قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=13قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة يرونهم مثليهم رأي العين والله يؤيد بنصره من يشاء إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار nindex.php?page=treesubj&link=28974قوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=13قد كان لكم آية أي علامة . وقال كان ولم يقل " كانت " لأن آية تأنيثها غير حقيقي . وقيل : ردها إلى البيان ، أي قد كان لكم بيان ; فذهب إلى المعنى وترك اللفظ ; كقول
امرئ القيس :
برهرهة رؤده رخصة كخرعوبة البانة المنفطر
ولم يقل المنفطرة ; لأنه ذهب إلى القضيب . وقال
الفراء : ذكره لأنه فرق بينهما بالصفة ،
[ ص: 24 ] فلما حالت الصفة بين الاسم والفعل ذكر الفعل . وقد مضى هذا المعنى في البقرة في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=180كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=13في فئتين التقتا يعني المسلمين والمشركين يوم
بدر فئة قرأ الجمهور فئة بالرفع ، بمعنى إحداهما فئة . وقرأ
الحسن ومجاهد " فئة " بالخفض
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=13وأخرى كافرة على البدل . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=12356ابن أبي عبلة بالنصب فيهما . قال
أحمد بن يحيى : ويجوز النصب على الحال ، أي التقتا مختلفتين مؤمنة وكافرة . قال
الزجاج : النصب بمعنى أعني . وسميت الجماعة من الناس فئة لأنها يفاء إليها ، أي يرجع إليها في وقت الشدة . وقال
الزجاج : الفئة الفرقة ، مأخوذة من فأوت رأسه بالسيف - ويقال : فأيته - إذا فلقته . ولا خلاف أن الإشارة بهاتين الفئتين هي إلى يوم
بدر . واختلف من المخاطب بها ; فقيل : يحتمل أن يخاطب بها المؤمنون ، ويحتمل أن يخاطب بها جميع الكفار ، ويحتمل أن يخاطب بها يهود
المدينة ; وبكل احتمال منها قد قال قوم . وفائدة الخطاب للمؤمنين تثبيت النفوس وتشجيعها حتى يقدموا على مثليهم وأمثالهم كما قد وقع .
قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=13يرونهم مثليهم رأي العين والله يؤيد بنصره من يشاء إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار قال
أبو علي الرؤية في هذه الآية رؤية عين ; ولذلك تعدت إلى مفعول واحد . قال
مكي والمهدوي : يدل عليه
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=13رأي العين . وقرأ
نافع " ترونهم " بالتاء والباقون بالياء .
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=13مثليهم نصب على الحال من الهاء والميم في " ترونهم " . والجمهور من الناس على أن الفاعل بترون هم المؤمنون ، والضمير المتصل هو للكفار . وأنكر
أبو عمرو أن يقرأ " ترونهم " بالتاء ; قال : ولو كان كذلك لكان مثليكم . قال
النحاس " وذا لا يلزم ، ولكن يجوز أن يكون مثلي أصحابكم . قال
مكي : " ترونهم " بالتاء جرى على الخطاب في " لكم " فيحسن أن يكون الخطاب للمسلمين ، والهاء والميم للمشركين . وقد كان يلزم من قرأ بالتاء أن يقرأ مثليكم بالكاف ، وذلك لا يجوز لمخالفة الخط ; ولكن جرى الكلام على الخروج من الخطاب إلى الغيبة ، كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=22حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم ، وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=39وما آتيتم من زكاة فخاطب ثم قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=39فأولئك هم المضعفون فرجع إلى الغيبة . فالهاء والميم في
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=13مثليهم يحتمل أن يكون للمشركين ، أي ترون أيها المسلمون المشركين مثلي ما هم عليه من العدد ; وهو بعيد في المعنى ; لأن الله تعالى لم يكثر المشركين في أعين
