مكية باتفاق . وهي إحدى عشرة آية سورة الضحى
بسم الله الرحمن الرحيم
والضحى والليل إذا سجى ما ودعك ربك وما قلى
والضحى والليل إذا سجى قد تقدم القول في ( الضحى ) ، والمراد به النهار لقوله : قوله تعالى : والليل إذا سجى فقابله بالليل . وفي سورة ( الأعراف ) أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتا وهم نائمون أوأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى وهم يلعبون أي نهارا . وقال قتادة ومقاتل : أقسم بالضحى الذي كلم الله فيه وجعفر الصادق موسى ، وبليلة المعراج . وقيل : هي الساعة التي خر فيها السحرة سجدا . بيانه قوله تعالى : وأن يحشر الناس ضحى . وقال أهل المعاني فيه وفي أمثاله : فيه إضمار ، مجازه ورب الضحى .
وسجا معناه : سكن قاله قتادة ومجاهد وابن زيد وعكرمة . يقال : ليلة ساجية أي ساكنة . ويقال للعين إذا سكن طرفها : ساجية . يقال : سجا الليل يسجو سجوا : إذا سكن . والبحر إذا سجا : سكن . قال الأعشى :
فما ذنبنا أن جاش بحر ابن عمكم وبحرك ساج ما يواري الدعامصا
وقال الراجز :يا حبذا القمراء والليل ساج وطرق مثل ملاء النساج
ولقد رمينك يوم رحن بأعين ينظرن من خلل الستور سواجي
ما ودعك ربك هذا جواب القسم . وكان جبريل - عليه السلام - أبطأ على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال المشركون : قلاه الله وودعه فنزلت الآية . وقال : احتبس عنه الوحي اثني عشر يوما . وقال ابن جريج ابن عباس : خمسة عشر يوما . وقيل : خمسة وعشرين يوما . وقال مقاتل : أربعين يوما . فقال المشركون : إن محمدا ودعه ربه وقلاه ، ولو كان أمره من الله لتابع عليه ، كما كان يفعل بمن كان قبله من الأنبياء . وفي عن البخاري جندب بن سفيان قال : محمد ، إني لأرجو أن يكون شيطانك قد تركك ، لم أره قربك منذ ليلتين أو ثلاث فأنزل الله - عز وجل - والضحى والليل إذا سجى ما ودعك ربك وما قلى . اشتكى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يقم ليلتين أو ثلاثا فجاءت امرأة فقالت : يا
وفي الترمذي جندب البجلي قال : كنت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في غار فدميت أصبعه ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : هل أنت إلا أصبع دميت ، وفي سبيل الله ما لقيت قال : عن جبريل فقال المشركون : قد ودع محمد فأنزل الله تبارك وتعالى : ما ودعك ربك وما قلى . هذا حديث حسن صحيح . لم يذكر وأبطأ عليه الترمذي : ( فلم يقم ليلتين أو ثلاثا ) أسقطه الترمذي . وذكره وهو أصح ما قيل في ذلك . والله أعلم . البخاري ،
وقد ذكره الثعلبي أيضا عن جندب بن سفيان البجلي ، قال : أم جميل امرأة أبي لهب : ما أرى شيطانك إلا قد [ ص: 83 ] تركك ، لم أره قربك منذ ليلتين أو ثلاث فنزلت والضحى . وروى عن رمي النبي - صلى الله عليه وسلم - في إصبعه بحجر ، فدميت ، فقال : أنت إلا أصبع دميت ، وفي سبيل الله ما لقيت فمكث ليلتين أو ثلاثا لا يقوم الليل . فقالت له قال : " أبي عمران الجوني ، جبريل على النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى شق عليه فجاء وهو واضع جبهته على أبطأ الكعبة يدعو فنكت بين كتفيه ، وأنزل عليه : ما ودعك ربك وما قلى . وقالت خولة - وكانت تخدم النبي - صلى الله عليه وسلم - : . فقال : " يا خولة ، ما حدث في بيتي ؟ ما فمكث نبي الله - صلى الله عليه وسلم - أياما لا ينزل عليه الوحي لجبريل لا يأتيني " قالت خولة فقلت : لو هيأت البيت وكنسته فأهويت بالمكنسة تحت السرير ، فإذا جرو ميت ، فأخذته فألقيته خلف الجدار فجاء نبي الله ترعد لحياه - - فقال : " يا خولة دثريني " فأنزل الله هذه السورة . ولما نزل وكان إذا نزل عليه الوحي استقبلته الرعدة جبريل سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن التأخر فقال : " أما علمت أنا لا ندخل بيتا فيه كلب ولا صورة " . إن جروا دخل البيت ، فدخل تحت السرير فمات ،
وقيل : اليهود عن الروح وذي القرنين وأصحاب الكهف قال : " سأخبركم غدا " . ولم يقل إن شاء الله . فاحتبس عنه الوحي ، إلى أن نزل جبريل عليه بقوله : ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله فأخبره بما سئل عنه . وفي هذه القصة نزلت لما سألته ما ودعك ربك وما قلى . وقيل : جبريل بهذه السورة فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " ما جئت حتى اشتقت إليك " فقال فنزل جبريل : " وأنا كنت أشد إليك شوقا ، ولكني عبد مأمور " ثم أنزل عليه وما نتنزل إلا بأمر ربك . ودعك بالتشديد : قراءة العامة ، من التوديع ، وذلك كتوديع المفارق . وروي عن إن المسلمين قالوا : يا رسول الله ، ما لك لا ينزل عليك الوحي ؟ فقال : " وكيف ينزل علي وأنتم لا تنقون رواجبكم - وفي رواية براجمكم - ولا تقصون أظفاركم ولا تأخذون من شواربكم " . ابن عباس وابن الزبير أنهما قرآه ( ودعك ) بالتخفيف ، ومعناه : تركك . قال :
وثم ودعنا آل عمرو وعامر فرائس أطراف المثقفة السمر
قوله تعالى : وما قلى أي ما أبغضك ربك منذ أحبك . وترك الكاف ; لأنه رأس آية . والقلى : البغض فإن فتحت القاف مددت تقول : قلاه يقليه قلى وقلاء . كما تقول : قريت الضيف أقريه قرى وقراء . ويقلاه : لغة طيئ . وأنشد ثعلب :
[ ص: 84 ]
أيام أم الغمر لا نقلاها
أي لا نبغضها . ونقلى أي نبغض . وقال [ ] : كثير عزةأسيئي بنا أو أحسني لا ملومة لدينا ولا مقلية إن تقلت
صرفت الهوى عنهن من خشية الهوى ولست بمقلي الخلال ولا قال
وتأويل الآية : ما ودعك ربك وما قلاك . فترك الكاف ; لأنه رأس آية كما قال - عز وجل - : والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أي والذاكرات الله .