nindex.php?page=treesubj&link=29021 ( nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=16ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد ( 16 )
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=17إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد ( 17 )
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=18ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ( 18 )
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=19وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد ( 19 )
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=20ونفخ في الصور ذلك يوم الوعيد ( 20 )
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=21وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد ( 21 )
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=22لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد ( 22 ) )
[ ص: 398 ] يخبر تعالى عن قدرته على الإنسان بأنه خالقه ، وعمله محيط بجميع أموره حتى
nindex.php?page=treesubj&link=28781إنه تعالى يعلم ما توسوس به نفوس بني آدم من الخير والشر . وقد ثبت في الصحيح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=821408 " إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تقل أو تعمل " .
وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=16ونحن أقرب إليه من حبل الوريد ) يعني :
nindex.php?page=treesubj&link=28736_29747ملائكته تعالى أقرب إلى الإنسان من حبل وريده إليه . ومن تأوله على العلم فإنما فر لئلا يلزم حلول أو اتحاد ، وهما منفيان بالإجماع ، تعالى الله وتقدس ، ولكن اللفظ لا يقتضيه فإنه لم يقل : وأنا أقرب إليه من حبل الوريد ، وإنما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=16ونحن أقرب إليه من حبل الوريد ) كما قال في المحتضر : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=85ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون ) [ الواقعة : 85 ] ، يعني ملائكته . وكما قال [ تعالى ] : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=9إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) [ الحجر : 9 ] ، فالملائكة نزلت بالذكر - وهو القرآن - بإذن الله عز وجل . وكذلك الملائكة أقرب إلى الإنسان من حبل وريده إليه بإقدار الله لهم على ذلك ، فللملك لمة في الإنسان كما أن للشيطان لمة وكذلك : " الشيطان يجري من ابن
آدم مجرى الدم " ، كما أخبر بذلك الصادق المصدوق ; ولهذا قال هاهنا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=17إذ يتلقى المتلقيان ) يعني : الملكين اللذين يكتبان عمل الإنسان . (
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=17عن اليمين وعن الشمال قعيد ) أي : مترصد .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=18ما يلفظ ) أي : ابن آدم (
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=18من قول ) أي : ما يتكلم بكلمة (
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=18إلا لديه رقيب عتيد ) أي : إلا ولها من يراقبها معتد لذلك يكتبها ، لا يترك كلمة ولا حركة ، كما قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=82&ayano=10وإن عليكم لحافظين كراما كاتبين يعلمون ما تفعلون ) [ الانفطار : 10 - 12 ] .
وقد اختلف العلماء :
nindex.php?page=treesubj&link=29655هل يكتب الملك كل شيء من الكلام ؟ وهو قول
الحسن وقتادة ، أو إنما يكتب ما فيه ثواب وعقاب كما هو قول
ابن عباس ، على قولين ، وظاهر الآية الأول ، لعموم قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=18ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد )
وقد قال
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد : حدثنا
أبو معاوية ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17004محمد بن عمرو بن علقمة الليثي ، عن أبيه ، عن جده
علقمة ، عن
بلال بن الحارث المزني قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=823913 " إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى ما يظن أن تبلغ ما بلغت ، يكتب الله له بها رضوانه إلى يوم يلقاه . وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما يظن أن تبلغ ما بلغت ، يكتب الله عليه بها سخطه إلى يوم يلقاه " . قال : فكان
علقمة يقول : كم من كلام قد منعنيه حديث
بلال بن الحارث .
ورواه
الترمذي nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه ، من حديث
محمد بن عمرو به . وقال
الترمذي : حسن
[ ص: 399 ] صحيح . وله شاهد في الصحيح .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13669الأحنف بن قيس : صاحب اليمين يكتب الخير ، وهو أمير على صاحب الشمال ، فإن أصاب العبد خطيئة قال له : أمسك ، فإن استغفر الله تعالى نهاه أن يكتبها ، وإن أبى كتبها . رواه
ابن أبي حاتم .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري وتلا هذه الآية : (
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=17عن اليمين وعن الشمال قعيد ) : يابن آدم ، بسطت لك صحيفة ، ووكل بك ملكان كريمان أحدهما عن يمينك ، والآخر عن شمالك ، فأما الذي عن يمينك فيحفظ حسناتك ، وأما الذي عن يسارك فيحفظ سيئاتك فاعمل ما شئت ، أقلل أو أكثر حتى إذا مت طويت صحيفتك ، وجعلت في عنقك معك في قبرك ، حتى تخرج يوم القيامة ، فعند ذلك يقول : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=13وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا ) [ الإسراء : 13 ، 14 ] ثم يقول : عدل - والله - فيك من جعلك حسيب نفسك .