[ ص: 25 ] المسلمين بل أعلمنا أنه قللهم في أعين المؤمنين ، فيكون المعنى ترون أيها المؤمنون المشركين مثليكم في العدد وقد كانوا ثلاثة أمثالهم ، فقلل الله المشركين في أعين المسلمين فأراهم إياهم مثلي عدتهم لتقوى أنفسهم ويقع التجاسر ، وقد كانوا أعلموا أن المائة منهم تغلب المائتين من الكفار ، وقلل المسلمين في أعين المشركين ليجترئوا عليهم فينفذ حكم الله فيهم . ويحتمل أن يكون الضمير في
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=13مثليهم للمسلمين ، أي ترون أيها المسلمون المسلمين مثلي ما أنتم عليه من العدد ، أي ترون أنفسكم مثلي عددكم ; فعل الله ذلك بهم لتقوى أنفسهم على لقاء المشركين . والتأويل الأول أولى ; يدل عليه قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=43إذ يريكهم الله في منامك قليلا ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=44وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلا وروي عن
ابن مسعود أنه قال : قلت لرجل إلى جنبي : أتراهم سبعين ؟ قال : أظنهم مائة فلما أخذنا الأسارى أخبرونا أنهم كانوا ألفا . وحكى
الطبري عن قوم أنهم قالوا : بل كثر الله عدد المؤمنين في عيون الكافرين حتى كانوا عندهم ضعفين . وضعف
الطبري هذا القول . قال
ابن عطية : وكذلك هو مردود من جهات . بل قلل الله المشركين في أعين المؤمنين كما تقدم . وعلى هذا التأويل كان يكون " ترون " للكافرين ، أي ترون أيها الكافرون المؤمنين مثليهم ، ويحتمل مثليكم ، على ما تقدم . وزعم
الفراء أن المعنى ترونهم مثليهم ثلاثة أمثالهم . وهو بعيد غير معروف في اللغة . قال
الزجاج : وهذا باب الغلط ، فيه غلط في جميع المقاييس ; لأنا إنما نعقل مثل الشيء مساويا له ، ونعقل مثله ما يساويه مرتين . قال
ابن كيسان : وقد بين
الفراء قوله بأن قال : كما تقول وعندك عبد : أحتاج إلى مثله ، فأنت محتاج إليه وإلى مثله . وتقول : أحتاج إلى مثليه ، فأنت محتاج إلى ثلاثة . والمعنى على خلاف ما قاله ، واللغة . والذي أوقع
الفراء في هذا أن المشركين كانوا ثلاثة أمثال المؤمنين يوم
بدر ; فتوهم أنه لا يجوز أن يكونوا يرونهم إلا على عدتهم ، وهذا بعيد وليس المعنى عليه . وإنما أراهم الله على غير عدتهم لجهتين : إحداهما أنه رأى الصلاح في ذلك ، لأن المؤمنين تقوى قلوبهم بذلك . والأخرى أنه آية للنبي - صلى الله عليه وسلم - وسيأتي ذكر وقعة
بدر إن شاء الله تعالى . وأما قراءة الياء فقال
ابن كيسان : الهاء والميم في
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=13يرونهم عائدة على
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=13وأخرى كافرة والهاء والميم في
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=13مثليهم عائدة على
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=13فئة تقاتل في سبيل الله وهذا من الإضمار الذي يدل عليه سياق الكلام ، وهو قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=13يؤيد بنصره من يشاء . فدل ذلك على أن الكافرين كانوا مثلي المسلمين في رأي العين وثلاثة أمثالهم في العدد . قال : والرؤية هنا
لليهود . وقال
مكي : الرؤية للفئة المقاتلة في سبيل الله ،
[ ص: 26 ] والمرئية الفئة الكافرة ; أي ترى الفئة المقاتلة في سبيل الله الفئة الكافرة مثلي الفئة المؤمنة ، وقد كانت الفئة الكافرة ثلاثة أمثال المؤمنة فقللهم الله في أعينهم على ما تقدم . والخطاب في لكم
لليهود . وقرأ
ابن عباس وطلحة " ترونهم " بضم التاء ،
والسلمي بالتاء المضمومة على ما لم يسم فاعله .
