الثانية : اختلف العلماء في تفضيل بعض السور والآي على بعض  ، وتفضيل بعض أسماء الله تعالى الحسنى على بعض ، فقال قوم : لا فضل لبعض على بعض ، لأن الكل كلام الله ، وكذلك أسماؤه لا مفاضلة بينها . ذهب إلى هذا الشيخ  أبو الحسن الأشعري  ،  والقاضي أبو بكر بن الطيب  ،  وأبو حاتم محمد بن حبان البستي  ، وجماعة من الفقهاء . وروي معناه عن مالك    . قال يحيى بن يحيى    : تفضيل بعض القرآن على بعض خطأ ، وكذلك كره مالك  أن تعاد سورة أو تردد دون غيرها . وقال عن مالك  في قول الله تعالى : نأت بخير منها أو مثلها   [ ص: 107 ] قال : محكمة مكان منسوخة . وروى ابن كنانة  مثل ذلك كله عن مالك    . واحتج هؤلاء بأن قالوا : إن الأفضل يشعر بنقص المفضول ، والذاتية في الكل واحدة ، وهي كلام الله ، وكلام الله تعالى لا نقص فيه . قال البستي    : ومعنى هذه اللفظة ( ما في التوراة ولا في الإنجيل مثل أم القرآن ) : أن الله تعالى لا يعطي لقارئ التوراة والإنجيل من الثواب مثل ما يعطي لقارئ أم القرآن ، إذ الله بفضله فضل هذه الأمة على غيرها من الأمم ، وأعطاها من الفضل على قراءة كلامه أكثر مما أعطى غيرها من الفضل على قراءة كلامه ، وهو فضل منه لهذه الأمة . قال ومعنى قوله : ( أعظم سورة ) أراد به في الأجر ، لا أن بعض القرآن أفضل من بعض . وقال قوم بالتفضيل ، وأن ما تضمنه قوله تعالى وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم  وآية الكرسي ، وآخر سورة الحشر ، وسورة الإخلاص من الدلالات على وحدانيته وصفاته ليس موجودا مثلا في تبت يدا أبي لهب  وما كان مثلها . 
والتفضيل إنما هو بالمعاني العجيبة وكثرتها ، لا من حيث الصفة ، وهذا هو الحق . وممن قال بالتفضيل إسحاق بن راهويه  وغيره من العلماء والمتكلمين ، وهو اختيار  القاضي أبي بكر بن العربي  وابن الحصار  ، لحديث أبي سعيد بن المعلى  وحديث أبي بن كعب  أنه قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يا أبي  أي آية معك في كتاب الله أعظم ) قال : الله لا إله إلا هو الحي القيوم    . قال : فضرب في صدري وقال : ( ليهنك العلم أبا المنذر    ) أخرجه  البخاري  ومسلم    . 
قال ابن الحصار    : عجبي ممن يذكر الاختلاف مع هذه النصوص . 
وقال  ابن العربي    : قوله : " ما أنزل الله في التوراة ولا في الإنجيل ولا في القرآن مثلها " وسكت عن سائر الكتب ، كالصحف المنزلة والزبور وغيرها ، لأن هذه المذكورة أفضلها ، وإذا كان الشيء أفضل الأفضل ، صار أفضل الكل . كقولك : زيد أفضل العلماء فهو أفضل الناس . 
 [ ص: 108 ] وفي الفاتحة من الصفات ما ليس لغيرها  ، حتى قيل : إن جميع القرآن فيها . وهي خمس وعشرون كلمة تضمنت جميع علوم القرآن . ومن شرفها أن الله سبحانه قسمها بينه وبين عبده ، ولا تصح القربة إلا بها ، ولا يلحق عمل بثوابها ، وبهذا المعنى صارت أم القرآن العظيم ، كما صارت قل هو الله أحد  تعدل ثلث القرآن ، إذ القرآن توحيد وأحكام ووعظ ، و قل هو الله أحد  فيها التوحيد كله ، وبهذا المعنى وقع البيان في قوله عليه السلام لأبي    . ( أي آية في القرآن أعظم ) قال : الله لا إله إلا هو الحي القيوم    . وإنما كانت أعظم آية لأنها توحيد كلها كما صار قوله : أفضل ما قلته أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له أفضل الذكر ; لأنها كلمات حوت جميع العلوم في التوحيد ، والفاتحة تضمنت التوحيد والعبادة والوعظ والتذكير ، ولا يستبعد ذلك في قدرة الله تعالى . 
				
						
						