وقال
علي بن أبي طلحة ، عن
ابن عباس : (
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=18ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ) قال : يكتب كل ما تكلم به من خير أو شر ، حتى إنه ليكتب قوله : " أكلت ، شربت ، ذهبت ، جئت ، رأيت " ، حتى إذا كان يوم الخميس عرض قوله وعمله ، فأقر منه ما كان فيه من خير أو شر ، وألقى سائره ، وذلك قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=39يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب ) [ الرعد : 39 ] ، وذكر عن
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد أنه كان يئن في مرضه ، فبلغه عن
طاوس أنه قال : يكتب الملك كل شيء حتى الأنين . فلم يئن
أحمد حتى مات رحمه الله .
وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=19وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد ) ، يقول تعالى : وجاءت - أيها الإنسان - سكرة الموت بالحق ، أي : كشفت لك عن اليقين الذي كنت تمتري فيه ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=19ذلك ما كنت منه تحيد ) أي : هذا هو الذي كنت تفر منه قد جاءك ، فلا محيد ولا مناص ، ولا فكاك ولا خلاص .
وقد اختلف المفسرون في المخاطب بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=19وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد ) ، فالصحيح أن المخاطب بذلك الإنسان من حيث هو . وقيل : الكافر ، وقيل غير ذلك .
وقال
أبو بكر بن أبي الدنيا : حدثنا
إبراهيم بن زياد - سبلان - أخبرنا
عباد بن عباد عن
محمد بن عمرو بن علقمة ، عن أبيه عن جده
nindex.php?page=showalam&ids=16590علقمة بن وقاص أن
عائشة رضي الله عنها ، قالت : حضرت أبي وهو يموت ، وأنا جالسة عند رأسه ، فأخذته غشية فتمثلت ببيت من الشعر :
من لا يزال دمعه مقنعا فإنه لا بد مرة مدقوق
[ ص: 400 ] قالت : فرفع رأسه فقال : يا بنية ، ليس كذلك ولكن كما قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=19وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد ) .
وحدثنا
خلف بن هشام ; حدثنا
أبو شهاب [ الخياط ] ، عن
إسماعيل بن أبي خالد ، عن
البهي قال : لما أن ثقل
أبو بكر رضي الله عنه ، جاءت
عائشة رضي الله عنها ، فتمثلت بهذا البيت :
لعمرك ما يغني الثراء عن الفتى إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر
فكشف عن وجهه وقال : ليس كذلك ، ولكن قولي : (
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=19وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد ) وقد أوردت لهذا الأثر طرقا [ كثيرة ] في سيرة
الصديق عند ذكر وفاته رضي الله عنه .
وقد ثبت في الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3501390لما تغشاه الموت جعل يمسح العرق عن وجهه ويقول : " سبحان الله ! nindex.php?page=treesubj&link=32890إن للموت لسكرات " . وفي قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=19ذلك ما كنت منه تحيد ) قولان :
أحدهما : أن " ما " هاهنا موصولة ، أي : الذي كنت منه تحيد - بمعنى : تبتعد وتنأى وتفر - قد حل بك ونزل بساحتك .
والقول الثاني : أن " ما " نافية بمعنى : ذلك ما كنت تقدر على الفرار منه ولا الحيد عنه .
وقد قال
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني في المعجم الكبير : حدثنا
محمد بن علي الصائغ المكي ، حدثنا
حفص بن عمر الحدي ، حدثنا
معاذ بن محمد الهذلي ، عن
يونس بن عبيد ، عن
الحسن ، عن
سمرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "
مثل الذي يفر من الموت مثل الثعلب ، تطلبه الأرض بدين ، فجاء يسعى حتى إذا أعيى وأسهر دخل جحره ، فقالت له الأرض : يا ثعلب ديني . فخرج وله حصاص ، فلم يزل كذلك حتى تقطعت عنقه ومات " .
ومضمون هذا المثل : كما لا انفكاك له ولا محيد عن الأرض كذلك الإنسان لا محيد له عن الموت .
وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=20ونفخ في الصور ذلك يوم الوعيد ) . قد تقدم الكلام على حديث
nindex.php?page=treesubj&link=30293النفخ في الصور والفزع والصعق والبعث ، وذلك يوم القيامة . وفي الحديث أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=823914كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم القرن وحنى جبهته ، وانتظر أن يؤذن له " . قالوا : يا رسول الله كيف نقول ؟ قال : " قولوا حسبنا الله ونعم الوكيل " . فقال القوم : حسبنا الله ونعم الوكيل .
[ ص: 401 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=21وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد ) أي : ملك يسوقه إلى المحشر ، وملك يشهد عليه بأعماله . هذا هو الظاهر من الآية الكريمة . وهو اختيار
ابن جرير ، ثم روي من حديث
إسماعيل بن أبي خالد عن
يحيى بن رافع - مولى
لثقيف - قال : سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان بن عفان يخطب ، فقرأ هذه الآية : (
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=21وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد ) ، فقال : سائق يسوقها إلى الله ، وشاهد يشهد عليها بما عملت . وكذا قال
مجاهد ،
وقتادة ،
وابن زيد .
وقال
مطرف ، عن
أبي جعفر - مولى أشجع - عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة : السائق : الملك والشهيد : العمل . وكذا قال
الضحاك nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي .
وقال
العوفي عن
ابن عباس : السائق من الملائكة ، والشهيد :
nindex.php?page=treesubj&link=30359الإنسان نفسه ، يشهد على نفسه . وبه قال
الضحاك بن مزاحم أيضا .
وحكى
ابن جرير ثلاثة أقوال في المراد بهذا الخطاب في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=22لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد )
أحدها : أن المراد بذلك الكافر . رواه
علي بن أبي طلحة ، عن
ابن عباس . وبه يقول
الضحاك بن مزاحم nindex.php?page=showalam&ids=16214وصالح بن كيسان .
والثاني : أن المراد بذلك كل أحد من بر وفاجر ; لأن الآخرة بالنسبة إلى الدنيا كاليقظة والدنيا كالمنام . وهذا اختيار
ابن جرير ، ونقله عن
حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس .
والثالث : أن المخاطب بذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - . وبه يقول
nindex.php?page=showalam&ids=15944زيد بن أسلم ، وابنه . والمعنى على قولهما : لقد كنت في غفلة من هذا الشأن قبل أن يوحى إليك ، فكشفنا عنك غطاءك بإنزاله إليك ، فبصرك اليوم حديد .
والظاهر من السياق خلاف هذا ، بل الخطاب مع الإنسان من حيث هو ، والمراد بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=22لقد كنت في غفلة من هذا ) يعني : من هذا اليوم ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=22فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد ) أي : قوي ; لأن كل واحد يوم القيامة يكون مستبصرا حتى الكفار في الدنيا يكونون يوم القيامة على الاستقامة ، لكن لا ينفعهم ذلك . قال الله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=38أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا ) [ مريم : 38 ] ، وقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=12ولو ترى إذ المجرمون ناكسو رءوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون ) [ السجدة : 12 ] .
nindex.php?page=treesubj&link=29021 ( nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=16وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ( 16 )
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=17إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ ( 17 )
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=18مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ( 18 )
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=19وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ ( 19 )
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=20وَنُفِخَ فِي الصُّوَرِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ ( 20 )
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=21وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ ( 21 )
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=22لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ( 22 ) )
[ ص: 398 ] يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ قُدْرَتِهِ عَلَى الْإِنْسَانِ بِأَنَّهُ خَالِقُهُ ، وَعَمَلُهُ مُحِيطٌ بِجَمِيعِ أُمُورِهِ حَتَّى
nindex.php?page=treesubj&link=28781إِنَّهُ تَعَالَى يَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نُفُوسُ بَنِي آدَمَ مِنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ . وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=821408 " إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِأُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تَقُلْ أَوْ تَعْمَلْ " .
وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=16وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ) يَعْنِي :
nindex.php?page=treesubj&link=28736_29747مَلَائِكَتُهُ تَعَالَى أَقْرَبُ إِلَى الْإِنْسَانِ مِنْ حَبْلِ وَرِيدِهِ إِلَيْهِ . وَمَنْ تَأَوَّلَهُ عَلَى الْعِلْمِ فَإِنَّمَا فَرَّ لِئَلَّا يَلْزَمَ حُلُولٌ أَوِ اتِّحَادٌ ، وَهُمَا مَنْفَيَّانِ بِالْإِجْمَاعِ ، تَعَالَى اللَّهُ وَتَقَدَّسَ ، وَلَكِنَّ اللَّفْظَ لَا يَقْتَضِيهِ فَإِنَّهُ لَمْ يَقِلْ : وَأَنَا أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ، وَإِنَّمَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=16وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ) كَمَا قَالَ فِي الْمُحْتَضِرِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=85وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ ) [ الْوَاقِعَةِ : 85 ] ، يَعْنِي مَلَائِكَتَهُ . وَكَمَا قَالَ [ تَعَالَى ] : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=9إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) [ الْحِجْرِ : 9 ] ، فَالْمَلَائِكَةُ نَزَلَتْ بِالذِّكْرِ - وَهُوَ الْقُرْآنُ - بِإِذْنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ . وَكَذَلِكَ الْمَلَائِكَةُ أَقْرَبُ إِلَى الْإِنْسَانِ مِنْ حَبْلِ وَرِيدِهِ إِلَيْهِ بِإِقْدَارِ اللَّهِ لَهُمْ عَلَى ذَلِكَ ، فَلِلْمَلَكِ لَمَّةٌ فِي الْإِنْسَانِ كَمَا أَنَّ لِلشَّيْطَانِ لَمَّةً وَكَذَلِكَ : " الشَّيْطَانُ يَجْرِي مِنَ ابْنِ
آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ " ، كَمَا أَخْبَرَ بِذَلِكَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ ; وَلِهَذَا قَالَ هَاهُنَا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=17إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ ) يَعْنِي : الْمَلَكَيْنِ اللَّذَيْنِ يَكْتُبَانِ عَمَلَ الْإِنْسَانِ . (
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=17عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ ) أَيْ : مُتَرَصِّدٌ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=18مَا يَلْفِظُ ) أَيِ : ابْنُ آدَمَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=18مِنْ قَوْلٍ ) أَيْ : مَا يَتَكَلَّمُ بِكَلِمَةٍ (
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=18إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ) أَيْ : إِلَّا وَلَهَا مَنْ يُرَاقِبُهَا مُعْتَدٍ لِذَلِكَ يَكْتُبُهَا ، لَا يَتْرُكُ كَلِمَةً وَلَا حَرَكَةً ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=82&ayano=10وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ ) [ الِانْفِطَارِ : 10 - 12 ] .
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ :
nindex.php?page=treesubj&link=29655هَلْ يَكْتُبُ الْمَلَكُ كُلَّ شَيْءٍ مِنَ الْكَلَامِ ؟ وَهُوَ قَوْلُ
الْحَسَنِ وقَتَادَةَ ، أَوْ إِنَّمَا يَكْتُبُ مَا فِيهِ ثَوَابٌ وَعِقَابٌ كَمَا هُوَ قَوْلُ
ابْنِ عَبَّاسٍ ، عَلَى قَوْلَيْنِ ، وَظَاهِرُ الْآيَةِ الْأَوَّلُ ، لِعُمُومِ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=18مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ )
وَقَدْ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12251الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا
أَبُو مُعَاوِيَةَ ، حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=17004مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ اللَّيْثِيُّ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ
عَلْقَمَةَ ، عَنْ
بِلَالِ بْنِ الْحَارِثِ الْمُزَنِيِّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=823913 " إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ تَعَالَى مَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ ، يَكْتُبُ اللَّهُ لَهُ بِهَا رِضْوَانَهُ إِلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ . وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ مَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ ، يَكْتُبُ اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا سَخَطَهُ إِلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ " . قَالَ : فَكَانَ
عَلْقَمَةُ يَقُولُ : كَمْ مِنْ كَلَامٍ قَدْ مَنَعَنِيهِ حَدِيثُ
بِلَالِ بْنِ الْحَارِثِ .
