيب . وقال وقالت مقاتل : نزلت في علي بن أبي طالب جاء في نفر من المسلمين إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فلمزهم المنافقون ، وضحكوا عليهم وتغامزوا .وإذا انقلبوا أي انصرفوا إلى أهلهم وأصحابهم وذويهم انقلبوا فكهين أي معجبين منهم . وقيل : معجبون بما هم عليه من الكفر ، متفكهون بذكر المؤمنين . وقرأ ابن القعقاع وحفص والأعرج والسلمي : فكهين بغير ألف . الباقون بألف . قال الفراء : هما لغتان مثل طمع وطامع وحذر وحاذر ، وقد تقدم في سورة ( الدخان ) والحمد لله . وقيل : الفكه : الأشر البطر والفاكه : الناعم المتنعم .
وإذا رأوهم أي إذا رأى هؤلاء الكفار أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - قالوا إن هؤلاء لضالون في اتباعهم محمدا - صلى الله عليه وسلم - وما أرسلوا عليهم حافظين لأعمالهم ، موكلين بأحوالهم ، رقباء عليهم .
( فاليوم ) يعني هذا اليوم الذي هو يوم القيامة الذين آمنوا بمحمد - صلى الله عليه وسلم - من الكفار يضحكون كما ضحك الكفار منهم في الدنيا . نظيره في آخر سورة ( المؤمنين ) وقد تقدم . وذكر ابن المبارك : أخبرنا عن محمد بن بشار قتادة في فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون قال : ذكر لنا أن قوله تعالى : كعبا كان يقول إن بين الجنة والنار كوى ، فإذا أراد المؤمن أن ينظر إلى عدو كان له في الدنيا اطلع من بعض الكوى ; قال الله تعالى في آية أخرى : فاطلع فرآه في سواء الجحيم قال : ذكر لنا أنه اطلع فرأى جماجم القوم تغلي . وذكر ابن [ ص: 230 ] المبارك أيضا : أخبرنا الكلبي عن أبي صالح في قوله تعالى : الله يستهزئ بهم قال : يقال لأهل النار وهم في النار : اخرجوا ، فتفتح لهم أبواب النار ، فإذا رأوها قد فتحت أقبلوا إليها يريدون الخروج ، والمؤمنون ينظرون إليهم على الأرائك ، فإذا انتهوا إلى أبوابها غلقت دونهم ; فذلك قوله : الله يستهزئ بهم ويضحك منهم المؤمنون حين غلقت دونهم فذلك قوله تعالى : فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون .
على الأرائك ينظرون هل ثوب الكفار ما كانوا يفعلون وقد مضى هذا في أول سورة ( البقرة ) . ومعنى هل ثوب أي هل جوزي بسخريتهم في الدنيا بالمؤمنين إذا فعل بهم ذلك . وقيل : إنه متعلق ب " ينظرون " أي ينظرون : هل جوزي الكفار ؟ فيكون معنى ( هل ) التقرير وموضعها نصبا ب ينظرون . وقيل : استئناف لا موضع له من الإعراب . وقيل : هو إضمار على القول ، والمعنى ; يقول بعض المؤمنين لبعض : هل ثوب الكفار أي أثيب وجوزي . وهو من ثاب يثوب أي رجع ; فالثواب ما يرجع على العبد في مقابلة عمله ، ويستعمل في الخير والشر . ختمت السورة والله أعلم .