وهذا أيضا تضمن محذوفا ، تقديره : أنه وجد هذا الغلام المبشر به ، وهو يحيى ، عليه السلام ، وأن الله علمه الكتاب ، وهو التوراة التي كانوا يتدارسونها بينهم ، ويحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار . وقد كان سنه إذ ذاك صغيرا ، فلهذا نوه بذكره ، وبما أنعم به عليه وعلى والديه ، فقال : ( يا يحيى خذ الكتاب بقوة ) أي : تعلم الكتاب ) بقوة ) أي : بجد وحرص واجتهاد ( وآتيناه الحكم صبيا ) أي : الفهم والعلم والجد والعزم ، والإقبال على الخير ، والإكباب عليه ، والاجتهاد فيه وهو صغير حدث السن .
قال : قال عبد الله بن المبارك معمر : قال الصبيان ليحيى بن زكريا : اذهب بنا نلعب . قال : ما للعب خلقت ، قال : فلهذا أنزل الله : ( وآتيناه الحكم صبيا ) .
وقوله : ( وحنانا من لدنا ) قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : ( وحنانا من لدنا ) يقول : ورحمة من عندنا ، وكذا قال عكرمة ، وقتادة ، والضحاك وزاد : لا يقدر عليها غيرنا . وزاد قتادة : رحم بها زكريا .
وقال مجاهد : ( وحنانا من لدنا ) وتعطفا من ربه عليه .
وقال عكرمة : ( وحنانا من لدنا ) قال : محبة عليه . وقال ابن زيد : أما الحنان فالمحبة . وقال عطاء بن أبي رباح : ( وحنانا من لدنا ) ، قال : تعظيما من لدنا .
[ ص: 217 ]
وقال : أخبرني ابن جريج ، أنه سمع عمرو بن دينار عكرمة عن ابن عباس قال : لا والله ما أدري ما حنانا .
وقال ابن جرير : حدثنا ابن حميد ، حدثنا جرير ، عن منصور : سألت سعيد بن جبير عن قوله : ( وحنانا من لدنا ) ، فقال : سألت عنها عباسا ، فلم يحر فيها شيئا .
والظاهر من هذا السياق أن : ( وحنانا من لدنا ) معطوف على قوله : ( وآتيناه الحكم صبيا ) أي : وآتيناه الحكم وحنانا ، ( وزكاة ) أي : وجعلناه ذا حنان وزكاة ، فالحنان هو المحبة في شفقة وميل كما تقول العرب : حنت الناقة على ولدها ، وحنت المرأة على زوجها . ومنه سميت المرأة " حنة " من الحنة ، وحن الرجل إلى وطنه ، ومنه التعطف والرحمة ، كما قال الشاعر :
تحنن علي هداك المليك فإن لكل مقام مقالا
وفي المسند ، عن للإمام أحمد أنس ، رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يبقى رجل في النار ينادي ألف سنة : يا حنان يا منان "
وقد يثني ومنهم من يجعل ما ورد من ذلك لغة بذاتها ، كما قال طرفة :
أنا منذر أفنيت فاستبق بعضنا حنانيك بعض الشر أهون من بعض
وقوله : ( وزكاة ) معطوف على ) وحنانا ) فالزكاة الطهارة من الدنس والآثام والذنوب .
وقال قتادة : الزكاة العمل الصالح .
وقال الضحاك : العمل الصالح الزكي . وابن جريج
وقال العوفي عن ابن عباس : ( وزكاة ) قال : بركة ( وكان تقيا ) طهر ، فلم يعمل بذنب .
وقوله : ( وبرا بوالديه ولم يكن جبارا عصيا ) لما ذكر تعالى طاعته لربه ، وأنه خلقه ذا رحمة وزكاة وتقى ، عطف بذكر طاعته لوالديه وبره بهما ، ومجانبته عقوقهما ، قولا وفعلا وأمرا ونهيا; ولهذا قال : ( ولم يكن جبارا عصيا ) ثم قال بعد هذه الأوصاف الجميلة جزاء له على ذلك : ( وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا ) أي : له الأمان في هذه الثلاثة الأحوال .
وقال سفيان بن عيينة : أوحش ما يكون الخلق في ثلاثة مواطن : يوم يولد ، فيرى نفسه خارجا مما كان فيه ، ويوم يموت فيرى قوما لم يكن عاينهم ، ويوم يبعث ، فيرى نفسه في محشر عظيم . قال : فأكرم الله فيها يحيى بن زكريا فخصه بالسلام عليه ، ( وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا ) [ ص: 218 ] رواه ابن جرير عن أحمد بن منصور المروزي عن صدقة بن الفضل عنه .
وقال عبد الرزاق : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله : ( جبارا عصيا ) ، قال : كان ابن المسيب يذكر ، قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : يحيى بن زكريا " ما من أحد يلقى الله يوم القيامة إلا ذا ذنب ، إلا . قال " قتادة : ما أذنب ولا هم بامرأة . مرسل
وقال محمد بن إسحاق ، عن يحيى بن سعيد ، عن ، حدثني سعيد بن المسيب ابن العاص أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : يحيى بن زكريا " ابن إسحاق هذا مدلس ، وقد عنعن هذا الحديث ، فالله أعلم . " كل بني آدم يأتي يوم القيامة وله ذنب ، إلا ما كان من
وقال : حدثنا الإمام أحمد عفان ، حدثنا حماد ، أخبرنا علي بن زيد ، عن يوسف بن مهران ، عن ابن عباس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : يحيى بن زكريا ، يونس بن متى " وما ينبغي لأحد أن يقول : أنا خير من " ما من أحد من ولد آدم إلا وقد أخطأ ، أو هم بخطيئة ، ليس
وهذا أيضا ضعيف ; لأن له منكرات كثيرة ، والله أعلم . علي بن زيد بن جدعان
وقال ، عن سعيد بن أبي عروبة قتادة : أن حسنا قال : يحيى وعيسى ، عليهما السلام ، التقيا ، فقال له عيسى : استغفر لي ، أنت خير مني ، فقال له الآخر : استغفر لي فأنت خير مني . فقال له إن عيسى : أنت خير مني ، سلمت على نفسي ، وسلم الله عليك ، فعرف والله فضلهما .