( قال فمن ربكما يا موسى    ( 49 ) قال ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى   ( 50 ) قال فما بال القرون الأولى   ( 51 ) ) 
( قال علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى   ( 52 ) ) . 
يقول تعالى مخبرا عن فرعون  أنه قال لموسى  منكرا وجود الصانع الخالق ، إله كل شيء وربه ومليكه ، قال : ( فمن ربكما يا موسى   ) أي : الذي بعثك وأرسلك من هو ؟ فإني لا أعرفه ، وما علمت لكم من إله غيري ، ( قال ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى   ) . قال علي بن أبي طلحة  ، عن ابن عباس  يقول : خلق لكل شيء زوجة . 
 [ ص: 298 ] 
وقال الضحاك  عن ابن عباس   : جعل الإنسان إنسانا ، والحمار حمارا ، والشاة شاة . 
وقال ليث بن أبي سليم  ، عن مجاهد   : أعطى كل شيء صورته . 
وقال ابن أبي نجيح  ، عن مجاهد   : سوى خلق كل دابة . 
وقال سعيد بن جبير  في قوله : ( أعطى كل شيء خلقه ثم هدى   ) قال : أعطى كل ذي خلق ما يصلحه من خلقه ، ولم يجعل للإنسان من خلق الدابة ، ولا للدابة من خلق الكلب ، ولا للكلب من خلق الشاة ، وأعطى كل شيء ما ينبغي له من النكاح ، وهيأ كل شيء على ذلك ، ليس شيء منها يشبه شيئا من أفعاله في الخلق والرزق والنكاح . 
وقال بعض المفسرين : ( أعطى كل شيء خلقه ثم هدى   ) كقوله تعالى : ( والذي قدر فهدى   ) [ الأعلى : 3 ] أي : قدر قدرا ، وهدى الخلائق إليه ، أي : كتب الأعمال والآجال والأرزاق ، ثم الخلائق ماشون على ذلك ، لا يحيدون عنه ، ولا يقدر أحد على الخروج منه . يقول : ربنا الذي خلق الخلق وقدر القدر ، وجبل الخليقة على ما أراد . 
( قال فما بال القرون الأولى   ) أصح الأقوال في معنى ذلك : أن فرعون  لما أخبره موسى  بأن ربه الذي أرسله هو الذي خلق ورزق وقدر فهدى ، شرع يحتج بالقرون الأولى ، أي : الذين لم يعبدوا الله ، أي : فما بالهم إذا كان الأمر كما تقول ، لم يعبدوا ربك بل عبدوا غيره ؟ فقال له موسى  في جواب ذلك : هم وإن لم يعبدوه فإن عملهم عند الله مضبوط عليهم ، وسيجزيهم بعملهم في كتاب الله ، وهو اللوح المحفوظ وكتاب الأعمال ، ( لا يضل ربي ولا ينسى   ) أي : لا يشذ عنه شيء ، ولا يفوته صغير ولا كبير ، ولا ينسى شيئا . يصف علمه تعالى بأنه بكل شيء محيط ، وأنه لا ينسى شيئا ، تبارك وتعالى وتقدس ، فإن علم المخلوق يعتريه نقصانان : أحدهما : عدم الإحاطة بالشيء ، والآخر : نسيانه بعد علمه ، فنزه نفسه عن ذلك . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					