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=13والله يؤيد بنصره من يشاء إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار تقدم معناه والحمد لله .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=13قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ nindex.php?page=treesubj&link=28974قَوْلُهُ تَعَالَى : nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=13قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ أَيْ عَلَامَةٌ . وَقَالَ كَانَ وَلَمْ يَقُلْ " كَانَتْ " لِأَنَّ آيَةً تَأْنِيثُهَا غَيْرُ حَقِيقِيٍّ . وَقِيلَ : رَدَّهَا إِلَى الْبَيَانِ ، أَيْ قَدْ كَانَ لَكُمْ بَيَانٌ ; فَذَهَبَ إِلَى الْمَعْنَى وَتَرَكَ اللَّفْظَ ; كَقَوْلِ
امْرِئِ الْقَيْسِ :
بَرَهْرَهَةٌ رُؤْدُهُ رَخْصَةٌ كَخُرْعُوبَةِ الْبَانَةِ الْمُنْفَطِرْ
وَلَمْ يَقُلِ الْمُنْفَطِرَةَ ; لِأَنَّهُ ذَهَبَ إِلَى الْقَضِيبِ . وَقَالَ
الْفَرَّاءُ : ذَكَرَهُ لِأَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِالصِّفَةِ ،
[ ص: 24 ] فَلَمَّا حَالَتِ الصِّفَةُ بَيْنَ الِاسْمِ وَالْفِعْلِ ذَكَرَ الْفِعْلَ . وَقَدْ مَضَى هَذَا الْمَعْنَى فِي الْبَقَرَةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=180كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=13فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا يَعْنِي الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ يَوْمَ
بَدْرٍ فِئَةٌ قَرَأَ الْجُمْهُورُ فِئَةٌ بِالرَّفْعِ ، بِمَعْنَى إِحْدَاهُمَا فِئَةٌ . وَقَرَأَ
الْحَسَنُ وَمُجَاهِدٌ " فِئَةٍ " بِالْخَفْضِ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=13وَأُخْرَى كَافِرَةٍ عَلَى الْبَدَلِ . وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=12356ابْنُ أَبِي عَبْلَةَ بِالنَّصْبِ فِيهِمَا . قَالَ
أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى : وَيَجُوزُ النَّصْبُ عَلَى الْحَالِ ، أَيِ الْتَقَتَا مُخْتَلِفَتَيْنِ مُؤْمِنَةً وَكَافِرَةً . قَالَ
الزَّجَّاجُ : النَّصْبُ بِمَعْنَى أَعْنِي . وَسُمِّيَتِ الْجَمَاعَةُ مِنَ النَّاسِ فِئَةً لِأَنَّهَا يُفَاءُ إِلَيْهَا ، أَيْ يُرْجَعُ إِلَيْهَا فِي وَقْتِ الشِّدَّةِ . وَقَالَ
الزَّجَّاجُ : الْفِئَةُ الْفِرْقَةُ ، مَأْخُوذَةٌ مِنْ فَأَوْتُ رَأْسَهُ بِالسَّيْفِ - وَيُقَالُ : فَأَيْتُهُ - إِذَا فَلَقْتُهُ . وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْإِشَارَةَ بِهَاتَيْنِ الْفِئَتَيْنِ هِيَ إِلَى يَوْمِ
بَدْرٍ . وَاخْتُلِفَ مَنِ الْمُخَاطَبُ بِهَا ; فَقِيلَ : يَحْتَمِلُ أَنْ يُخَاطَبَ بِهَا الْمُؤْمِنُونَ ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُخَاطَبَ بِهَا جَمِيعُ الْكُفَّارِ ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُخَاطَبَ بِهَا يَهُودُ
الْمَدِينَةِ ; وَبِكُلِّ احْتِمَالٍ مِنْهَا قَدْ قَالَ قَوْمٌ . وَفَائِدَةُ الْخِطَابِ لِلْمُؤْمِنِينَ تَثْبِيتُ النُّفُوسِ وَتَشْجِيعُهَا حَتَّى يَقْدَمُوا عَلَى مِثْلَيْهِمْ وَأَمْثَالِهِمْ كَمَا قَدْ وَقَعَ .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=13يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ قَالَ
أَبُو عَلِيٍّ الرُّؤْيَةُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ رُؤْيَةُ عَيْنٍ ; وَلِذَلِكَ تَعَدَّتْ إِلَى مَفْعُولٍ وَاحِدٍ . قَالَ
مَكِّيٌّ وَالْمَهْدَوِيُّ : يَدُلُّ عَلَيْهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=13رَأْيَ الْعَيْنِ . وَقَرَأَ
نَافِعٌ " تَرَوْنَهُمْ " بِالتَّاءِ وَالْبَاقُونَ بِالْيَاءِ .
