قوله تعالى : كلا رد ، أي ليس الأمر كما يظن ، فليس الغنى لفضله ، ولا الفقر لهوانه ، وإنما الفقر والغنى من تقديري وقضائي . وقال الفراء : كلا في هذا الموضع بمعنى لم يكن ينبغي للعبد أن يكون هكذا ، ولكن يحمد الله - عز وجل - على الغنى والفقر . وفي الحديث : " يقول الله - عز وجل - : كلا إني لا أكرم من أكرمت بكثرة الدنيا ، ولا أهين من أهنت بقلتها ، إنما أكرم من أكرمت بطاعتي ، وأهين من أهنت بمعصيتي " .
قوله تعالى : بل لا تكرمون اليتيم إخبار عن ما كانوا يصنعونه من . وقرأ منع اليتيم الميراث ، وأكل ماله إسرافا وبدارا أن يكبروا أبو عمرو ويعقوب يكرمون ، ويحضون ويأكلون ، ويحبون بالياء ; لأنه تقدم ذكر الإنسان ، والمراد به الجنس ، فعبر عنه بلفظ الجمع . الباقون بالتاء في الأربعة ، على الخطاب والمواجهة كأنه قال لهم ذلك تقريعا وتوبيخا . وترك إكرام اليتيم بدفعه عن حقه ، وأكل ماله كما ذكرنا . قال مقاتل : نزلت في وكان يتيما في حجر قدامة بن مظعون أمية بن خلف .
ولا تحاضون على طعام المسكين أي لا يأمرون أهليهم بإطعام مسكين يجيئهم . وقرأ الكوفيون ولا تحاضون بفتح التاء والحاء والألف . أي يحض بعضهم بعضا . وأصله تتحاضون ، فحذف إحدى التاءين لدلالة الكلام عليها . وهو اختيار أبي عبيد . وروي عن إبراهيم والشيزري عن الكسائي والسلمي ( تحاضون ) [ ص: 47 ] بضم التاء ، وهو تفاعلون من الحض ، وهو الحث .
وتأكلون التراث أي ميراث اليتامى . وأصله الوراث من ورثت ، فأبدلوا الواو تاء كما قالوا في تجاه وتخمة وتكأة وتؤدة ونحو ذلك . وقد تقدم .
أكلا لما أي شديدا قاله . قيل لما : جمعا من قولهم : لممت الطعام لما إذا أكلته جمعا قاله السدي الحسن وأبو عبيدة . وأصل اللم في كلام العرب : الجمع يقال : لممت الشيء ألمه لما : إذا جمعته ، ومنه يقال : لم الله شعثه ، أي جمع ما تفرق من أموره . قال النابغة :
ولس بمستبق أخا لا تلمه على شعث أي الرجال المهذب
ومنه قولهم : إن دارك لمومة ، أي تلم الناس وتربهم وتجمعهم . وقال المرناق الطائي يمدح علقمة بن سيف :لأحبني حب الصبي ولمني لم الهدي إلى الكريم الماجد
إذا كان لما يتبع الذم ربه فلا قدس الرحمن تلك الطواحنا
وتحبون المال حبا جما أي كثيرا ، حلاله وحرامه . والجم الكثير . يقال : جم الشيء يجم جموما ، فهو جم وجام . ومنه جم الماء في الحوض : إذا اجتمع وكثر . وقال الشاعر [ أبو خراش الهذلي ] :
إن تغفر اللهم تغفر جما وأي عبد لك لا ألما