وقول الله تعالى : ( من لم يتغن بالقرآن أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم ) [ العنكبوت : 51 ]
حدثنا يحيى بن بكير ، حدثنا الليث ، حدثنا عقيل ، عن ابن شهاب قال : أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن ، عن - رضي الله عنه - أنه كان يقول : أبي هريرة ، وقال صاحب له : يريد : يجهر به . فرد من هذا الوجه . ثم رواه عن قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لم يأذن الله لشيء ، ما أذن لنبي أن يتغنى بالقرآن ، عن علي بن عبد الله بن المديني سفيان بن عيينة ، عن الزهري به . قال سفيان : تفسيره : يستغني به ، وقد أخرجه مسلم من حديث والنسائي سفيان بن عيينة ومعناه : أن الله ما استمع لشيء كاستماعه لقراءة نبي يجهر بقراءته ويحسنها ، وذلك أنه يجتمع في قراءة الأنبياء طيب الصوت لكمال خلقهم وتمام الخشية ، وذلك هو الغاية في ذلك .
وهو - سبحانه وتعالى - يسمع أصوات العباد كلهم برهم وفاجرهم ، كما قالت عائشة ، رضي الله عنها : سبحان الله الذي وسع سمعه الأصوات . ولكن استماعه لقراءة عباده المؤمنين أعظم ، كما قال تعالى : ( وما تكون في شأن وما تتلو منه من قرآن ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه ) الآية [ يونس : 61 ] ، ثم استماعه لقراءة أنبيائه أبلغ كما دل عليه هذا الحديث العظيم ، ومنهم من فسر الأذن هاهنا بالأمر ، والأول أولى لقوله : ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي أن يتغنى بالقرآن أي : يجهر به ، والأذن : الاستماع ؛ لدلالة السياق عليه ، وكما قال تعالى : ( إذا السماء انشقت وأذنت لربها وحقت وإذا الأرض مدت وألقت ما فيها وتخلت وأذنت لربها وحقت ) [ الانشقاق : 1 - 5 ] أي : وحق لها أن تستمع أمره وتطيعه ، فالأذن هو الاستماع ؛ ولهذا جاء في حديث رواه ابن ماجه بسند جيد عن فضالة بن عبيد قال : [ يجهر به ] من صاحب القينة إلى قينته لله أشد أذنا إلى الرجل الحسن الصوت بالقرآن . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
وقال سفيان بن عيينة : إن المراد بالتغني : يستغني به ، فإن أراد أنه يستغني عن الدنيا ، وهو الظاهر من كلامه الذي تابعه عليه وغيره ، فخلاف الظاهر من مراد الحديث ؛ لأنه قد فسره بعض رواته بالجهر ، وهو تحسين القراءة والتحزين بها . [ ص: 60 ] أبو عبيد القاسم بن سلام
قال حرملة : سمعت ابن عيينة يقول : معناه : يستغني به ، فقال لي : ليس هو هكذا ، ولو كان هكذا لكان يتغانى به ، وإنما هو يتحزن ويترنم به ، ثم قال الشافعي حرملة : وسمعت ابن وهب يقول : يترنم به ، وهكذا نقل المزني والربيع عن ، رحمه الله . الشافعي
وعلى هذا فتصدير الباب بقوله تعالى : ( البخاري أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون ) [ العنكبوت : 51 ] ، فيه نظر ؛ لأن هذه الآية الكريمة ذكرت ردا على الذين سألوا عن آيات تدل على صدقه ، حيث قال : ( وقالوا لولا أنزل عليه آيات من ربه قل إنما الآيات عند الله وإنما أنا نذير مبين أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم ) الآية [ العنكبوت : 50 ، 51 ] . ومعنى ذلك : أولم يكفهم آية دالة على صدقك إنزالنا القرآن عليك وأنت رجل أمي وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون ) [ العنكبوت : 48 ] أي : وقد جئت فيه بخبر الأولين والآخرين فأين هذا من التغني بالقرآن وهو تحسين الصوت به أو الاستغناء به عما عداه من أمور الدنيا ، فعلى كل تقدير ، تصدير الباب بهذه الآية الكريمة فيه نظر .