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=13مِثْلَيْهِمْ نُصِبَ عَلَى الْحَالِ مِنَ الْهَاءِ وَالْمِيمِ فِي " تَرَوْنَهُمْ " . وَالْجُمْهُورُ مِنَ النَّاسِ عَلَى أَنَّ الْفَاعِلَ بِتَرَوْنَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ ، وَالضَّمِيرَ الْمُتَّصِلَ هُوَ لِلْكُفَّارِ . وَأَنْكَرَ
أَبُو عَمْرٍو أَنْ يُقْرَأَ " تَرَوْنَهُمْ " بِالتَّاءِ ; قَالَ : وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَ مِثْلَيْكُمْ . قَالَ
النَّحَّاسُ " وَذَا لَا يَلْزَمُ ، وَلَكِنْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِثْلَيْ أَصْحَابِكُمْ . قَالَ
مَكِّيٌّ : " تَرَوْنَهُمْ " بِالتَّاءِ جَرَى عَلَى الْخِطَابِ فِي " لَكُمْ " فَيَحْسُنُ أَنْ يَكُونَ الْخِطَابُ لِلْمُسْلِمِينَ ، وَالْهَاءُ وَالْمِيمُ لِلْمُشْرِكِينَ . وَقَدْ كَانَ يَلْزَمُ مَنْ قَرَأَ بِالتَّاءِ أَنْ يَقْرَأَ مِثْلَيْكُمْ بِالْكَافِ ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ لِمُخَالَفَةِ الْخَطِّ ; وَلَكِنْ جَرَى الْكَلَامُ عَلَى الْخُرُوجِ مِنَ الْخِطَابِ إِلَى الْغَيْبَةِ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=22حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=39وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ فَخَاطَبَ ثُمَّ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=39فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ فَرَجَعَ إِلَى الْغَيْبَةِ . فَالْهَاءُ وَالْمِيمُ فِي
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=13مِثْلَيْهِمْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِلْمُشْرِكِينَ ، أَيْ تَرَوْنَ أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ الْمُشْرِكِينَ مِثْلَيْ مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ الْعَدَدِ ; وَهُوَ بَعِيدٌ فِي الْمَعْنَى ; لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُكَثِّرِ الْمُشْرِكِينَ فِي أَعْيُنِ
[ ص: 25 ] الْمُسْلِمِينَ بَلْ أَعْلَمَنَا أَنَّهُ قَلَّلَهُمْ فِي أَعْيُنِ الْمُؤْمِنِينَ ، فَيَكُونُ الْمَعْنَى تَرَوْنَ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْمُشْرِكِينَ مِثْلَيْكُمْ فِي الْعَدَدِ وَقَدْ كَانُوا ثَلَاثَةَ أَمْثَالِهِمْ ، فَقَلَّلَ اللَّهُ الْمُشْرِكِينَ فِي أَعْيُنِ الْمُسْلِمِينَ فَأَرَاهُمْ إِيَّاهُمْ مِثْلَيْ عِدَّتِهِمْ لِتَقْوَى أَنْفُسُهُمْ وَيَقَعَ التَّجَاسُرُ ، وَقَدْ كَانُوا أُعْلِمُوا أَنَّ الْمِائَةَ مِنْهُمْ تَغْلِبُ الْمِائَتَيْنِ مِنَ الْكُفَّارِ ، وَقَلَّلَ الْمُسْلِمِينَ فِي أَعْيُنِ الْمُشْرِكِينَ لِيَجْتَرِئُوا عَلَيْهِمْ فَيَنْفُذُ حُكْمُ اللَّهِ فِيهِمْ . وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ فِي
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=13مِثْلَيْهِمْ لِلْمُسْلِمِينَ ، أَيْ تَرَوْنَ أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ الْمُسْلِمِينَ مِثْلَيْ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ مِنَ الْعَدَدِ ، أَيْ تَرَوْنَ أَنْفُسَكُمْ مِثْلَيْ عَدَدِكُمْ ; فَعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ بِهِمْ لِتَقْوَى أَنْفُسُهُمْ عَلَى لِقَاءِ الْمُشْرِكِينَ . وَالتَّأْوِيلُ الْأَوَّلُ أَوْلَى ; يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=43إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا ، وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=44وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَرُوِيَ عَنِ
ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ : قُلْتُ لِرَجُلٍ إِلَى جَنْبِي : أَتَرَاهُمْ سَبْعِينَ ؟ قَالَ : أَظُنُّهُمْ مِائَةً فَلَمَّا أَخَذْنَا الْأُسَارَى أَخْبَرُونَا أَنَّهُمْ كَانُوا أَلْفًا . وَحَكَى
الطَّبَرِيُّ عَنْ قَوْمٍ أَنَّهُمْ قَالُوا : بَلْ كَثَّرَ اللَّهُ عَدَدَ الْمُؤْمِنِينَ فِي عُيُونِ الْكَافِرِينَ حَتَّى كَانُوا عِنْدَهُمْ ضِعْفَيْنِ . وَضَعَّفَ
