( أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين من ذرية آدم وممن حملنا مع نوح ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل وممن هدينا واجتبينا إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا ( 58 ) )
يقول تعالى : هؤلاء النبيون . وليس المراد هؤلاء المذكورين في هذه السورة فقط ، بل جنس الأنبياء عليهم السلام ، استطرد من ذكر الأشخاص إلى الجنس - ( الذين أنعم الله عليهم من النبيين من ذرية آدم ) الآية .
[ ص: 242 ]
قال السدي ، رحمه الله : فالذي عنى به من ذرية وابن جرير آدم : إدريس ، والذي عنى به من ذرية من حملنا مع نوح : إبراهيم والذي عنى به من ذرية إبراهيم : إسحاق ويعقوب وإسماعيل ، والذي عنى به من ذرية إسرائيل : موسى ، وهارون ، وزكريا ويحيى وعيسى ابن مريم .
قال ابن جرير : ولذلك فرق أنسابهم ، وإن كان يجمع جميعهم آدم ; لأن فيهم من ليس من ولد من كان مع نوح في السفينة ، وهو إدريس ، فإنه جد نوح .
قلت : هذا هو الأظهر أن إدريس في عمود نسب نوح ، عليهما السلام . ، أخذا من حديث الإسراء ، حيث قال في سلامه على النبي صلى الله عليه وسلم : وقد قيل : إنه من أنبياء بني إسرائيل ، ولم يقل : " مرحبا بالنبي الصالح ، والأخ الصالح " ، كما قال " والولد الصالح " آدم وإبراهيم ، عليهما السلام .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا يونس ، أنبأنا ابن وهب ، أخبرني ابن لهيعة ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن عبد الله بن محمد أن إدريس أقدم من نوح بعثه الله إلى قومه ، فأمرهم أن يقولوا : " لا إله إلا الله " ، ويعملوا ما شاءوا فأبوا ، فأهلكهم الله عز وجل .
ومما يؤيد أن المراد بهذه الآية جنس الأنبياء ، أنها كقوله تعالى في سورة الأنعام : ( وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء إن ربك حكيم عليم ووهبنا له إسحاق ويعقوب كلا هدينا ونوحا هدينا من قبل ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس كل من الصالحين وإسماعيل واليسع ويونس ولوطا وكلا فضلنا على العالمين ومن آبائهم وذرياتهم وإخوانهم واجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم ) إلى أن قال : ( أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده قل لا أسألكم عليه أجرا إن هو إلا ذكرى للعالمين ) الأنعام [ : 83 - 90 ] وقال تعالى : ( منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك ) [ غافر : 78 ] . وفي صحيح عن البخاري ، مجاهد : أنه سأل ابن عباس : ، ثم تلا هذه الآية : ( أفي " ص " سجدة ؟ قال : نعم أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده ) ، فنبيكم ممن أمر أن يقتدي بهم ، قال : وهو منهم ، يعني داود .
وقال الله تعالى في هذه الآية الكريمة : ( إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا ) أي : إذا سمعوا كلام الله المتضمن حججه ودلائله وبراهينه ، سجدوا لربهم خضوعا واستكانة ، وحمدا وشكرا على ما هم فيه من النعم العظيمة .
" والبكي " : جمع باك ، فلهذا أجمع العلماء على شرعية السجود هاهنا ، اقتداء بهم ، واتباعا لمنوالهم
قال ، عن سفيان الثوري الأعمش ، عن إبراهيم ، عن أبي معمر قال : ، رضي [ ص: 243 ] الله عنه ، سورة عمر بن الخطاب مريم ، فسجد وقال : هذا السجود ، فأين البكي ؟ يريد البكاء . قرأ
رواه ابن أبي حاتم وابن جرير ، وسقط من روايته ذكر " أبي معمر " فيما رأيت ، والله أعلم .