[ ص: 157 ]  ( واضرب لهم مثلا رجلين جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب وحففناهما بنخل وجعلنا بينهما زرعا    ( 32 ) كلتا الجنتين آتت أكلها ولم تظلم منه شيئا وفجرنا خلالهما نهرا   ( 33 ) وكان له ثمر فقال لصاحبه وهو يحاوره أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا   ( 34 ) ودخل جنته وهو ظالم لنفسه قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا   ( 35 ) وما أظن الساعة قائمة ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيرا منها منقلبا   ( 36 ) ) 
يقول الله تعالى بعد ذكر المشركين المستكبرين عن مجالسة الضعفاء والمساكين من المسلمين ، وافتخروا عليهم بأموالهم وأحسابهم ، فضرب لهم مثلا برجلين ، جعل الله ( لأحدهما جنتين   ) أي : بستانين من أعناب ، محفوفتين بالنخل المحدقة في جنباتهما ، وفي خلالهما الزروع ، وكل من الأشجار والزروع مثمر مقبل في غاية الجود ؛ ولهذا قال : ( كلتا الجنتين آتت أكلها   ) أي : خرجت ثمرها ( ولم تظلم منه شيئا   ) أي : ولم تنقص منه شيئا ( وفجرنا خلالهما نهرا   ) أي : والأنهار تتخرق فيهما هاهنا وهاهنا . 
( وكان له ثمر   ) قيل : المراد به : المال . روي عن ابن عباس  ، ومجاهد  ، وقتادة   . وقيل : الثمار وهو أظهر هاهنا ، ويؤيده القراءة الأخرى : " وكان له ثمر " بضم الثاء وتسكين الميم ، فيكون جمع ثمرة ، كخشبة وخشب ، وقرأ آخرون : ( ثمر ) بفتح الثاء والميم . 
فقال - أي صاحب هاتين [ الجنتين ] - ( لصاحبه وهو يحاوره   ) أي : يجادله ويخاصمه ، يفتخر عليه ويترأس : ( أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا   ) أي أكثر خدما وحشما وولدا . 
قال قتادة   : تلك - والله - أمنية الفاجر : كثرة المال وعزة النفر . 
وقوله : ( ودخل جنته وهو ظالم لنفسه   ) أي : بكفره وتمرده وتكبره وتجبره وإنكاره المعاد ( قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا   ) وذلك اغترار منه ، لما رأى فيها من الزروع والثمار والأشجار والأنهار المطردة في جوانبها وأرجائها ، ظن أنها لا تفنى ولا تفرغ ولا تهلك ولا تتلف وذلك لقلة عقله ، وضعف يقينه بالله ، وإعجابه بالحياة الدنيا وزينتها ، وكفره بالآخرة ؛ ولهذا قال : ( وما أظن الساعة قائمة   ) أي : كائنة ( ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيرا منها منقلبا   ) أي : ولئن كان معاد ورجعة ومرد إلى الله ، ليكونن لي هناك أحسن من هذا لأني محظى عند ربي ، ولولا كرامتي عليه ما أعطاني هذا ، كما قال في الآية الأخرى : ( ولئن رجعت إلى ربي إن لي عنده للحسنى   ) [ فصلت : 50 ] ، وقال ( أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالا وولدا   ) [ مريم : 77 ] أي : في الدار الآخرة ، تألى على الله عز  [ ص: 158 ] وجل ، وكان سبب نزولها في العاص بن وائل ، كما سيأتي بيانه في موضعه إن شاء الله تعالى ، وبه الثقة . 
				
						
						