الطَّبَرِيُّ هَذَا الْقَوْلَ . قَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : وَكَذَلِكَ هُوَ مَرْدُودٌ مِنْ جِهَاتٍ . بَلْ قَلَّلَ اللَّهُ الْمُشْرِكِينَ فِي أَعْيُنِ الْمُؤْمِنِينَ كَمَا تَقَدَّمَ . وَعَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ كَانَ يَكُونُ " تَرَوْنَ " لِلْكَافِرِينَ ، أَيْ تَرَوْنَ أَيُّهَا الْكَافِرُونَ الْمُؤْمِنِينَ مِثْلَيْهِمْ ، وَيَحْتَمِلُ مِثْلَيْكُمْ ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ . وَزَعَمَ
الْفَرَّاءُ أَنَّ الْمَعْنَى تَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ ثَلَاثَةَ أَمْثَالِهِمْ . وَهُوَ بَعِيدٌ غَيْرُ مَعْرُوفٍ فِي اللُّغَةِ . قَالَ
الزَّجَّاجُ : وَهَذَا بَابُ الْغَلَطِ ، فِيهِ غَلَطٌ فِي جَمِيعِ الْمَقَايِيسِ ; لِأَنَّا إِنَّمَا نَعْقِلُ مِثْلَ الشَّيْءِ مُسَاوِيًا لَهُ ، وَنَعْقِلُ مِثْلَهُ مَا يُسَاوِيهِ مَرَّتَيْنِ . قَالَ
ابْنُ كَيْسَانَ : وَقَدْ بَيَّنَ
الْفَرَّاءُ قَوْلَهُ بِأَنْ قَالَ : كَمَا تَقُولُ وَعِنْدَكَ عَبْدٌ : أَحْتَاجُ إِلَى مِثْلِهِ ، فَأَنْتَ مُحْتَاجٌ إِلَيْهِ وَإِلَى مِثْلِهِ . وَتَقُولُ : أَحْتَاجُ إِلَى مِثْلَيْهِ ، فَأَنْتَ مُحْتَاجٌ إِلَى ثَلَاثَةٍ . وَالْمَعْنَى عَلَى خِلَافِ مَا قَالَهُ ، وَاللُّغَةُ . وَالَّذِي أَوْقَعَ
الْفَرَّاءَ فِي هَذَا أَنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا ثَلَاثَةَ أَمْثَالِ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ
بَدْرٍ ; فَتَوَهَّمَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونُوا يَرَوْنَهُمْ إِلَّا عَلَى عِدَّتِهِمْ ، وَهَذَا بَعِيدٌ وَلَيْسَ الْمَعْنَى عَلَيْهِ . وَإِنَّمَا أَرَاهُمُ اللَّهُ عَلَى غَيْرِ عِدَّتِهِمْ لِجِهَتَيْنِ : إِحْدَاهُمَا أَنَّهُ رَأَى الصَّلَاحَ فِي ذَلِكَ ، لِأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ تَقْوَى قُلُوبُهُمْ بِذَلِكَ . وَالْأُخْرَى أَنَّهُ آيَةٌ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَسَيَأْتِي ذِكْرُ وَقْعَةِ
بَدْرٍ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى . وَأَمَّا قِرَاءَةُ الْيَاءِ فَقَالَ
ابْنُ كَيْسَانَ : الْهَاءُ وَالْمِيمُ فِي
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=13يَرَوْنَهُمْ عَائِدَةٌ عَلَى
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=13وَأُخْرَى كَافِرَةٌ وَالْهَاءُ وَالْمِيمُ فِي
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=13مِثْلَيْهِمْ عَائِدَةٌ عَلَى
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=13فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَهَذَا مِنَ الْإِضْمَارِ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ سِيَاقُ الْكَلَامِ ، وَهُوَ قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=13يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ . فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا مِثْلَيِ الْمُسْلِمِينَ فِي رَأْيِ الْعَيْنِ وَثَلَاثَةَ أَمْثَالِهِمْ فِي الْعَدَدِ . قَالَ : وَالرُّؤْيَةُ هُنَا
لِلْيَهُودِ . وَقَالَ
مَكِّيٌّ : الرُّؤْيَةُ لِلْفِئَةِ الْمُقَاتِلَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ،
[ ص: 26 ] وَالْمَرْئِيَّةُ الْفِئَةُ الْكَافِرَةُ ; أَيْ تَرَى الْفِئَةُ الْمُقَاتِلَةُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الْفِئَةَ الْكَافِرَةَ مِثْلَيِ الْفِئَةِ الْمُؤْمِنَةِ ، وَقَدْ كَانَتِ الْفِئَةُ الْكَافِرَةُ ثَلَاثَةَ أَمْثَالِ الْمُؤْمِنَةِ فَقَلَّلَهُمُ اللَّهُ فِي أَعْيُنِهِمْ عَلَى مَا تَقَدَّمَ . وَالْخِطَابُ فِي لَكُمْ
لِلْيَهُودِ . وَقَرَأَ
ابْنُ عَبَّاسٍ وَطَلْحَةُ " تُرَوْنَهُمْ " بِضَمِ التَّاءِ ،
وَالسُّلَمِيُّ بِالتَّاءِ الْمَضْمُومَةِ عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ .
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=13وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ تَقَدَّمَ مَعْنَاهُ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ .