[ ص: 41 ] فيه أربع وعشرون مسألة : الأولى : واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان هذا إخبار من الله تعالى عن الطائفة الذين نبذوا الكتاب بأنهم اتبعوا السحر أيضا ، وهم قوله تعالى : اليهود . وقال : عارضت السدي اليهود محمدا صلى الله عليه وسلم بالتوراة فاتفقت التوراة والقرآن فنبذوا التوراة وأخذوا بكتاب آصف وبسحر هاروت وماروت . وقال محمد بن إسحاق : لما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم سليمان في المرسلين قال بعض أحبارهم : يزعم محمد أن ابن داود كان نبيا ! والله ما كان إلا ساحرا ، فأنزل الله عز وجل : وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا أي ألقت إلى بني آدم أن ما فعله سليمان من ركوب البحر واستسخار الطير والشياطين كان سحرا . وقال الكلبي : كتبت الشياطين السحر والنيرنجيات على لسان آصف كاتب سليمان ، ودفنوه تحت مصلاه حين انتزع الله ملكه ولم يشعر بذلك سليمان ، فلما مات سليمان استخرجوه وقالوا للناس : إنما ملككم بهذا فتعلموه ، فأما علماء بني إسرائيل فقالوا : معاذ الله أن يكون هذا علم سليمان ! وأما السفلة فقالوا : هذا علم سليمان ، وأقبلوا على تعليمه ورفضوا كتب أنبيائهم حتى بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله عز وجل على نبيه عذر سليمان وأظهر براءته مما رمي به فقال : واتبعوا ما تتلو الشياطين . قال عطاء : تتلو تقرأ من التلاوة . وقال ابن عباس : تتلو تتبع ، كما تقول : جاء القوم يتلو بعضهم بعضا . وقال الطبري : اتبعوا بمعنى فضلوا .
قلت : لأن كل من اتبع شيئا وجعله أمامه فقد فضله على غيره ، ومعنى " تتلو " يعني تلت ، فهو بمعنى المضي ، قال الشاعر :
وإذا مررت بقبره فاعقر به كوم الهجان وكل طرف سابح وانضح جوانب قبره بدمائها
فلقد يكون أخا دم وذبائح
أي فلقد كان . وما مفعول ب ( اتبعوا ) أي اتبعوا ما تقولته الشياطين على سليمان وتلته . وقيل : ما نفي ، وليس بشيء لا في نظام الكلام ولا في صحته ، قاله . ابن العربي
[ ص: 42 ] على ملك سليمان أي على شرعه ونبوته . قال الزجاج : قال الفراء على عهد ملك سليمان . وقيل : المعنى في ملك سليمان يعني في قصصه وصفاته وأخباره . قال الفراء : تصلح على وفي ، في مثل هذا الموضع . وقال على ولم يقل بعد لقوله تعالى : وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته أي في تلاوته . وقد تقدم معنى الشيطان واشتقاقه ، فلا معنى لإعادته . والشياطين هنا قيل : هم شياطين الجن ، وهو المفهوم من هذا الاسم . وقيل : المراد شياطين الإنس المتمردون في الضلال ، كقول جرير :
أيام يدعونني الشيطان من غزلي وكن يهوينني إذ كنت شيطانا