وَرَوَاهُ
التِّرْمِذِيُّ nindex.php?page=showalam&ids=15397وَالنَّسَائِيُّ nindex.php?page=showalam&ids=13478وَابْنُ مَاجَهْ ، مِنْ حَدِيثِ
مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو بِهِ . وَقَالَ
التِّرْمِذِيُّ : حَسَنٌ
[ ص: 399 ] صَحِيحٌ . وَلَهُ شَاهِدٌ فِي الصَّحِيحِ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13669الْأَحْنَفُ بْنُ قَيْسٍ : صَاحِبُ الْيَمِينِ يَكْتُبُ الْخَيْرَ ، وَهُوَ أَمِيرٌ عَلَى صَاحِبِ الشِّمَالِ ، فَإِنْ أَصَابَ الْعَبْدُ خَطِيئَةً قَالَ لَهُ : أَمْسِكْ ، فَإِنِ اسْتَغْفَرَ اللَّهَ تَعَالَى نَهَاهُ أَنْ يَكْتُبَهَا ، وَإِنْ أَبَى كَتَبَهَا . رَوَاهُ
ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14102الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=17عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ ) : يَابْنَ آدَمَ ، بُسِطَتْ لَكَ صَحِيفَةٌ ، وَوُكِّلَ بِكَ مَلَكَانِ كَرِيمَانِ أَحَدَهُمَا عَنْ يَمِينِكَ ، وَالْآخَرُ عَنْ شِمَالِكَ ، فَأَمَّا الَّذِي عَنْ يَمِينِكَ فَيَحْفَظُ حَسَنَاتِكَ ، وَأَمَّا الَّذِي عَنْ يَسَارِكَ فَيَحْفَظُ سَيِّئَاتِكَ فَاعْمَلْ مَا شِئْتَ ، أَقْلِلْ أَوْ أَكْثِرْ حَتَّى إِذَا مِتَّ طُوِيَتْ صَحِيفَتُكَ ، وَجُعِلَتْ فِي عُنُقِكَ مَعَكَ فِي قَبْرِكَ ، حَتَّى تَخْرُجَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، فَعِنْدَ ذَلِكَ يَقُولُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=13وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا ) [ الْإِسْرَاءِ : 13 ، 14 ] ثُمَّ يَقُولُ : عَدَلَ - وَاللَّهِ - فِيكَ مَنْ جَعَلَكَ حَسِيبَ نَفْسِكَ .
وَقَالَ
عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=18مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ) قَالَ : يَكْتُبُ كُلَّ مَا تَكَلَّمَ بِهِ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ ، حَتَّى إِنَّهُ لَيَكْتُبُ قَوْلَهُ : " أَكَلْتُ ، شَرِبْتُ ، ذَهَبْتُ ، جِئْتُ ، رَأَيْتُ " ، حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمُ الْخَمِيسِ عَرَضَ قَوْلَهُ وَعَمَلَهُ ، فَأَقَرَّ مِنْهُ مَا كَانَ فِيهِ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ ، وَأَلْقَى سَائِرَهُ ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=39يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ) [ الرَّعْدِ : 39 ] ، وَذُكِرَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=12251الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ كَانَ يَئِنُّ فِي مَرَضِهِ ، فَبَلَغَهُ عَنْ
طَاوُسٍ أَنَّهُ قَالَ : يَكْتُبُ الْمَلَكُ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى الْأَنِينَ . فَلَمْ يَئِنَّ
أَحْمَدُ حَتَّى مَاتَ رَحِمَهُ اللَّهُ .
وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=19وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ ) ، يَقُولُ تَعَالَى : وَجَاءَتْ - أَيُّهَا الْإِنْسَانُ - سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ، أَيْ : كَشَفَتْ لَكَ عَنِ الْيَقِينِ الَّذِي كُنْتَ تَمْتَرِي فِيهِ ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=19ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ ) أَيْ : هَذَا هُوَ الَّذِي كُنْتَ تَفِرُّ مِنْهُ قَدْ جَاءَكَ ، فَلَا مَحِيدَ وَلَا مَنَاصَ ، وَلَا فِكَاكَ وَلَا خَلَاصَ .
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي الْمُخَاطَبِ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=19وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ ) ، فَالصَّحِيحُ أَنَّ الْمُخَاطَبَ بِذَلِكَ الْإِنْسَانُ مِنْ حَيْثُ هُوَ . وَقِيلَ : الْكَافِرُ ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ .
وَقَالَ
أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا : حَدَّثَنَا
إِبْرَاهِيمُ بْنُ زِيَادٍ - سَبَلَانُ - أَخْبَرَنَا
عَبَّادُ بْنُ عَبَّادٍ عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ
nindex.php?page=showalam&ids=16590عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ أَنَّ
عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، قَالَتْ : حَضَرْتُ أَبِي وَهُوَ يَمُوتُ ، وَأَنَا جَالِسَةٌ عِنْدَ رَأْسِهِ ، فَأَخَذَتْهُ غَشْيَةٌ فَتَمَثَّلْتُ بِبَيْتٍ مِنَ الشِّعْرِ :
مَنْ لَا يَزَالُ دَمْعُهُ مُقَنَّعًا فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مَرَّةً مَدْقُوقُ
[ ص: 400 ] قَالَتْ : فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ : يَا بُنَيَّةُ ، لَيْسَ كَذَلِكَ وَلَكِنْ كَمَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=19وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ ) .
وَحَدَّثَنَا
خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ ; حَدَّثَنَا
أَبُو شِهَابٍ [ الْخَيَّاطُ ] ، عَنْ
إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ ، عَنِ
الْبَهِيِّ قَالَ : لَمَّا أَنْ ثَقُلَ
أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، جَاءَتْ
عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، فَتَمَثَّلَتْ بِهَذَا الْبَيْتِ :
لَعَمْرُكَ مَا يُغْنِي الثَّرَاءُ عَنِ الْفَتَى إِذَا حَشْرَجَتْ يَوْمًا وَضَاقَ بِهَا الصَّدْرُ
فَكَشَفَ عَنْ وَجْهِهِ وَقَالَ : لَيْسَ كَذَلِكَ ، وَلَكِنَّ قَوْلِي : (
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=19وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ ) وَقَدْ أَوْرَدْتُ لِهَذَا الْأَثَرِ طُرُقًا [ كَثِيرَةً ] فِي سِيرَةِ
الصِّدِّيقِ عِنْدَ ذِكْرِ وَفَاتِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .
وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3501390لَمَّا تَغَشَّاهُ الْمَوْتُ جَعَلَ يَمْسَحُ الْعَرَقَ عَنْ وَجْهِهِ وَيَقُولُ : " سُبْحَانَ اللَّهِ ! nindex.php?page=treesubj&link=32890إِنَّ لِلْمَوْتِ لَسَكَرَاتٍ " . وَفِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=19ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ ) قَوْلَانِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّ " مَا " هَاهُنَا مَوْصُولَةٌ ، أَيِ : الَّذِي كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ - بِمَعْنَى : تَبْتَعِدُ وَتَنْأَى وَتَفِرُّ - قَدْ حَلَّ بِكَ وَنَزَلَ بِسَاحَتِكَ .
وَالْقَوْلُ الثَّانِي : أَنَّ " مَا " نَافِيَةٌ بِمَعْنَى : ذَلِكَ مَا كُنْتَ تَقْدِرُ عَلَى الْفِرَارِ مِنْهُ وَلَا الْحَيْدِ عَنْهُ .
وَقَدْ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطَّبَرَانِيُّ فِي الْمُعْجَمِ الْكَبِيرِ : حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الصَّائِغُ الْمَكِّيُّ ، حَدَّثَنَا
حَفْصُ بْنُ عُمَرَ الْحُدَيُّ ، حَدَّثَنَا
مُعَاذُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْهُذَلِيُّ ، عَنْ
يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ ، عَنِ
الْحَسَنِ ، عَنْ
سَمُرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : "
مَثَلُ الَّذِي يَفِرُّ مِنَ الْمَوْتِ مَثَلُ الثَّعْلَبِ ، تَطْلُبُهُ الْأَرْضُ بِدَيْنٍ ، فَجَاءَ يَسْعَى حَتَّى إِذَا أَعْيَى وَأَسْهَرَ دَخَلَ جُحْرَهُ ، فَقَالَتْ لَهُ الْأَرْضُ : يَا ثَعْلَبُ دَيْنِي . فَخَرَجَ وَلَهُ حِصَاصٌ ، فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى تَقَطَّعَتْ عُنُقُهُ وَمَاتَ " .
وَمَضْمُونُ هَذَا الْمَثَلِ : كَمَا لَا انْفِكَاكَ لَهُ وَلَا مَحِيدَ عَنِ الْأَرْضِ كَذَلِكَ الْإِنْسَانُ لَا مَحِيدَ لَهُ عَنِ الْمَوْتِ .
وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=20وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ ) . قَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى حَدِيثِ
nindex.php?page=treesubj&link=30293النَّفْخِ فِي الصُّوَرِ وَالْفَزَعِ وَالصَّعْقِ وَالْبَعْثِ ، وَذَلِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ . وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=823914كَيْفَ أَنْعَمُ وَصَاحِبُ الْقَرْنِ قَدِ الْتَقَمَ الْقَرْنَ وَحَنَى جَبْهَتَهُ ، وَانْتَظَرَ أَنْ يُؤْذَنَ لَهُ " . قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ نَقُولُ ؟ قَالَ : " قُولُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ " . فَقَالَ الْقَوْمُ : حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ .
[ ص: 401 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=21وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ ) أَيْ : مَلَكٌ يَسُوقُهُ إِلَى الْمَحْشَرِ ، وَمَلَكٌ يَشْهَدُ عَلَيْهِ بِأَعْمَالِهِ . هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنَ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ . وَهُوَ اخْتِيَارُ
ابْنِ جَرِيرٍ ، ثُمَّ رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ
إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ
يَحْيَى بْنِ رَافِعٍ - مَوْلًى
لِثَقِيفٍ - قَالَ : سَمِعْتُ
nindex.php?page=showalam&ids=7عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ يَخْطُبُ ، فَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=21وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ ) ، فَقَالَ : سَائِقٌ يَسُوقُهَا إِلَى اللَّهِ ، وَشَاهِدٌ يَشْهَدُ عَلَيْهَا بِمَا عَمِلَتْ . وَكَذَا قَالَ
مُجَاهِدٌ ،
وقَتَادَةُ ،
وَابْنُ زَيْدٍ .
وَقَالَ
مُطَرِّفٌ ، عَنْ
أَبِي جَعْفَرٍ - مَوْلَى أَشْجَعَ - عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ : السَّائِقُ : الْمَلَكُ وَالشَّهِيدُ : الْعَمَلُ . وَكَذَا قَالَ
الضَّحَّاكُ nindex.php?page=showalam&ids=14468وَالسُّدِّيُّ .
وَقَالَ
الْعَوْفِيُّ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ : السَّائِقُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ ، وَالشَّهِيدُ :
nindex.php?page=treesubj&link=30359الْإِنْسَانُ نَفْسُهُ ، يَشْهَدُ عَلَى نَفْسِهِ . وَبِهِ قَالَ
الضَّحَّاكُ بْنُ مُزَاحِمٍ أَيْضًا .
وَحَكَى
ابْنُ جَرِيرٍ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ فِي الْمُرَادِ بِهَذَا الْخِطَابِ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=22لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ )
أَحَدُهَا : أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ الْكَافِرُ . رَوَاهُ
عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ . وَبِهِ يَقُولُ
الضَّحَّاكُ بْنُ مُزَاحِمٍ nindex.php?page=showalam&ids=16214وَصَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ .
وَالثَّانِي : أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ كُلُّ أَحَدٍ مِنْ بَرٍّ وَفَاجِرٍ ; لِأَنَّ الْآخِرَةَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الدُّنْيَا كَالْيَقِظَةِ وَالدُّنْيَا كَالْمَنَامِ . وَهَذَا اخْتِيَارُ
ابْنِ جَرِيرٍ ، وَنَقَلَهُ عَنْ
حُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ .
وَالثَّالِثُ : أَنَّ الْمُخَاطَبَ بِذَلِكَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - . وَبِهِ يَقُولُ
nindex.php?page=showalam&ids=15944زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ ، وَابْنُهُ . وَالْمَعْنَى عَلَى قَوْلِهِمَا : لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا الشَّأْنِ قَبْلَ أَنْ يُوحَى إِلَيْكَ ، فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ بِإِنْزَالِهِ إِلَيْكَ ، فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ .
وَالظَّاهِرُ مِنَ السِّيَاقِ خِلَافُ هَذَا ، بَلِ الْخِطَابُ مَعَ الْإِنْسَانِ مِنْ حَيْثُ هُوَ ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=22لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا ) يَعْنِي : مِنْ هَذَا الْيَوْمِ ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=22فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ) أَيْ : قَوِيٌّ ; لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ مُسْتَبْصِرًا حَتَّى الْكُفَّارُ فِي الدُّنْيَا يَكُونُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى الِاسْتِقَامَةِ ، لَكِنْ لَا يَنْفَعُهُمْ ذَلِكَ . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=38أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا ) [ مَرْيَمَ : 38 ] ، وَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=12وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ ) [ السَّجْدَةِ : 12 ] .