( أم تريدون أن تسألوا رسولكم كما سئل موسى من قبل ومن يتبدل الكفر بالإيمان فقد ضل سواء السبيل    ( 108 ) ) 
نهى الله تعالى في هذه الآية الكريمة ، عن كثرة سؤال النبي صلى الله عليه وسلم عن الأشياء قبل كونها ، كما قال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم   ) [ المائدة : 101 ] أي : وإن تسألوا عن تفصيلها بعد نزولها تبين لكم ، ولا تسألوا عن الشيء قبل كونه ; فلعله أن يحرم من أجل تلك المسألة . ولهذا جاء في الصحيح :  " إن أعظم المسلمين جرما من سأل عن شيء لم يحرم ، فحرم من أجل مسألته "  . ولما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يجد مع امرأته رجلا فإن تكلم تكلم بأمر عظيم ، وإن سكت سكت على مثل ذلك ; فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم المسائل وعابها . ثم أنزل الله حكم الملاعنة . ولهذا ثبت في الصحيحين من حديث المغيرة بن شعبة   : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينهى عن قيل وقال ، وكثرة السؤال ، وإضاعة المال وفي صحيح مسلم   :  " ذروني ما تركتكم ، فإنما هلك من قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم ، فإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ، وإن نهيتكم عن شيء فاجتنبوه "  . وهذا إنما قاله بعد ما أخبرهم أن الله كتب عليهم الحج . فقال رجل : أكل عام يا رسول الله ؟ فسكت عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا . ثم قال ، عليه السلام : " لا ، ولو قلت نعم لوجبت ، ولو وجبت لما استطعتم " . ثم قال : " ذروني ما تركتكم " الحديث . وهكذا قال أنس بن مالك   : نهينا أن نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء ، فكان يعجبنا أن يأتي الرجل من أهل البادية فيسأله ونحن نسمع  . 
وقال  الحافظ أبو يعلى الموصلي  في مسنده : حدثنا أبو كريب  ، حدثنا إسحاق بن سليمان  ، عن أبي سنان  ، عن أبي إسحاق  ، عن  البراء بن عازب  ، قال : إن كان ليأتي علي السنة أريد أن أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء فأتهيب منه ، وإن كنا لنتمنى الأعراب  . 
وقال البزار   : حدثنا  محمد بن المثنى  ، حدثنا ابن فضيل  ، عن عطاء بن السائب  ، عن سعيد بن جبير  ، عن ابن عباس  ، قال : ما رأيت قوما خيرا من أصحاب محمد  صلى الله عليه وسلم ، ما سألوه إلا عن ثنتي  [ ص: 381 ] 
عشرة مسألة ، كلها في القرآن : ( يسألونك عن الخمر والميسر   ) [ البقرة : 219 ] ، و ( يسألونك عن الشهر الحرام   ) [ البقرة : 217 ] ، و ( ويسألونك عن اليتامى   ) [ البقرة : 220 ] يعني : هذا وأشباهه  . 
وقوله تعالى : ( أم تريدون أن تسألوا رسولكم كما سئل موسى من قبل   ) أي : بل تريدون . أو هي على بابها في الاستفهام ، وهو إنكاري ، وهو يعم المؤمنين والكافرين ، فإنه ، عليه السلام ، رسول الله إلى الجميع ، كما قال تعالى : ( يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة فأخذتهم الصاعقة بظلمهم   ) [ النساء : 153 ] . 
قال محمد بن إسحاق   : حدثني محمد بن أبي محمد  ، عن عكرمة  أو سعيد [ بن جبير ]  عن ابن عباس  ، قال : قال رافع بن حريملة  أو وهب بن زيد   : يا محمد  ، ائتنا بكتاب تنزله علينا من السماء نقرأه ، وفجر لنا أنهارا نتبعك ونصدقك . فأنزل الله من قولهم : ( أم تريدون أن تسألوا رسولكم كما سئل موسى من قبل ومن يتبدل الكفر بالإيمان فقد ضل سواء السبيل   ) 
وقال أبو جعفر الرازي  ، عن الربيع بن أنس  ، عن أبي العالية  في قوله تعالى : ( أم تريدون أن تسألوا رسولكم كما سئل موسى من قبل ومن يتبدل الكفر بالإيمان فقد ضل سواء السبيل   ) قال : قال رجل : يا رسول الله ، لو كانت كفاراتنا كفارات بني إسرائيل   ! فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " اللهم لا نبغيها - ثلاثا - ما أعطاكم الله خير مما أعطى بني إسرائيل  ، كانت بنو إسرائيل  إذا أصاب أحدهم الخطيئة وجدها مكتوبة على بابه وكفارتها ، فإن كفرها كانت له خزيا في الدنيا ، وإن لم يكفرها كانت له خزيا في الآخرة . فما أعطاكم الله خير مما أعطى بني إسرائيل   " . قال : ( ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما   ) [ النساء : 110 ] ، وقال : " الصلوات الخمس من الجمعة إلى الجمعة كفارات لما بينهن " . وقال : " من هم بسيئة فلم يعملها لم تكتب عليه ، وإن عملها كتبت سيئة واحدة ، ومن هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة واحدة ، وإن عملها كتبت له عشر أمثالها ، ولا يهلك على الله إلا هالك " . فأنزل الله : ( أم تريدون أن تسألوا رسولكم كما سئل موسى من قبل   ) 
وقال مجاهد : ( أم تريدون أن تسألوا رسولكم كما سئل موسى من قبل   ) أن يريهم الله جهرة ، قال : سألت قريش  محمدا  صلى الله عليه وسلم أن يجعل لهم الصفا  ذهبا . قال : " نعم وهو لكم كالمائدة لبني إسرائيل  إن كفرتم " ، فأبوا ورجعوا  . 
وعن  السدي  وقتادة  نحو هذا ، والله أعلم . 
والمراد أن الله ذم من سأل الرسول صلى الله عليه وسلم عن شيء ، على وجه التعنت والاقتراح ، كما سألت بنو إسرائيل  موسى  ، عليه السلام ، تعنتا وتكذيبا وعنادا ، قال الله تعالى : ( ومن يتبدل الكفر بالإيمان   ) أي :  [ ص: 382 ] من يشتر الكفر بالإيمان ( فقد ضل سواء السبيل   ) أي : فقد خرج عن الطريق المستقيم إلى الجهل والضلال وهكذا حال الذين عدلوا عن تصديق الأنبياء واتباعهم والانقياد لهم ، إلى مخالفتهم وتكذيبهم والاقتراح عليهم بالأسئلة التي لا يحتاجون إليها ، على وجه التعنت والكفر ، كما قال تعالى : ( ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار جهنم يصلونها وبئس القرار   ) [ إبراهيم : 28 ، 29 ] . 
وقال أبو العالية   : يتبدل الشدة بالرخاء . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					